IMGXYZ28298IMGZYX
بدأت الأُسَر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة تواجه تحدّياً مباشراً من عدد قليل من المواطنين الشجعان الذين يطالب بعضهم علناً بتغيير النظام. تشكّل سابقة اعتقال عشرات السجناء السياسيين إلى جانب التضييق اللافت على المجتمع الأهلي، القيود الحكومية الأشد وطأة على حرّية التعبير والإعلام في المنطقة. ويتزايد الإحباط في أوساط الطبقة المثقّفة، ولاسيما بسبب الفساد، وغياب الشفافية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبعض السياسات الحكومية التي تطرح علامات استفهام أكبر، مثل الإنفاق على افتتاح فروع للمتاحف والجامعات الغربية. أما في أوساط المواطنين الأقل تعليماً، ولاسيما في الشمال، فتتّسع هوّة الثروات، مايدفع كثراً إلى التعبير عن استيائهم. ومع أن الحكومة شرعت في إنفاق مبالغ طائلة، كما فعلت السعودية في أعقاب انطلاق الربيع العربي بهدف تهدئة المواطنين، إلا أن هذا الإجراء لم يكن كافياً، ولاسيما أنه لم يترافق مع إصلاحات سياسية.
تعود جذور الحركة المعارِضة الحالية في دولة الإمارات إلى ماقبل الربيع العربي، وتحديداً إلى صيف 2009 عندما أطلق عدد من الناشطين، وبينهم طلاب جامعيون ومدوِّنون، موقعاً إلكترونياً لتبادل النقاشات. وسرعان ما اكتسب الموقع الذي زاره في وقت قصير آلاف مستخدمي الإنترنت المقيمين في الإمارات، والذي ينشر مئات التعليقات، شهرة واسعة جعلت منه المكان الأفضل للتعبير عن المظالم، وتحدّي السلطات، ومناقشة مستقبل البلاد. وفي غضون أسابيع، انطلقت نقاشات حيوية جداً عن مسائل كثيرة منها الثروة الشخصية المتزايدة للأُسَر الحاكمة، ومدى قابلية بعض الاستثمارات الإماراتية في الخارج والمشاريع الضخمة التي تنفّذها الإمارات، للاستمرارية. وبحلول كانون الثاني/يناير 2010، كان النقاش حول الموضوع الذي أثار الجدل الأكبر عبر الموقع يكتسب زخماً، فقد قرأ آلاف المستخدمين تعليقات عن تبرئة أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبو ظبي على أثر اتّهامه بممارسة التعذيب والمثلية الجنسية. بعد مشاهدة شريط الفيديو الذي يُظهِر التعذيب عبر موقع "يوتيوب"، عبّرت معظم التعليقات عن القلق الذي يشعر به المواطنون الإماراتيون بشأن تطبيق سيادة القانون على العائلات الحاكمة، والتأثير الأوسع لحكم البراءة على سمعة الإمارات على الساحة الدولية. ولم تمضِ أيام حتى بات يتعذّر على زوّار الموقع المقيمين في الإمارات، دخوله، ومَن يحاول ذلك تظهر له رسالة غريبة تفيد بوجود "مشكلة في الجهاز الخادم".
وبما أنه لم يكن بالإمكان حظر الموقع خارج الإمارات، استطاع الصمود حتى العام 2011، مع استخدام مواقع رديفة للسماح للمستخدمين المقيمين في الإمارات بالاستمرار في الاطّلاع على مضمونه. وتمحورت النقاشات حول الثورة التونسية والثورة المصرية، وعدم وجود برلمان إماراتي فعلي، وعيوب الحكّام الإماراتيين. وقد شكّل سقوط مبارك والتظاهرات في البحرين عاملاً مشجِّعاً لمؤسّسي الموقع الذين بدأوا في آذار/مارس 2011، بالتعاون مع عدد كبير من الناشطين، توزيع عرائض رُفِعَت في نهاية المطاف إلى حاكم أبو ظبي. وقد طالبت عريضة وقّعها 130 مثقّفاً ببرلمان منتخَب بكامل أعضائه وتطبيق الاقتراع العام، وبأن تعتمد الإمارات نظاماً ملكياً دستورياً يلتزم حقوق الإنسان ومبادئ أساسية أخرى.
كما وقّعت أربع منظّمات أهلية إماراتية العرائض بوصفها جهات مؤسّسية فاعلة، فأضافت ثقلاً إلى المطالب. وسرعان ما أصدرت بياناً مشتركاً اعتبرت فيه أن "المجتمع الأهلي في الإمارات يرى أن الوقت حان لمنح جميع المواطنين حق المشاركة السياسية، مع تنظيم انتخابات مباشرة لاختيار مجلس يتمتّع بسلطات اتّحادية كاملة في مجالَي الإشراف والتشريع". واشتكت المنظّمات في البيان من "عدم إشراك المواطنين في اختيار ممثّليهم، بعد عقود من إنشاء الدولة".
