المصدر: الشروق
صار التفتيش عن الجمال في الشرق الأوسط مهمة مستحيلة.
تحاصرنا الأخبار البائسة، من جرائم الإبادة التي يرتكبها ديكتاتور سوريا إلى جرائم إسرائيل في غزة وضد المدنيين المشاركين في مسيرات العودة، ومن جرائم الحرب التي ترتكب في اليمن إلى فظائع داعش وعصابات الإرهاب الأخرى في المشرق العربي وفي مصر وليبيا، ومن التدخل العسكري الروسي والإيراني والإسرائيلي في سوريا إلى التهديدات الأمريكية والأوروبية بتحريك الأساطيل وإطلاق الصواريخ.
تحاصرنا الأخبار البائسة، من سلب حرية الصحفيين وتصفية الفضاء العام الحر في تركيا إلى افتراس الحكومة في مصر للصحافة الحرة (سلب حرية الأستاذ عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية مثال راهن سبقه العديد من الأمثلة الأخرى).تحاصرنا الأخبار البائسة، من تعقب الفاعليات المستقلة للمجتمع المدني فى إقليم الريف المغربي إلى حصار الاقتلاع المفروض على المجتمع المدني والمعارضة السلمية في مصر.
صارت ساحات القتل والعنف وانتهاكات الحقوق والحريات تمتد امتداد خريطة الشرق الأوسط، وعلى هوامشها تحيط بنا صنوف أخرى من القبح والعجز واليأس. فنكتشف أن الحملة الحكومية العاتية على الفساد في السعودية لا تستهدف سوى المكافحة الانتقائية (ومن ثم غير الفعالة) للفساد والتخلص من مناوئين محتملين لولي العهد، مثلما توظف سياسات إقرار بعض حقوق النساء (قيادة السيارات) ومواجهة التطرف الديني (كبح جماح المؤسسة الدينية الوهابية) وصناعة حالة من الانفتاح الثقافى والفنى (تشييد دار للأوبرا وصالات للعروض السينمائية) للتعتيم على الانتهاكات المفزعة لحقوق الإنسان وللربط بين ولي العهد وبين توجه إصلاحي مزعوم. وفي مصر، أجريت انتخابات رئاسية لم يحضر بها من مقومات الانتخابات الشيء الكثير، ولم تغير المشاهد الاحتفالية المعلبة التي صاحبتها (رقصا وغناء) لا من حقيقة غياب المضمون الديمقراطى عن العملية الانتخابية ولا من حقيقة عزوف الأغلبية الشابة عن المشاركة.
وفي لبنان، يختطف رئيس الوزراء سعوديا وتفرض عليه لعدة أيام الإقامة الجبرية لدى «الكفيل» في الرياض ثم لا يجد الرجل حرجا فى أن يطلق بعد الاختطاف بأسابيع قليلة اسم ملك السعودية على شارع من شوارع العاصمة بيروت. وفي إسرائيل، يتوالى الكشف عن فضائح فساد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويواصل هو الإنكار الرديء وخلط الأوراق تارة باستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين في غزة وتارة بغارة جوية على قاعدة عسكرية سورية. وتتكرر الاتهامات بالفساد واستغلال المنصب العام ضد مسئولين حكوميين وذويهم في إيران والعراق وتركيا ومن البلدان الثلاثة إلى اتهامات مشابهة في بلدان شمال إفريقيا.
أما الجزائر التى اختفى رئيس جمهوريتها عن الأنظار منذ سنوات وباتت حالته تذكر برائعة جابرييل جارثيا ماركيز «خريف البطريرك» وكأننا في معية استنساخ واقعى للرواية، فقد عاود الرجل الظهور العلنى منذ أيام قليلة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إشارة إلى احتمالية ترشحه لفترة خامسة. ثم يتعجبون هنا وهناك من عزوف الشباب عن الانتخابات، أو يضيقون بنا حين نؤكد أن الطبيعة السلطوية هي القاسم المشترك الأعظم بين أغلبية حكومات الشرق الأوسط من جمهورية إيران الإسلامية والمملكة السعودية مرورا بتركيا التي كانت ديمقراطية ومصر التي أخفق تحولها الديمقراطي وانتهاء بالجمهورية الجزائرية والمملكة المغربية وللبلدين شكليا حياة حزبية تعددية وبرلمانات ذات أطياف سياسية متنوعة.
ليس بغريب، إذا، أن ترتفع خلال السنوات الأخيرة معدلات الانتحار بين الشباب في الشرق الأوسط، وأن تنتشر ظواهر مرضية مثل العنف الجسدي والجنسي ضد النساء والأطفال على نحو غير مسبوق بل يتوافر لها حاضنة مجتمعية تقبل ظلم النساء والأطفال وانتهاك حقوقهم كأمور اعتيادية، وأن تتوالى موجات الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا قادمة من بلدان «الاستقرار» مثلها مثل بلدان حروب الكل ضد الكل والصراعات الأهلية.
والمؤلم هو أن هذه المرحلة اللعينة بأخبارها البائسة وقبح ظواهرها مرشحة للاستمرار لفترة قادمة ليست بالقصيرة.