بعد أحداث 3 تموز/يوليو في مصر، يواجه حزب العدالة والتنمية الذي يُعَدّ الحزب الإسلامي الأبرز في المغرب، خطر خسارة بعض المكتسبات التي جرى تحقيقها بفعل تعديل الدستور في تموز/يوليو 2011، ناهيك عن المخاوف من التهميش في مشهد سياسي مناهض أصلاً للحزب. فقد وجّه الملك محمد السادس انتقادات مباشرة إلى الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية، في الكلمة التي ألقاها لمناسبة عيد مولده الخمسين، في مايُنذر بمواجهة بدأت معالمها تلوح في الأفق بين القصر وحزب العدالة والتنمية.

لقد وضعت قيادات حزب العدالة والتنمية في المغرب يدها على قلبها عشية عزل الرئيس محمد مرسي، خوفاً من أن يشكّل الحدث المصري دعماً لجهود إفشال التجربة السياسية للحزب من طرف المخزن، ولاسيما أن الحزب وزعيمه عبد الإله بنكيران يواجهان ضغوطاً سياسية كبيرة على الجبهات كافة (من جانب القصر، والشركاء في الائتلاف، والأحزاب المعارضة في مجلس النواب).

يمكن قراءة انعكاسات الحدث المصري على المغرب من خلال مواقف القصر والأفرقاء الموالين له. فقد سارع الملك محمد السادس إلى تهنئة الرئيس المصري المؤقّت عدلي منصور مباشرةً بعد تعيينه. وبعد ساعتَين على صدور البيان الملكي، رأى حزب الأصالة والمعاصرة المقرّب من النظام الملَكي أن التدخّل الذي قام به الجيش المصري جاء لحماية المؤسسات والديمقراطية، مع العلم بأن القصر لم يعلّق على حملة القمع الدموي الأخيرة. ويرى بعض المحلّلين أن موقف القصر ينسجم مع موقف نادي الملكيات العربية - ماعدا قطر - التي سُرَّت بالتخلّص من الأخوان.

وقد دفع تطوّر الأحداث في مصر، بحزب الاستقلال، الشريك السابق في الائتلاف الحكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية، والمعروف تاريخياً بدعمه للقصر، إلى التعجيل بسحب وزرائه من حكومة بنكيران. بل إن الأمين العام للحزب، حميد شباط، استغل فرصة عزل الرئيس مرسي للمطالبة برحيل رئيس الحكومة، "كما رحل أخوه الأخواني محمد مرسي"، بحسب تعبيره. أما جريدة العلم (الناطقة باسم حزب الاستقلال)، فعقدت مقارنةً بين الرئيس مرسي وعبد الإله بنكيران، انطلاقاً من فشلهما في تنزيل شعارات محاربة الفساد والاستبداد التي رفعاها أثناء الحملات الانتخابية، وما اعتبرته نزعة تحكّمية عندهما. يبدو أن المعركة التي خاضها حزب الاستقلال في الأشهر الستة الأخيرة كانت بإيحاءاتٍ من دوائر قريبة من القصر، وأن تحركات شباط لعرقلة عمل الحكومة نابعةٌ من تعارض مصالح القصر مع المشاريع الحكومية، خصوصاً إصلاح صندوق المقاصة الذي اعتبر رئيس الحكومة أنه لم يكن يتوقّع أن يلقى مقاومة بهذا الحجم.

إضافةً إلى ذلك، ظهرت بوادر تحرّك "شعبي" ضد الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، بعد "عجزها" عن تحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية ملموسة، خصوصاً بعد تجميد مشروعَي إصلاح صندوق المقاصة ونظام الضرائب. فقد عملت الحكومة على تحويل مخصصات صندوق المقاصة إلى الأُسَر الفقيرة عبر الدعم المباشر لها، وعلى إلغاء الامتيازات الضريبية للشركات الكبيرة. إلا أن التباطؤ في تنفيذ المشاريع الإصلاحية جرَّ على حكومة بنكيران انتقادات كبيرة من طرف نقابات عمالية وأحزاب وجمعيات مدنية.

