المصدر: Getty
مقال

ردود فعل الدروز في سورية

أصبحت هذه الأقلية في قلب العاصفة الإقليمية وسط حالةٍ من القلق والانقسام.

نشرت في ١٤ مايو ٢٠٢٥

أعادت الاضطرابات التي شهدتها سورية في الآونة الأخيرة تأجيج النقاش حول مصير الأقلّيات في البلاد، وجذبت اهتمامًا دوليًا وإسرائيليًا. ففي نيسان/أبريل، واجهت القيادة الجديدة في سورية أزمتها الداخلية الكبرى الثانية منذ آذار/مارس، بعد أحداث التمرّد في الساحل السوري، وما أعقبها من أعمال قتلٍ بحقّ العلويين.

بدأت الجولة الأخيرة من القتال في أواخر نيسان/أبريل في جرمانا، وهي مدينة ذات غالبية درزية في ريف دمشق، عندما اشتبك مسلّحون محليون مع قوات تابعة لوزارة الدفاع وإدارة الأمن العام. وسرعان ما امتدّت الاشتباكات إلى بلدة صحنايا التي تُعدّ معقلًا درزيًا آخر، وكذلك إلى محافظة السويداء في الجنوب السوري، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا في صفوف الدروز والقوات الموالية للحكومة. وبلغت هذه الأحداث ذروتها حين شنّت إسرائيل غارة جوية على منطقة مجاورة لقصر الشعب في دمشق، بذريعة الدفاع عن الطائفة الدرزية.

تجسّد هذه الأحداث المشاكل المتعدّدة التي تعانيها سورية منذ سقوط نظام الأسد، وتكشف عن المصالح الإقليمية المتنافسة في البلاد، والتحدّيات التي تواجهها في مرحلة ما بعد الحرب، والديناميات المُتغيّرة في أوساط الطائفة الدرزية. أظهر تدويل أحداث جرمانا أن سورية لا تزال ساحة صراعٍٍٍ بين القوى الأجنبية. فقد سمح سقوط نظام الأسد وخروج إيران من المشهد السوري في كانون الأول/ديسمبر الماضي لكلٍّ من تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية بالتهافت لملء الفراغ القائم والتأثير في مجريات الأحداث في سورية. تتولّى أنقرة والرياض، كلٌّ منهما لدوافعه الخاصة، قيادة الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ودعم ما أسماه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع عملية "بناء الدولة"، فضلًا عن منع الفتنة الداخلية، وتأمين الموارد للدولة (من خلال إنتاج النفط ورفع العقوبات الدولية المفروضة على سورية). ويُعدّ نزع سلاح الميليشيات ودمجها في الدولة جزءًا من هذه العملية التي تحظى بدعم كلٍّ من تركيا والسعودية.

ترى إسرائيل أن سورية التي تحكمها جماعةٌ إسلامية متطرّفة مدعومة من تركيا وقطر والسعودية، تشكّل قنبلة موقوتة. لذا، تفضّل السعي إلى تقسيم سورية، في ظلّ التزامها بمنع التهديدات بالقرب من حدودها. فانتشار الجماعات المتطرّفة في الجنوب السوري، سواء تحت غطاء الدولة السورية أو غيرها، قد يطرح تهديدًا مُحتملًا لإسرائيل، إذ يمكن أن تنسّق هذه الفصائل جهودها مع جهاتٍ محلّية أو إقليمية للتأثير في الأمن الإقليمي. تُظهر الصراعات الدائرة في غزة ولبنان وسورية استعدادَ إسرائيل للذهاب إلى أبعد مدى في سبيل فرض خطوطها الحمراء.

يقع الدروز في صميم هذه الديناميات. فالشرع يعمل على توطيد أركان حكمه عبر إعادة دمج مناطق الحكم الذاتي ضمن الدولة المركزية، من خلال نزع السلاح داخل هذه المناطق في المقام الأول. في جرمانا وصحنايا والسويداء، طالب الشرع الجماعات المسلحة المحلية بتسليم أسلحتها، ما أدّى إلى ردٍّ إسرائيلي عدواني وغير متكافئ. يُعزى سبب هذا الردّ جزئيًا إلى العلاقات التاريخية القوية بين إسرائيل ومجتمعها الدرزي المحلي، وهو يندرج أيضًا بشكلٍ كبير في إطار المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تقسيم سورية. في الواقع، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصريح العبارة أن بلاده "لن تسمح للقوات [السورية] بالانتشار جنوب دمشق أو [بتشكيل] أي تهديد للدروز".

تكشف الأحداث الأخيرة أيضًا عن اتّباع الدروز نهجَين مُتباينَين في التعامل مع القيادة السورية الجديدة، تتبنّاهما جهاتٌ محلية مختلفة وتدعمهما سلطاتٌ درزية منفصلة. يجسّد أحدَ النهجَين الزعيمُ الديني حكمت الهجري، الذي يتّخذ موقفًا متشدّدًا بشكلٍ متزايد في التعامل مع الإدارة الجديدة. فقد صرّح الهجري بأن الحكومة في دمشق "مطلوبة للعدالة الدولية"، ووصف الأحداث الأخيرة في سورية بأنها "هجمة إبادة" ضدّ أبناء طائفته، وطالب كذلك بتدخّل قواتٍ دولية لحفظ السلم في البلاد. ويتماشى موقف الهجري مع موقف موفّق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الذي تربطه علاقات وثيقة بالحكومة الإسرائيلية.

