المصدر: Getty
مقال

الزواج الملكي والشباب؟

زفاف ولي العهد الأردني هو مناسبة لالتفاف الجيل الجديد معه من أجل حمل راية التحديث التي رفعها الملك.

نشرت في ٢٩ مايو ٢٠٢٣

تمر بعد أيام مناسبة غالية على كل الأردنيين هي زواج ولي العهد الأمير الحسين على الآنسة رجوة خالد آل سيف من كرام العائلات السعودية. وفي مثل هذه المناسبات الاجتماعية يلتمّ الأردنيون والأردنيات من كافة المشارب السياسية والفكرية والاجتماعية حول بعضهم البعض، متمنّين لولي عهدهم وعروسه أجمل الأيام وأسعدها. ولكن مناسبة زواج ولي العهد ليست حدثًا اجتماعيًا فحسب، أو على الأقل لا يجب أن تكون، بل هي مناسبة لالتفاف الأردنيين مع مؤسسة ولاية العهد حول مستقبل يشارك الجميع في وضعه، وبالأخص جيل الشباب الجديد الذي ينتمي اليه الأمير.

يجهد الأردن اليوم لوضع نفسه على سكة تقوده إلى دولة حداثية ركيزتها عملية تحديث سياسية واقتصادية وإدارية بدأها الملك عبد الله الثاني، عملية تسعى أن تخرجه من عنق زجاجة ضيق وتنقله إلى مئوية جديدة عنوانها الديمقراطية والتعددية والحداثة، ويمثّل ولي العهد فيها طاقة إيجابية وأمل الجيل الجديد بالانتقال من الاستقرار للازدهار، ومن الريعية للإنتاجية، ومن الإقصاء للتشاركية.

لا حاجة للقول اليوم إن هذه العملية تعتريها الكثير من العقبات، يتعلق بعضها بحداثة التجربة وحاجتها للنضوج الذي لا يأتي إلا مع الوقت، ويتعلق بعضها الآخر بإصرار البعض من قوى الوضع القائم على التشبّث بماضٍ انتهى، وبأدوات استُنفدت، وبنظم لم تعد قادرة على المحافظة على السلم الأهلي لا عن طريق الأمن الخشن أو الناعم، ولا عن طريق الموارد المالية الخارجية المتناقصة. ولعل هذا هو التطور الطبيعي للأمور، فما من عملية إصلاحية تحدث بين ليلة وضحاها، أو من دون تضحيات كثيرة، أو من دون تكرار التجربة والخطأ حتى الوصول إلى وضع مستقر تعدّدي ديمقراطي منفتح.

على الرغم من كل الإخفاقات الماضية، وكل العصي التي يتم وضعها في الدواليب، ثمة ظاهرة إيجابية بدأ يشهدها المجتمع الأردني ضمن عملية ولادة الأحزاب الجديدة التي يتم إنشاؤها الآن، ألا وهي انخراط عدد لا يستهان به من الشباب في الأحزاب الناشئة. يعاني الشباب الأردني من تحديات كثيرة يشترك فيها مع أقرانه في دول عربية عدة. فنسبة البطالة لديه هي في حدود الخمسين في المئة، وهو رقم مخيف لا يجوز أن يبقى في هذه الحدود لأنه سيطرح تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المجتمعي. يعاني الشباب الأردني أيضًا من نظام تربوي لا يؤهله لسوق العمل ولا لمواجهة تحديات الحياة المتغيرة، ومن تقييد متزايد على حريته في إبداء رأيه بصراحة ومن دون وجل. لا غرابة إذًا أن تشير استطلاعات الباروميتر العربي المتكررة عن رغبة حوالى 45 في المئة منه في الهجرة، ونحن نشهد اليوم هجرة فعلية للأدمغة الأردنية باتت مقلقة للغاية لمستقبل البلاد.

على الرغم من ذلك، أرى من خلال متابعتي الدائمة للقطاعات الشبابية أننا بدأنا نشهد حركة شبابية نشطة لا تريد الاستسلام لواقعها، وترغب في تثقيف نفسها وفي العمل الدؤوب من خلال الأحزاب التي بدأت الانتساب لها، وذلك للتهيئة لمستقبل لا يقف عند واقع آبائه وأمهاته، بل يتعدّاه لتطوير مجتمع حداثي مزدهر، يحترم تعددية كل مكوناته ويحتفي بها، فلا نبقى بين واقع أليم، ومستقبل نخاف ولوجه.

هذا هو واقع الجيل الأردني الجديد اليوم. هو جيل يتطلع إلى ولي العهد باعتباره الأقرب له، خاصة وأن سبعين في المئة من الأردنيين تحت سن الثلاثين، وهو التواق للتعبير عن آماله، من أجل حمل راية مسيرة التحديث التي رفعها الملك. لا يقنع هذا الجيل اليوم الخطاب التقليدي للدولة الأردنية، ولا التبريرات الكثيرة التي يسوقها من لا يريد الجدّية والاستدامة للعملية الإصلاحية، ولا يأبه بالتشكيك الذي يمارسه البعض ضد كل من ينادي بإصلاحات جدّية تتعدى المظاهر. هو جيل يريد أن تتبنى كل مفاصل الدولة جدّية الإصلاحات المطروحة، ويريد التغلّب على كل الصعاب التي تقف في وجه انتقال الأردن في مئويته الثانية إلى الحداثة والازدهار. هو جيل يتوق لمجتمع يعطيه فرصة العمل الحقيقية ويمنحه حرية التعبير عن رأيه، ويخلق له بيئة تمكّنه من الإبداع والابتكار.

بمناسبة زواج ولي العهد، يتوسم الجيل الشبابي الجديد مستقبلًا واعدًا للبلاد، وقناعة تامة بأن مستقبل الأردن المستقر والمزدهر، بإذن الله، يعتمد اعتمادًا وثيقًا على تهيئة المناخ السياسي والاقتصادي والتربوي المطلوب من أجل إطلاق الطاقات الكامنة لجيل بأكمله.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.