المصدر: Getty

تحديات ما بعد علي صالح في اليمن

نجاح عملية انتخاب رئيس انتقالي في اليمن هي بحدّ ذاتها نجاح لاتفاق التسوية العربي وتمثّل نمطاً جديداً في تغيير الأنظمة السياسية يختلف عن مثيلاته في مصر وتونس وليبيا، وقد يناسب الوضع السوري في حال تجاوب الرئيس السوري وقيادة النظام العسكرية والأمنية.

نشرت في ٢٤ فبراير ٢٠١٢
انتخب المشير عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن، على الرغم من دعوات المقاطعة في كلٍّ من الشمال والجنوب، تنفيذا لاتفاق التسوية الخليجي، ما سمح باجتياز اليمن مرحلة حرجة و إبعاد  شبح حرب أهلية طاحنة وفوضى عارمة.
 
الا ان المشير هادي سيواجه تحديات جمة لتأمين فترة انتقالية كما نصّ عليها اتفاق التسوية، خصوصا تلبية طموحات شباب الثورة، وإشراك جميع القوى السياسية في مؤتمر حوار وطني لصياغة دستور جديد للبلاد، وتوحيد القوات العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى حلّ قضيّتَي الجنوب والتمرّد الحوثي ومواجهة تنظيم القاعدة.
 
وضع اليمن ما بعد الرئيس علي عبدالله صالح يحلله محمد فاعور في سؤال وجواب. فيرى فاعور أن نجاح عملية انتخاب رئيس انتقالي في اليمن هي بحدّ ذاتها نجاح لاتفاق التسوية العربي وتمثّل نمطاً جديداً في تغيير الأنظمة السياسية يختلف عن مثيلاته في مصر وتونس وليبيا، وقد يناسب الوضع السوري في حال تجاوب الرئيس السوري وقيادة النظام العسكرية والأمنية.
 

كيف ترى الإقبال الكثيف على الاقتراع أمس لانتخاب المشير عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن على الرغم من دعوات المقاطعة في كلٍّ من الشمال والجنوب؟

إن الإقبال الكثيف لليمنيين (بمتوسط يتجاوز 60 بالمئة - وحتى في المحافظات الجنوبية، حيث فرض الحراك الجنوبي على المواطنين المقاطعة، شارك في عدن 50 بالمئة من الناخبين) يحمل دلالات عدة هامة:

1.     إنه رسالة من غالبية الشعب اليمني بأن الحكم التسلّطي لعلي عبد الله صالح، الذي دام 33 عاماً، ولّى إلى غير رجعة، وأن مرحلة انتقالية جديدة قد بدأت.

2.     يبدو أن غالبية الشعب اليمني تعوِّل على نجاح الرئيس الجديد في الانتقال السلمي لليمن إلى حكم يسمح للمواطنين اليمنيين بممارسة حقوقهم الأساسية في الحرية الشخصية، وحرية التعبير، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، وفي أقلّ تقدير أن يكون الحكم الانتقالي أقل استبدادية وأكثر انفتاحاً وتعددية من حكم صالح.
 
3.     إنه موافقة جلية من المواطنين على تطبيق الحلّ العربي لأزمة اليمن، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من حرب أهلية طاحنة وفوضى عارمة، وهم بذلك يدعمون الرأي القائل بأن في هذا الحلّ حقناً لدماء المواطنين وإفساحاً في المجال أمام حلول سلمية لصراعاتهم ومشاكلهم المعقدة والمتنوّعة. 

هل سيتمكّن المشير هادي، وهو الذي يُعَدّ من صلب نظام علي عبد الله صالح، من القيام بمهامه لتأمين فترة انتقالية كما نصّ عليها اتفاق التسوية؟ وهل سيتمكّن من تلبية طموحات شباب الثورة؟ما هي أبرز وأهمّ التحديات التي ستواجهه على مستوى حلّ قضيّتَي الجنوب والتمرّد الحوثي في الشمال، فضلاً عن إعادة اللحمة إلى القوات العسكرية والأمنية والمنقسمة، والقضاء على تنظيم القاعدة، إضافةً إلى إشراك جميع القوى السياسية في مؤتمر حوار وطني يتمخّض عنه صياغة دستور جديد للبلاد؟

