المصدر: الشروق المصرية
كانت المطالب الاقتصادية من الشعارات الأساسية التى رفعتها الثورة المصرية التى انتهت بإزاحة الرئيس وأعوانه، وبعد مرور نحو ستة شهور على تنحية الرئيس، بدأ المواطن المصرى يتململ ويتساءل عن الجدوى الاجتماعية والسياسية لما يجرى، فكيف تستجيب الحكومة الانتقالية للمطالب المتنامية، وما هى الرسائل التى ترسلها إلى القطاع الخاص والمجتمع الدولى؟
إن رد فعل الحكومة الانتقالية محكوم بعوامل ثلاثة: عامل الزمن والوقت الذى يمكن أن يمنحه المواطن للحكومة لتحسين الأوضاع المعيشية، العامل الثانى يتعلق بضعف مؤسسات الدولة التى تقوم على تنفيذ عملية التحول والانتقال إلى الوضع الجديد، أما العامل الثالث فيتعلق بقلة الموارد المالية المتوافرة لتمويل مرحلة التحول الحرجة.
وهناك رسائل عديدة يمكن التقاطها فى ما يخص الأداء الاقتصادي، أولها أن الحكومة الانتقالية لا ترغب باتخاذ خطوات تأخذ الطابع طويل الأجل، لذا نجدها تتلكأ فى معظم القرارات التى من شأنها التأسيس لنمط جديد فى إدارة الاقتصاد، والمفارقة أن الحكومة التى لا ترغب باتخاذ قرارات بعيدة المدى، نجدها اتخذت قرارات تخص الإنفاق العام وسيكون لها أثر طويل الأجل، أول هذه القرارات يتعلق بتثبيت نحو 450 ألف من موظفى القطاع العام كانوا يعملون بصفة مؤقتة، والثانى هو رفع الحد الأدنى لأجور القطاع العام وليس الخاص، كذلك تمّ زيادة معاشات التقاعد وتحسينها، وبغض النظر عن صوابية أو خطأ هذه القرارات، فسيكون لها آثار طويلة المدى على المالية العامة وعجزها الذى وصل الى 10 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى دون أن يرافق ذلك إطار اقتصادى متكامل.
واتضح من خلال لقاءات عدة مع رجال أعمال ومسئولين فى الدولة المصرية أن الموضوع الاقتصادى شبه مغيّب فى التفاصيل، ويبدو أن غياب الحديث عن إصلاح سياسى حقيقى لفترة طويلة، جعل الحديث عن الإصلاحات الاقتصادية شأنا هامشيا فى إطار النقاشات الجارية فى مصر، لكن المعضلة تتمثل بأن عدم تحقيق نجاحات اقتصادية ملموسة خلال الفترة الانتقالية من شأنه تهديد الإنجازات السياسية التى تحققت حتى الآن.
فعلى سبيل المثال، تتجنب الحكومة الانتقالية الحديث عن موضوع دعم السلع والمحروقات الذى يستحوذ على حوالى 10 فى المائة من الناتج المحلي، وهذا الدعم يتجاوز بكثير ما تنفقه الحكومة على الصحة والتعليم، ورغم إقرار المسئولين بأن هذا الانفاق لا يجوز أن يستمر على هذه الوتيرة، إلا أنهم يتجنبون أية قرارات جدية فى ما يخصه، وهذا يعنى أن مسلسل الإعانات العشوائية سيتواصل. وهنا يُشار الى أن هذا الموضوع يمكن أن يشكل مدخلا لصياغة جديدة فى العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويمكن تبنى سياسة متدرجة تشعر المواطن بأن التغيير بالاتجاه الجديد سيحصل لا سيما وأن معظم الخبراء والمراقبين يدعمون هكذا توجه على المدى القصير.
الموضع الآخر والذى لا يقل أهمية عن الأول هو ما يخص الدور المنتظَر والمتوقع من قبل القطاع الخاص، فمصر بحاجة الى استثمارات جديدة، ولدى مقارنة نسب الاستثمار الى الناتج المحلى فى مصر بدول أخرى مثل تركيا أو البرازيل أو تشيلى، نجدها فى مصر أقل بحوالى 20 فى المائة، تلك الاستثمارات تحتاج الى موارد مالية لا تتوافر لدى الحكومة، بالتالى عليها توفيرها من مصادر داخلية مثل البنوك ورجال الأعمال المحليين، أو من الخارج من خلال اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو من خلال الاقتراض.
وليس من الواضح ما هو المنتظر من القطاع الخاص الذى يتم اتهامه على وجه التعميم بأنه جزء من الماضى «السيئ»، وهو ساهم بما وصل إليه وضع الاقتصاد المصرى حاليا، وهذا الكلام ينطبق على جانب من القطاع الخاص الذى كان متحالفا مع الدولة وبنى ثروته بناء عليها، أم القطاع الخاص الذى كافح لبناء خبراته وثرواته فيجب الاستفادة منه خلال هذه المرحلة. لكن الرسائل التى تصل إلى هذا الجزء من القطاع الخاص ما زالت مرتبكة وغير واضحة، وهو ما يعنى استمرار الوضع على ما هو عليه فى أحسن الظروف. بدوره فإن القطاع الخاص مطالَب بإظهار رغبته العمل ضمن أطر منافسة حرة وعادلة وكذلك تنسيق ما يُعرف بالمسئولية الاجتماعية للشركات، فهذه مطالب من شأنها طمأنة الشارع المصرى المشكّك بدور القطاع الخاص.
أما الاستثمار الأجنبى فلا يُتوقع أن يتدفق الى مصر خلال هذه المرحلة، مع أن هناك مبادرات خليجية عديدة جاءت من دولة الإمارات العربية وقطر، وهى أرسلت إشارات تطمينية الى رغبتها توجيه موارد مالية استثمارية، لكن هذا غير كاف لاستعادة زخم النمو الاقتصادى واطلاق ديناميكية جديدة فى الاقتصاد المصرى أحوج ما يكون إليها خلال المرحلة الانتقالية.
وفى ما يخص الاقتراض الاجنبى، فإن مصر رفضت قرض البنك الدولى نظرا للشروط الصعبة التى رافقته، لكنها وافقت على قرض من بنك التنمية الأفريقى سيخصَص للاستثمارات، وهذا يعنى أن مصر لديها مساحة للمفاضلة فى خياراتها الاقتصادية. ويجب الانتظار لفهم سبب رحيل مسئول المساعدات الأميركية عن مصر والذى اتُهم بالتدخل فى الشئون الداخلية المصرية.
وضع « اللاقرار» الذى تلجأ اليه الحكومة المؤقتة لا يمكن الاستمرار فيه، وستجد الحكومة بعد تأجيل الانتخابات نفسها مضطرة لاتخاذ بعض القرارات التى من شأنها أن تستعيد ثقة الشارع وتشعره بجدوى التغيير. والمحددات التى تعيق التقدم يمكن تجاوزها عبر سياسات خلاقة وجريئة، بغير ذلك وفى ظل غياب الأمن، فإن هذا يعنى من وجهة نظر المواطن العادى أن الأمور ساءت بعد التخلص من نظام مبارك وهو يجعل فترة التحول غاية فى الدقة والأهمية، فهى ستقرر ليس مستقبل الاقتصاد فحسب بل نتائج المخاض السياسى.