شكّل ردّ فعل السلطات على العريضة ومطالب المنظّمات الأهلية مفاجأة لعدد كبير من المواطنين الإماراتيين الذين لم يتوقّعوا ردّاً قمعياً. ففي مطلع نيسان/أبريل 2011، اقتيد خمسة رجال - عُرِفوا لاحقاً بـ"الإماراتيين الخمسة" - من منازلهم، كعيّنة اختيرت عشوائياً على مايبدو من بين الموقّعين. ومع أنهم أُدينوا بـ"الإساءة علناً لكبار المسؤولين الإماراتيين"، وحُكِم عليهم بالسجن ثلاثة أعوام، ثم أُعفي عنهم في غضون 24 ساعة (في مسعى على مايبدو لإظهار حاكم أبو ظبي بأنه رحيم)، إلا أن التهمة المزعومة لم تُنزَع عنهم. لكن بعد إطلاقهم، استأنفوا على الفور نشاطاتهم عبر الإنترنت، وبدوا أقوى من السابق. وقد رفعوا من جديد معظم مطالبهم التي نادوا بها سابقاً، وسرعان ماتبعهم آلاف المواطنين الإماراتيين عبر العديد من منابر الإعلام الاجتماعي. وبحلول نهاية العام الماضي، بدا أن توسّعت المعارضة ، وقد واجهت الحكومة مزيداً من الانتقادات بسبب سحبها الجنسية من سبعة إسلاميين معارضين لسياساتها من بينهم قاضٍ. وأعلن "المواطنون السبعة"، كما عُرِفوا، أنهم "استُهدِفوا عن غير وجه حق بسبب آرائهم السياسية"، بعدما كانوا قد وقّعوا في وقت سابق عريضة باسم منظمة إسلامية محلّية تدعى "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، طالبت بإيقاف "كافة الإجراءات الجائرة التي يتعرّض إليها دعاة الإصلاح في البلاد".
ويستمرّ الوضع في التدهور، إذ اعتُقِل مواطن إماراتي شاب في آذار/مارس الماضي بسبب تعليقه عن الربيع العربي على موقع "تويتر"، ووُجِّهت إليه تهمة "الإخلال بالأمن القومي والسلم الاجتماعي"، وسُلِّم إلى إحدى محاكم أمن الدولة قبل توقيفه من جديد في مسجد في نيسان/أبريل الماضي. وفي أيار/مايو، اعتُقِل شخص مرموق عديم الجنسية (كان أحد "الإماراتيين الخمسة"، ويشتهر بإدارته موقعاً إلكترونياً يتحدّث فيه بالتفصيل عن محنة "البدون" في الإمارات)، وجُرِّد من أوراق إقامته، وجرى ترحيله إلى تايلند. وبحلول نهاية تموز/يوليو المنصرم، اعتُقِل عشرات الناشطين، فارتفع عدد السجناء السياسيين إلى 54، بينهم أكاديميون وناشطون في الدفاع عن حقوق الإنسان، وإسلاميون، وحتى عضو في العائلة الحاكمة. وكان بين الموقوفين المدير السابق لمنطقة أبو ظبي التعليمية، والرئيس السابق لجمعية الحقوقيين إلى جانب عدد من المحامين. اللافت هو أن الموقوفين الأربعة والخمسين يتوزّعون على الإمارات السبع، وكانوا جميعهم تقريباً يملكون حسابات ناشطة على موقع "تويتر" قبل اعتقالهم، ويمثّلون إلى حدّ ما الطيف الكامل للمعارضة في البلاد. معظمهم محتجَزون الآن من دون توجيه تُهَم إليهم، وقد تحدّث العديد منهم عن إخضاعهم إلى التعذيب، مع تعرّض بعضهم إلى الضرب أو المطاردة من عناصر أمنية بثياب مدنية قبل اعتقالهم. وقد اتُّهِم أحد الموقوفين في البداية بالانتماء إلى منظمة إرهابية، ثم وُجِّهت إليه تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين، قبل أن يُتَّهم رسمياً باختلاس أموال من الشركة التي يعمل لديها.
لامؤشّرات توحي بأن الدولة البوليسية تنوي تليين استراتيجياتها الراهنة، وفي المقلب الآخر، ليس ثمة مؤشّرات فعلية بأن مطالب المعارضة سوف تنحسر، ولذلك يزداد أكثر فأكثر الالتباس الذي يحيط منذ عامَين تقريباً بمستقبل الأُسَر الحاكمة في الإمارات. وفي تطوّر معبّر، كشف تقرير شامل نشرته وكالة رويترز مؤخراً أن الطلاب الإماراتيين يخطّطون لتحميل أشرطة فيديو على موقعَي "يوتيوب" و"فايسبوك" عن الحاجة إلى الإصلاح السياسي، وينوون الاجتماع سراً لمناقشة الديمقراطية وسبل إنفاق ثروة البلاد النفطية. فقد قالت إحدى الطالبات في إشارة إلى المنافع الاقتصادية التي تحصل عليها كونها من الجنسية الإماراتية، ولكنها لم تَعُد كافية في رأيها: "وضعي المادّي جيّد. لا أحتاج إلى ثورة لأنني جائعة. أريد حرّياتي وكرامتي". وقد أعطت الطالبة الصحافيَ الذي أجرى معها المقابلة اسماً مستعاراً، "خوفاً من الملاحقة من الأجهزة الأمنية"، كما قالت. كما اشتكى طلاب آخرون من حكّامهم، وأشاروا إلى أن تأثير الربيع العربي سيطال حكماً الإمارات العربية المتحدة: "... هذا أشبه بالموجة. إذا كان العالم كلّه يتغيّر وإذا كانت هذه الموجة تتقدّم وتجرف الجميع معها، فسوف تمرّ بطريقة ما في هذا المكان أيضاً".
كريستوفر دايفدسون محاضر في سياسة الشرق الأوسط في جامعة دورهام في المملكة المتحدة. له مؤلّفات عدّة عن دول الخليج منها "دبي: هشاشة النجاح" و"أبو ظبي: النفط وأبعد منه"، والكتاب الذي سيصدر قريباً بعنوان "بعد الشيوخ: الانهيار الوشيك للأنظمة الملكية في الخليج".
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.