المصدر: Getty
مقال

اتجاهات الانتخابات الرئاسية الأميركية

تظهر عوامل عدّة أن فرص الحزب الديمقراطي في الاحتفاظ بمنصب رئيس الولايات المتحدة قد تحسّنت، لكنها لم ترقَ بعد إلى مستوى حسم النتيجة.

نشرت في ١٩ أغسطس ٢٠٢٤

هل من المبكر حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ من دون شك، كانت فرص إعادة انتخاب الرئيس بايدن شبه معدومة، ولا شك في أنه توصّل في النهاية إلى هذا الاستنتاج، ما دفعه إلى الانسحاب من السباق الرئاسي. وإذا كان من المبكر الحكم على فرص المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فمن الواضح أنها باتت أفضل بكثير من فرص بايدن. لننظر إلى الأسباب التي أدّت اليوم إلى تقليص الفجوة الكبيرة في استطلاعات الرأي، حتى باتت بعض هذه الاستطلاعات تعطي أفضلية طفيفة لهاريس على ترامب.

يبدو من الواضح أن سنّ هاريس بحدّ ذاته يعطيها دفعة أولية، إذ إن الكثير من الأميركيين من الحزب الديمقراطي، أو من خارجه، كان ينتابهم قلقٌ حقيقي من قدرة بايدن على إدارة البلاد بكفاءة، بعد أن بدت علامات الشيخوخة واضحة عليه، بغضّ النظر عن أدائه في السنوات الأربع الماضية. فبعد أن كان عامل السنّ يعمل ضد بايدن، انعكست الآية اليوم وأصبح سنّ ترامب أحد العوامل السلبية ضدّه.

ستنحصر المعركة الانتخابية على الأرجح في ست ولايات، باعتبار أن معظم، إن لم يكن كل الولايات الأخرى، قد حسمت موقفها من أحد المرشّحَين. هذه الولايات الست هي ثلاث في ما يُدعى بمنطقة البحيرات الكبرى الواقعة في "الغرب الأوسط"، وهي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وثلاث ولايات في الجنوب الشرقي والغربي، أو ما يدعى بـ"حزام الشمس"، وهي جورجيا وأريزونا ونيفادا. هذه الولايات كافة ربحها بايدن في العام 2020 بفارق ضئيل، ما أهّله للفوز على ترامب، بينما ربح ترامب خمسًا من هذه الولايات باستثناء نيفادا في العام 2016 ما جعله يظفر بالرئاسة.

إن نظرة فاحصة لهذه الولايات الست تؤدّي إلى الاستنتاج بأن فرص هاريس في ربح ولايات الجنوب ستكون أصعب من ولايات الشمال، فالجنوب يبدو اليوم جمهوري التوجه في جلّه، حتى مع وجود ولايات متأرجحة كأريزونا مثلًا. حتى الرئيس السابق باراك أوباما لم يستطع النجاح في جورجيا وأريزونا، على الرغم من شعبيته الكبيرة، خاصة لدى الأميركيين السود في جورجيا. لذا، فإن طريق هاريس إلى الرئاسة سيحدّده على الأغلب الفوز في ولايات الغرب الأوسط الثلاث، التي تصوّت تقليديًا، وإن لم يكن دائمًا للحزب الديمقراطي، والتي تحتوي على 44 صوتًا انتخابيًا ستحتاجها هاريس جميعًا للفوز على الحافة على ترامب.

هذا يفسّر تركيز هاريس على هذه الولايات واختيارها تيم والز نائبًا لها من مينيسوتا، إحدى ولايات الغرب الأوسط، حتى إن لم تكن من الولايات الثلاث المتأرجحة. ولكنّ مرشحًا من منطقة الغرب الأوسط كوالز، الذي يحمل قيم تلك المنطقة وعاداتها، سيساعد هاريس في الظفر بهذه الولايات.

لقد أشار الكثير من التوقعات إلى أنها ستختار حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو، حتى يساعدها في حسم نتيجة هذه الولاية لصالحها، ولكن سجل شابيرو (يهودي الديانة) في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيّئ، فقد تطوّع وهو شاب للانخراط في الجيش الإسرائيلي، ووقف بقوة ضدّ الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب على غزة. لا يعني ذلك أن هذا هو السبب الذي دفعها لعدم اختياره، ولكن الأغلب أن مثل هذا الاختيار كان سيُفقدها فرصة الفوز في ميشيغان، حيث تقطن جالية عربية وازنة وقفت ضدّ بايدن بسبب موقفه المؤيّد لإسرائيل في الحرب على غزة. وقد بدأت حركة "غير ملتزم" التي شكّلها العرب الأميركيون في ميشيغان ضدّ بايدن بإرسال إشارات إيجابية نحو هاريس بعد تفضيلها لوالز على شابيرو، وبعد موقفها المتباين مع بايدن حيال غزة، إضافةً إلى موقفها المتعاطف نوعًا ما مع الاحتجاجات الطلابية ضدّ الحرب.

ثمة شعورٌ لدى كثر في المنطقة العربية أن "الخل أخو الخردل"، وأن ما من فرق بين هاريس وترامب، فكلاهما مؤيّد لإسرائيل، لكنني أختلف تمامًا مع هذا الموقف. فصحيحٌ أن السياسة الأميركية لن تتغيّر جذريًا تجاه القضية الفلسطينية في وقتٍ قريب، ولكن صحيحٌ أيضًا أن ثمة تحولًا نوعيًا في الحزب الديمقراطي لدى جناح الشباب، بدأ يقترب تدريجيًا نحو الاعتراف الجدّي بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وأن هذا التحول يجب الاستثمار فيه وتشجيعه وصولًا إلى مرحلةٍ قد ينتج عنها تغييرٌ جذري في موقف الحزب الديمقراطي نحو القضية الفلسطينية. وصحيحٌ أيضًا أن موقف ترامب معروفٌ تجاه تأييده الأعمى لإسرائيل واحتقاره للفلسطينيين ونيّته تنفيذ ما يدعوه "صفقة القرن" التي ستؤدّي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وربما على حساب الأردن.

من المبكر الحكم على نتيجة الانتخابات الأميركية، ولكن أداء هاريس حتى الآن يظهر أنها على الطريق الصحيح. كذلك أظهرت قدرة خطابية لم تُعرَف بها سابقًا، فضلًا عن استعدادها لاتخاذ مواقف متباينة عن رئيسها حيال غزة، حتى إنها لم تحضر خطاب نتنياهو في الكونغرس وبحجة واهية. يُضاف إلى ذلك أن النقاش الدائر في الولايات المتحدة، بما في ذلك تصريح ترامب أنها لم تختر شابيرو بسبب ديانته اليهودية، وبغضّ النظر عن صحته، يظهر أن الصوت العربي الأميركي بدأ يُحسب له حساب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وللمرة الأولى.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.