في المقابل، تبنّت شخصيات دينية، على غرار حمود الحناوي ويوسف جربوع، إلى جانب أصوات شابّة مثل ليث البلعوس، نهجًا أكثر تصالحيةً تجاه السلطات السورية الجديدة. وخلال الاشتباكات التي شهدتها مدينة جرمانا، أجروا مفاوضات مع الدولة، على عكس الهجري. وقد أيّد هذا النهج الزعيمُ الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، الذي يُعدّ مرجعيةً إقليمية مهمّة للطائفة الدرزية. وانتقد علنًا انخراط طريف المتنامي في شؤون الدروز السوريين، بدعمٍ من الدولة "الصهيونية"، وسعيه إلى توريط الدروز في "حربٍ لن تنتهي ضدّ المسلمين"، على حدّ تعبير جنبلاط. وقد تؤدّي هذه الحصيلة إلى تداعياتٍ خطيرة على كلٍّ من السوريين واللبنانيين.

مع ذلك، يبدو أن الفصائل الدرزية تُجمع على ضرورة الحفاظ على سلاحها، على الأقل في الوقت الراهن. كان هذا صحيحًا قبل الأحداث الأخيرة ولا يزال كذلك بعدها. ويعكس هذا الواقع قلقًا أعمق إزاء الوضع في سورية بسبب انعدام الاستقرار في مختلف أنحاء البلاد، وتأثيره على الأقلّيات بشكلٍ خاص. فنشاط الفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة وتصاعد الخطاب الطائفي قد يتسبّبان بحدوث المزيد من أعمال العنف، ولا سيما في ظلّ دولةٍ سوريةٍ ضعيفة غير قادرة على كبحهما. وقد برزت خلال الأحداث الأخيرة محاولاتٌ لشيطنة الدروز وصدرت دعواتٌ عفوية لإبادتهم.

من الناحية النظرية، قد يبدو تسليم السلاح إلى القيادة الجديدة مقابل الحصول على الحماية والمكافآت والمناصب والاضطلاع بدورٍ في بناء الدولة، خيارًا جذابًا. لكن في ظلّ الأوضاع غير المستقرة في سورية، يُنظر إلى الاعتماد على حكم الشرع الهشّ على أنه محفوفٌ بالمخاطر على نطاق واسع. وستكون الأقلّيات، مثل الدروز، معرّضةً للخطر من دون سلاحها. فالمشكلة ليست غياب دولةٍ فاعلةٍ أو حكم القانون، بقدر ما هي فقدان الثقة الشديد في السلطات الحاكمة. ففي العام 2015، ارتكبت جبهة النصرة، التي أصبحت لاحقًا هيئة تحرير الشام، مجزرةً بحقّ الدروز في إدلب، بينما أسفر تفجيرٌ انتحاري نفذّه أحد عناصر جبهة النصرة في العام 2017 عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 23 آخرين في بلدة حضر ذات الغالبية الدرزية.

وقعت مجزرة العلويين في آذار/مارس بعد أن كشف حشدُ الشرع لمناصريه عن القوة العارية الكامنة خلف حكمه، والتي تتألّف في المقام الأول من فصائل جهادية سنّية كانت مهمّشةً في السابق. وتجدر الإشارة إلى أن الدروز لا يُنظر إليهم بالطريقة نفسها كما يُنظر إلى العلويين الذين يَعتبرهم كُثرٌ متواطئين مع نظام الأسد في جرائمه، إلّا أن عددًا كبيرًا من أبناء الطائفة الدرزية يشعرون أن نزع السلاح سيعرّضهم للخطر. وحتى الشخصيات التصالحية، على غرار الحناوي، أعربت عن قلقها حيال أعمال القتل التي حدثت في الساحل السوري. وقد قال عضو لجنة جرمانا التي تتفاوض مع الحكومة السورية مؤخرًا: "من حقنا أن نشعر بالخوف لأننا رأينا ما حدث في مناطق أخرى".

يشكّل الدروز جزءًا لا يتجزّأ من عملية بناء الدولة في سورية. وتشكّل مسألة نزع سلاحهم ودمجهم في الدولة – أو عدم حدوث ذلك – معيارًا لقوة القيادة في دمشق. فقد حاول القادة السوريون، منذ الانتداب الفرنسي وخلال الولايات الرئاسية لكلٍّ من شكري القوتلي وحسني الزعيم وأديب الشيشكلي في خمسينيات القرن الماضي، دمجَ الدروز بالقوة في الدولة المركزية، لكنهم إمّا فشلوا في ذلك أو حقّقوا نجاحًا محدودًا. وشهدت العلاقة بين الطائفة الدرزية والدولة تحسّنًا خلال حكم حزب البعث، ولم يحدث ذلك بالإكراه، بل لأن الكثير من الدروز اعتبروا هذا الحزب قادرًا على تشكيل مستقبل سورية. وهذه عبرٌ قيّمة ينبغي على قادة سورية الجدد أخذها في الحسبان.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.