أمام الرئيس الانتقالي المُنتَخَب لمدة عامين مهام جسيمة يصعب التنبّؤ من الآن ما إذا كان سينجح في إنجازها كلياً أو جزئياً، وإلى أي مدى. أبرز هذه المهام:

1.     حلّ قضية الجنوب حيث الحراك الجنوبي يسعى إلى الانفصال في دولة شبيهة بدولة اليمن الجنوبي في سبعينيات القرن الماضي، وذلك بعد سنوات عدة من شعور كثير من الجنوبيين بالغبن والإهمال والتمييز من قبل السلطة المركزية. وليس واضحاً كيف سيتعاطى المشير هادي مع هذه المسألة المعقّدة. فهل سيلجأ إلى أسلوب سلفه صالح في شنّ حرب توحيد جديدة؟ أم سيجلس مع القوى الفاعلة في الجنوب لوضع تصوّرٍ جديدٍ لحكم ذاتي أو إدارة ذاتية مع المحافظة على وحدة الحكم والأرض؟ أم يغري الجنوبيين بمشاريع إنمائية ضخمة حقيقية ومشاركة واسعة في الحكم المركزي؟ أم يترك المشكلة قائمة ويدخل في حوار ومفاوضة خلال فترة حكمه الانتقالي، ويترك الحلّ للرئيس التالي أو لنفسه في حال التجديد له؟

2.     حلّ قضية الحوثيين في الشمال، والتي فشل الرئيس الأسبق صالح في حلّها أمنياً على الرغم من المساندة العسكرية السعودية. ولهذه القضية جوانب متعدّدة تزيد من صعوبة حلّها، منها الانتماء الإثني والمذهبي للحوثيين (شيعة)، الذي يختلف عن أغلبية اليمنيين السنّة، وعن الدين والمذهب السائد في الدولة الجارة الكبرى، المملكة العربية السعودية، ذات المصلحة الكبرى في إخضاع الحوثيين إلى حكم صنعاء المتماهي مع مصالحها وعقيدتها الدينية.
 
ويزيد في تعقيد هذه القضية التدخّل الإيراني بأشكال مختلفة لدعم تمايز الحوثيين، والحفاظ على وجودهم وهويّتهم الدينية والقبلية، وعلى شيء من الاستقلال الإداري الذاتي. وهنا أيضاً يواجه المشير هادي خيارات صعبة ليس من الواضح إلى الآن أيّاً منها يفضّل.
 
فالحلّ الأمني أثبت فشله ولا يساعد الوضع العسكري الراهن للدولة الانتقالية في اعتماده نظراً إلى أن نجاحه مشكوك فيه جداً. ويبقى إيجاد حلّ سلمي بالتفاوض مع القوى الفاعلة للحوثيين، بحيث تُحتَرَم خصوصيتهم، ويُعطون شيئاً من الإدارة الذاتية مقابل ولائهم للسلطة المركزية، وبقائهم في دولة موّحدة. وقد يلجأ المشير هادي إلى مسار طويل من الحوار معهم والتي تعني عمليا إبقاء المشكلة من دون حلّ إلى حين انتهاء مدة ولايته.
 
3.     إعادة السيطرة على أجزاء من محافظة أبين، مسقط رأس المشير هادي، وعلى عاصمتها صعدة حيث ينتشر تنظيم القاعدة ويمارس سلطته العسكرية والمدنية.  وفي هذا اختبار هام لقدرات الرئيس الجديد القيادية وحكمته وفعالية الموارد البشرية والمادية التي بإمرته.
 
4.     إعادة تنظيم القوى المسلحة، التي يقود بعض ألويتها وأجهزتها الفاعلة أولاد الرئيس الأسبق وأقاربه، والتي انشقّت عنها قوى انضمّت إلى المعارضة، وساهمت في إسقاط حكم صالح. إن إنشاء جيش وطني موحد على أُسُس حديثة تعتمد الكفاءة والمهنية بدلاً من الولاء القبلي والإثني والديني، هو تحدٍّ كبير يحتاج إلى توافق وطني واسع، لأن تطبيقه في حال اعتماده شبه مستحيل في ظلّ سيادة الولاءات والقيم القبلية والمذهبية.
 
