المصدر: Getty
مقال

معوّقات إبرام الاتفاقية الأميركية السعودية

لا يمكن التغافل عن جوهر المشكلة، وهو الاحتلال الإسرائيلي وضرورة بذل جهود حثيثة لإنهائه.

نشرت في ٢٠ يونيو ٢٠٢٤

 ما فتئت الإدارة الأميركية، ولشهور عدة، تسرّب أن اتفاقيةً بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية تلتزم بموجبها السعودية بالتطبيع السياسي مع إسرائيل باتت وشيكة. ولكن لا تزال ثمة عقبات عدة تقف عائقًا في طريق هذه الاتفاقية، أهمها رفض إسرائيل الالتزام ولو لفظيًا بحل الدولتَين، وهو شرطٌ أعلنت السعودية تمسّكها به قبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقية. وحتى لو تم التغلّب على هذا العائق، لا تزال فرص إقرار مثل هكذا اتفاقية من مجلس الشيوخ الأميركي محدودة، وذلك للأسباب التي أوردها أدناه.

منذ تسلّم الرئيس الأميركي بايدن السلطة، تمثّلت واحدة من أولوياته القليلة حيال الشرق الأوسط في إبرام اتفاقية سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، واعتبرت الولايات المتحدة أن إبرام السعودية لمثل هذه الاتفاقية سيساهم في خلق جو إيجابي في المنطقة ريثما تتوفّر الظروف الملائمة لاستئناف مباحثات سلام بين الجانبَين الفلسطيني والإسرائيلي على أساس حل الدولتَين. وما دام الوضع هادئًا بين الجانبَين، فيمكن إبرام مثل هذه الاتفاقية من دون الحاجة إلى إثقالها بشروط ليست إسرائيل مستعدة لقبولها في هذه المرحلة. وقد زار مسؤولون أميركيون كبار، بمن فيهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان السعودية عدة مرات، لكن من دون التوصل إلى اتفاق.

أما السعودية، فإن اهتمامها منصبٌّ بالأساس على انتزاع مكاسب من الولايات المتحدة أكثر من اهتمامها بالتطبيع مع إسرائيل. تتمثّل هذه الطلبات بقبول الولايات المتحدة ببرنامج نووي سلمي سعودي، وأسلحة أميركية متطورة، وذلك مقابل ابتعاد السعودية عن التعاون العسكري مع الصين، والأهم اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة تُلزم الأخيرة بالدفاع عن المملكة إذا تعرّضت إلى هجوم خارجي.

قطعت المفاوضات شوطًا لا بأس به حتى أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، حين أدرك الجانبان استحالة توقيع اتفاقية في ظل الظروف الحالية ومن دون تضمينها فقرات تتعلق بتقدّم جدّي على المسار الفلسطيني. لكن رغبة الجانبَين الأميركي والسعودي في إبرام اتفاقية بينهما اصطدمت بتعنّت إسرائيلي لا يقبل حتى بالتزام لفظي بحل الدولتَين من دون إقرانه بخطة جادّة لتنفيذه، فما بالك بتقدّم عملي على هذا المسار. فالحكومة الإسرائيلية الحالية أعلنت مرارًا وتكرارًا أنها لن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، بل إنها تجاهر بإجهاض حل الدولتَين أصلًا. لا بل ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حدّ التصريح مؤخرًا أن القبول بحل الدولتَين هو مكافأةٌ للإرهاب. لقد أصبح واضحًا أن هذا الالتزام الإيديولوجي الإسرائيلي برفض حل الدولتَين أهم للائتلاف الإسرائيلي الحاكم من اتفاقية تطبيعية مع السعودية.

أما السعودية، صاحبة المبادرة العربية للسلام والتي شدّدت أن شرط التطبيع مع كافة الدول العربية هو انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة، فإن تراجعها عن هذا الالتزام يبدو صعبًا. يبدو أن السعودية أدركت صعوبة قبول إسرائيل بهذا الالتزام، ولذا فقد انتقلت إلى الخطة «ب» التي تركز فيها على محاولة الوصول إلى اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة من دون الجانب الإسرائيلي، بمعنى عدم تضمين هذا الاتفاق أي بنود تفصيلية وملزمة حول الصراع العربي الإسرائيلي تجنّبًا للتعنّت الإسرائيلي.

لا تزال هذه المقاربة الجديدة - إن صحّت - محفوفةً بالمخاطر، ذلك أن اتفاقية الدفاع المشترك تحتاج إلى موافقة ثلثَي أعضاء مجلس الشيوخ، أو 67 عضوًا. ثمة الكثير من الأعضاء الديمقراطيين الذين لا يرغبون بالموافقة على الاتفاقية باعتبارهم ينظرون إلى سجل حقوق الإنسان في السعودية نظرة سلبية، وأن هؤلاء الذين قد يتجاوز عددهم العشرين قد لا يغيّرون موقفهم إلا إن تضمّنت الاتفاقية التزامًا جدّيًا بإحراز تقدّم كبير على المسار الفلسطيني. كما أن عددًا كبيرًا من الأعضاء الجمهوريين لن يروق لهم عدم وجود اتفاقية تطبيعية مع إسرائيل ضمن أي اتفاق مع المملكة العربية السعودية، وقد يعارضون الاتفاقية تبعًا لذلك.

في الماضي، كان الرأي السائد أن إدارة ترامب أفضل للسعودية من إدارة بايدن، وبالتالي قد يكون من الأفضل للسعودية الانتظار للسنة المقبلة، لعلّ ترامب يأتي إلى السلطة مرة أخرى ويقدّم للمملكة شروطًا أفضل. لكن واقع الحال اليوم، خاصة في ظل حاجة المملكة إلى اتفاقية دفاع مشترك، أن بايدن يستطيع استمالة عددٍ من الجمهوريين والديمقراطيين للموافقة على الاتفاقية وإن كان يحتاج إلى جهد كي يحصل على أغلبية الثلثَين، خاصة أن الأعضاء الجمهوريين قد لا يودّون إعطاء هذه «الجائزة» للرئيس بايدن.

أما إن جاء ترامب، فإن فرص استمالته لأي عددٍ كبير من الديمقراطيين ضعيفة للغاية للسبب نفسه. بمعنى آخر، إن فرص حصول السعودية على اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة أفضل بكثير هذا العام مما لو جاء ترامب إلى السلطة العام المقبل.

تفصلنا اليوم عن الانتخابات الأميركية خمسة أشهر، وسيصعب مع مرور الوقت تمرير هذه الاتفاقية في مجلس الشيوخ الأميركي قبل نهاية العام. تكبر فرص تمرير الاتفاقية إن أعيد انتخاب بايدن رئيسًا، أما إذا جاء ترامب، فستواجه الاتفاقية أيضًا صعوبات في مجلس الشيوخ.

تمرير اتفاقية أميركية سعودية في مجلس الشيوخ ليس مستحيلًا، ولكنه ليس بالسهولة التي تحاول الولايات المتحدة تصويرها. إضافةً إلى ذلك، فإن التركيز الأميركي على توقيع اتفاقية مع السعودية يغفل النظر عن لبّ المشكلة في الصراع، وهو الاحتلال الإسرائيلي وضرورة بذل جهود حثيثة لإنهائه.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.