المصدر: Getty

مهمّة أسبيدس الأوروبية ومخاطر التوقعات المتدنّية في اليمن

ستبقى حركة الملاحة عبر البحر الأحمر في المستقبل المنظور رهينةً للحوثيين وإيران باعتبارها ورقة تفاوضية يمكنهما استخدامها لانتزاع مزيدٍ من التنازلات في أماكن أخرى.

نشرت في ١٣ ديسمبر ٢٠٢٤

منذ اندلاع الحرب على غزة، أصبحت حدود اليمن البحرية ساحة صراعٍ على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية. فقد عمَدت حركة أنصار الله، المعروفة بالحوثيين، إلى عرقلة حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب الذي يُعدّ مدخلًا إلى البحر الأحمر وقناة السويس، بهدف الضغط على اقتصادات إسرائيل والدول الغربية، على حدّ تعبير الجماعة، لتسريع وقف إطلاق النار في غزة. وحاولت الولايات المتحدة والدول الأوروبية التصدّي لهذه المعضلة من خلال تشكيل قوات مهامّ بحرية لحماية حركة الملاحة، بيد أن هذه المساعي لم تتكلّل بالنجاح في الغالب.

خير مثالٍ على هذه المساعي هي عملية أسبيدس (Aspides) التي أطلقتها القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي. فعلى غرار عملية حارس الازدهار التي تشكّل تحالفًا بحريًا متعدّد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، تركّز مقاربة مهمّة أسبيدس على المدى القصير وتفتقر إلى استراتيجية شاملة للتخلّص من التهديد الذي يشكّله الحوثيون على حركة الملاحة البحرية، أو على الأقل لتقليصه بشكلٍ كبير. لذا، يحتاج الأوروبيون إلى تبنّي مقاربة مختلفة توازنُ بين سعيهم إلى الدفاع عن السفن التجارية في البحر الأحمر، وضرورة تهيئة الظروف اللازمة لإرساء سلام دائم في اليمن يضمن عدم إقدام الحوثيين مجدّدًا على تعطيل حركة الملاحة عبر باب المندب.

عملية أسبيدس: نموذجٌ في ضبط النفس

تمّ إطلاق مهمّة أسبيدس التي يقع مقرّ عملياتها في اليونان يوم 19 شباط/فبراير 2024، تماشيًا مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2722. ومن المقرّر أن تستمر هذه العملية لمدة عام واحد، وهي ترمي إلى تحقيق أهداف ثلاثة رئيسة هي: حماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين؛ وضمان عبورها الآمن في مضيق باب المندب؛ وتعزيز الوعي بالأمن البحري. وحتى أواخر أيلول/سبتمبر 2024، تمكّنت مهمّة أسبيدس من مرافقة أكثر من 250 سفينة تجارية في البحر الأحمر، وصدّ ما لا يقل عن أحد عشر هجومًا للحوثيين في أربع مناسبات على الأقل باستخدام صواريخ بالستية مضادّة للسفن. وظلّت عملية أسبيدس منفصلةً عن الغارات الأميركية والبريطانية التي استهدفت منشآت تخزين الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ التابعة للحوثيين، والتي أصبحت تشكّل حملةً عسكرية واضحة. في هذا الصدد، أشار مسؤول رفيع المستوى في الحكومة اليمنية إلى أن: "عملية أسبيدس تسعى إلى التقليل من المخاطر، وليس تحييدها [بالكامل]".1

لكن، عند التفكير بأن 22 ألف سفينة تقريبًا مرّت عبد المضيق خلال العام السابق، يبدو عدد السفن التي تمّ تأمين عبورها الآمن، أي 250 سفينة، رقمًا ضئيلًا جدًّا. وتشير البيانات إلى أن حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب انخفضت بنسبة 55 في المئة على الأقل مقارنةً مع العام 2023، ما أدّى إلى تعطيل سلاسل التوريد عبر المضيق، والتي تصل قيمتها إلى 1 تريليون دولار سنويًا. لذا فضّلت شركات الشحن الكبرى تحويل مسار سفنها لتُبحر باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح. كذلك، تواجه السفن التي تمرّ عبر المضيق تهديدات متعدّدة الأبعاد عمَدت عملية أسبيدس وعملية حارس الازدهار إلى التصدّي لها. ففي آب/أغسطس الماضي على سبيل المثال، ساهمت مهمّة أسبيدس في الحؤول دون حدوث كارثة بيئية من خلال تقديم الإغاثة لسفينة "إم في سونيون" اليونانية التي كانت مُحمَّلة بـ150 طنًّا من النفط الخام، وإنقاذ 27 بحارًا كانوا على متنها، بعد تعرّضها إلى هجوم نفّذه الحوثيون.