زيادةً على ذلك، فإن نجاح حركة "تمرّد" المصرية أغرى البعض بالسعي إلى إيجاد نسخة مغربية مقابلة لها. وقد وضعت حركة "تمرّد" المغربية على رأس أهدافها إسقاط حكومة بنكيران بحلول 17 آب/أغسطس الجاري، ودعت إلى النزول إلى الشارع من أجل تحقيق هذا الهدف. وقد انضمّ أفرقاء في المعارضة (ولاسيما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الأصالة والمعاصرة) إلى حركة "تمرّد "بهدف إضعاف حزب العدالة والتنمية. لكن الحركة ألغت نشاطاتها بعد أحداث 17 آب/أغسطس في مصر.

إلا أنه من شأن الاختلاف الواضح بين شكلَي النظام ودور الجيش وبين السياق السياسي والديناميكية الإقليمية في كلا البلدين، أن يحول دون إسقاط أحداث 3 تموز/يوليو في مصر على المغرب. فطبيعة النظام الانتخابي في المغرب المتميّزة بانقسام الساحة السياسية البرلمانية، تُحتِّم تشكيل حكومات ائتلافية. كما أن المؤسسة العسكرية في المغرب ظلّت خارج اللعبة السياسية منذ العام 1970، ولاسيما بعد المحاولتين اللتين قامت بهما للانقلاب على الملك حسن الثاني. فضلاً عن ذلك، استطاعت المؤسسة الملَكية تدبير مرحلة الاحتجاجات السياسية بعد 20 شباط/فبراير 2011 بكفاءةٍ مكَّنَتها من توفير رصيد إضافي لمشروعيّتها وسمعتها، بعدما كان قد تآكل جزء منها بسبب المسارات السياسية التي عرفتها البلاد منذ العام 2003، والتي تميزت برغبة في التحكّم الشديد في تفاصيل المشهد السياسي. لكن النخب السياسية في المغرب تستطيع الاستفادة من الدرس المصري الذي تجلّى أساساً في أن تقارب القوى هو المدخل الأساسي لمواجهة السلطوية المتزايدة.

المسألة المطروحة بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، أو بالأحرى مايخشاه الحزب هو أن تتيح الأحداث في مصر للأفرقاء الموالين للنظام الملَكي في المغرب تهميشه وتعطيل دوره. وقد وجدت قيادة حزب العدالة والتنمية نفسها عالقةً بين الموقف الواضح للقصر الملكي الداعم للانقلاب والذي تتفادى الدخول في اشتباك معه، وبين مواقف قواعدها الرافضة للانقلاب.

كانت استجابة حزب العدالة والتنمية تهدف إلى تخفيف الضغط عليه وإرضاء جميع الأطراف، سواءً القصر أو قواعد الحزب، من خلال العمل على الفصل بين المواقف الحكومية (بيان خالٍ من أي موقف واضح إزاء التطورات الجارية في مصر، صادر عن وزارة الخارجية المغربية التي يسيّرها سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية)، ومواقف الحزب (الذي أدان بحذر الانقلاب وشدّد على الاختلافات بينه وبين الإخوان المسلمين) من جهة، وبين الموقف المناهض للانقلاب الذي عبّرت عنه بنياته الموازية (حركة التوحيد والإصلاح، وشبيبة العدالة والتنمية، ومنظمة التجديد الطلابي) من جهة ثانية، والتي احتجّت مؤخراً في عدد من المدن المغربية - إلى جانب جماعة العدل والإحسان وبعض السلفيين - على المجازر والعنف الممارَس ضد مناصري الرئيس محمد مرسي. وقد حضرت زوجة رئيس الحكومة في مسيرة الرباط المناهضة للإنقلاب العسكري في مصر يوم 18 غشت. إذن، قام حزب العدالة والتنمية بتوزيع الأدوار بين مكوّناته للتخفيف من حدّة الضغوط التي يواجهها من مختلف الجهات.

يعكس موقف العدالة والتنمية حجم التخوّف من إمكانية إسقاط الحالة المصرية على المغرب. فالإشارات المتناقضة التي تأتي من القصر تجعل الحزب غير مطمئنّ لما يُحاك ضده، مع العلم بأن الحزب نفسه يرسل إشارات متناقضة أيضاً. فقياداته تحذّر من أن المغرب سيغرق في الفوضى وعدم الاستقرار في حال عودة السلطوية القاسية.

محمد مصباح باحث زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين، يساهم بانتظام في نشرة صدى.