5.     إشراك مختلف القوى السياسية، الموالية منها والمعادية لحكم الرئيس الأسبق وحزبه الحاكم، في العملية السياسية والبناء الاقتصادي والتنمية الشاملة. وهذا يتطلّب حوارا وطنيا واسعا والتوافق على إعداد دستور جديد يضمّ سائر القوى والمحافظات، بما فيها الجنوب وسائر المناطق المتمردة أو الثائرة على السلطة المركزية السابقة.
 
6.     إعداد خطة اقتصادية-اجتماعية إنمائية شاملة بعد أشهر من التدهور الاقتصادي الذي رافق الانتفاضة الشعبية ضدّ الحكم السابق، ولا سيما أن في اليمن نسبة عالية من السكان تعيش في فقر مدقع وظروف اجتماعية صعبة. وسيحتاج اليمن هنا إلى قروض وهبات سخية من دول الجوار في الخليج العربي، لتحريك عجلة الاقتصاد والنمو، كما سيحتاج إلى خبرات دولية لبناء الخطة الإنمائية على أُسُس سليمة من الحوكمة والشفافية والواقعية. فاليمن في حاجة إلى بناء مؤسسات حديثة وفاعلة في كل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
 

هل يُعَدّ انتخاب هادي مؤشراً على نجاح التسوية؟ وهل يمكن لهذه التسوية أن تشكّل نموذجاً لحلّ نزاعات أخرى في المنطقة وخصوصاً سوريا؟

لا شك أن نجاح عملية انتخاب رئيس انتقالي في اليمن هي بحدّ ذاتها نجاح لاتفاق التسوية العربي. لكنها الخطوة الأولى في مسار طويل ومتعرّج نحو الاستقرار، والسلم الأهلي، والإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذه المسيرة تتساوى فرص النجاح والفشل، نظراً إلى ضخامة المهام الملقاة على عاتق الرئيس الجديد، وهشاشة الوضع في اليمن ومحدودية الوسائل المُتاحة من سياسية واقتصادية وعسكرية.
 
لكن التجربة اليمنية مع اتفاق التسوية تمثّل نمطاً جديداً في تغيير الأنظمة السياسية يختلف عن مثيلاته في مصر وتونس وليبيا، وقد يناسب الوضع السوري في حال تجاوب الرئيس السوري وقيادة النظام العسكرية والأمنية.
 

هل تكون الانتخابات بدايةً لمسيرة الديمقراطية والتعددية في اليمن؟ ما هو بُعدها الإقليمي والخليجي، وهل لها من تأثير على مسار الربيع العربي؟

الانتخابات بداية طيبة لمسيرة طويلة أولها التخلّص من نظام الفرد التسلّطي. لكنها مسيرة طويلة ستأخذ سنوات عديدة للوصول إلى التعددية والديمقراطية المستدامة، وهي مرشّحة للمرور بمراحل تقدّم ومراحل تقهقر. ولا يضمن حسن سيرها نحو الهدف البعيد أفضل من الحركات والأحزاب الممثِّلة لأوسع قطاعات الشعب، والتي تحرص على مواكبة هذه المسيرة ومراقبتها، والعمل بحزم على تصويب مسارها عندما تحيد عن الطريق المُخطَّط لها والمُتَّفَق عليه بين ممثّلي الشعب.
 
ولهذه الانتخابات وما يتبعها من خطوات نحو الديمقراطية أثر هام على الحياة السياسية وتطوّرها في المنطقة العربية، ولا سيما في دول الخليج العربي. فمواطنو دول الجوار يتابعون ويراقبون عن كثب ما يجري في اليمن، الجار الأكثر فقراً والأقلّ نمواً واستقراراً. فإذا ما حقّق إنجازات هامة وتجاوز كثيراً من المشاكل التي يعاني منها، أضحى نموذجاً يسهل الاقتداء به. وإذا ما فشل، أعطى درساً سلبياً قاسياً يصعب بعده على حركات التغيير في الدول المجاورة إقناع الجماهير بضرورة التحوّل الديمقراطي وحسناته.
 
ولكن، أيا كانت نتائج هذه التجربة الديمقراطية الجديدة في اليمن، فإن رياح التغيير التي هبت في المنطقة العربية لابد أن تلفح سائر دولها وتؤدي إلى تغييرات في الحياة السياسية فيها، والتي سيختلف توقيتها وحجمها وأثرها تبعا لعوامل عديدة.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.