بادر الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق عملية أسبيدس بعد مرور شهرَين على رفض كلٍّ من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وضع سفنها تحت قيادة الولايات المتحدة في إطار عملية حارس الازدهار. وأُفيد بأن أسباب هذا الانسحاب كانت مخاوف متعلقة بالقيادة والسيطرة، والرغبة في تجنّب العمليات الهجومية، وموقف واشنطن الداعم لإسرائيل. كان الهدف من إطلاق مهمّة أسبيدس ونطاقها تشكيلَ قوة بحرية أوروبية بمنأى عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية وتماسك الاتحاد الأوروبي، نظرًا إلى اعتماده الكبير على الولايات المتحدة في سياسته الدفاعية؛ وكان الهدف أيضًا تجنّب التورّط في مواجهة غير متكافئة مع الحوثيين.2 وأراد الاتحاد الأوروبي أيضًا توطيد أواصر الثقة مع الشركاء الإقليميين، وإبداء التزامه بالدفاع عن حرية الملاحة والنظام الدولي القائم على القواعد من خلال العمل على إرساء الأمن البحري في المنطقة، والدفاع عن مصالحه عبر حماية عمليات الشحن البحري.

وفي نيسان/أبريل 2024، سلّط البيان الصادر عن الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيپ بوريل، الضوءَ على نقطة اختلاف أساسية بين النهجَين الأوروبي والأميركي تجاه الأمن البحري، مشدّدًا على أن بعثة أسبيدس "غير منخرطة في أي عمليات بريّة ضدّ الحوثيين" وأن "]سفنها[ تعمل في إطار الدفاع عن النفس". فعلى خلاف مهمة حارس الازدهار مثلًا، فإن عملية أسبيدس لا تشنّ ضربات جوية استباقية ضدّ مواقع وأهداف عسكرية تابعة للحوثيين.

وافق مجلس الاتحاد الأوروبي، من خلال إنشاء قوة أسبيدس في غضون شهر، على إطلاق عملية بحرية بمهمة محدّدة ومؤقتة وبتفويض دفاعي ومحدود، ما سمح للدول الأوروبية بالتوصّل إلى الحدّ الأدنى من الاتفاق في ما بينها على آلية صنع القرار.3 على سبيل المثال، فيما امتنعت إسبانيا عن المشاركة في كلٍّ من بعثة أسبيدس وعملية حارس الازدهار، وفّرت بلدانٌ مثل الدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا الدعم الأمني، مثل الطائرات المقاتلة والقوات البحرية والقدرات الاستخباراتية، وعبّر التنوّع في أشكال انخراط هذه الدول عن حساباتها ومصالحها وتصوّراتها المختلفة حيال الحوثيين. وقدّمت القواعد العسكرية التابعة لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في منطقتَي شرق أفريقيا والخليج، مثل الأصول البحرية الفرنسية في كلٍّ من جيبوتي والإمارات العربية المتحدة ومدغشقر والسيشل، الدعمَ اللوجستي لعملية أسبيدس، ونسّقت مع عملية أتلانتا التي أطلقتها القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي بهدف مكافحة أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال، وأيضًا مع تحالف حارس الازدهار.4

نظرًا إلى أن بعثة أسبيدس، على غرار عملية حارس الازدهار، تشكّلت في الغالب كردّ فعل تجاه سلوك الحوثيين خلال الحرب الدائرة في غزة، وأنها محدودة زمنيًا بعامٍ واحد، فما من ضمانات بأن الحوثيين لن يكرّروا عملياتهم في المستقبل. فوفقًا لمصالح محور المقاومة، أي تحالف القوى الموالية لإيران في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، قد يسعى الحوثيون مجدّدًا إلى عرقلة حركة الملاحة البحرية عبر هذا الممرّ الاستراتيجي. وستكون التداعيات أكثر فداحةً إذا حدث ذلك بالتوازي مع تنفيذ التهديدات بإغلاق مضيق هرمز وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأبيض المتوسط.

لم تحقّق عملية أسبيدس النتائج المرجوّة لا في تغيير سلوك الحوثيين ولا في إعادة حركة الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر إلى مستويات ما قبل الأزمة. لذا، السؤال اليوم هو كيف يمكن للاتحاد الأوروبي التعامل على نحوٍ أفضل مع الصراع اليمني في إطار المساعي الأوسع لصون الأمن البحري في المنطقة.

سياسة أوروبية أكثر فعاليةً للتعامل مع عمليات الحوثيين البحرية

تظهر الطبيعة القصيرة الأمد والمُقيَّدة لعملية أسبيدس أن الدول الأوروبية المُنخرطة في هذه المهمّة البحرية تسعى في المقام الأول إلى معالجة أعراض أنشطة الحوثيين، وليس مصدرها. وعلى غرار عملية أتلانتا التي أُطلقت لمكافحة القرصنة في العام 2008، وركّزت على حماية السفن والشحنات التي تنقل مساعدات إنسانية إلى الصومال والتابعة لكلٍّ من برنامج الأغذية العالمي وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، تهدف عملية أسبيدس إلى الدفاع عن السفن التجارية من دون الاعتراف على نحوٍ كافٍ بالتهديدات الأوسع نطاقًا.

في اليمن، يبسط تنظيمٌ غير حكومي (الحوثيون) سلطته على مساحة تبلغ 30 في المئة من البلاد تقريبًا، وثمّة وجودٌ أيضًا لشركاء مُحتمَلين للاتحاد الأوروبي على الأرض. وبالتالي، يختلف الوضع هناك بشكلٍ كبير عن القرصنة المنظّمة في الصومال. لكن عملية أسبيدس لم تركّز على إضعاف قدرات الحوثيين أو تقديم الدعم للحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا لمعالجة الخلل في موازين القوى في اليمن. ومن العوامل التي تفاقم هذا الخلل هو استمرار سيطرة الحوثيين على مدينة الحديدة الساحلية وموانئها. وكان هذا الأمر ممكنًا نتيجةً لاتفاق ستوكهولم للعام 2018، الذي شكّل خطأً استراتيجيًا في التقدير أدّى إلى نتائج عكسية بعد خمس سنوات. فسيطرة الحوثيين على معظم مناطق الحديدة سمحت لهم بمواصلة التزوّد بالأسلحة غير المشروعة والمعدّات العسكرية والوقود عبر موانئ مدينة الحديدة والصليف ورأس عيسى، وبإطلاق الزوارق المفخّخة والصواريخ والطائرات المسيّرة والألغام البحرية من الساحل. لو تلقّت القوات الحكومية اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة دعمًا دوليًا في معركتها للسيطرة على الحديدة، لكانت نجحت في حرمان الحوثيين من الموارد اللوجستية والعسكرية والمالية التي تمكّنهم من إغلاق باب المندب، وبالتالي تحييد التهديد الذي يشكّلونه.

صحيحٌ أن وتيرة هجمات الحوثيين على السفن التجارية تصاعدت خلال الحرب الدائرة في غزة، إلّا أنها بدأت فعليًا منذ العام 2016، خلال السنوات الأولى من الحرب التي شنّها التحالف بقيادة السعودية ضدّ الحوثيين. ويشير هذا إلى احتمال وقوع أزماتٍ بحرية جديدة حول مضيق باب المندب إذا ظلّ الحوثيون يسيطرون على شمال غرب اليمن وسط ظروفٍ حافلةٍ بالفوضى والصراعات والاضطرابات الإقليمية. حين استأنف الحوثيون هجماتهم على الملاحة البحرية العام الماضي، توقّع معظم الناس انتهاء هذه العمليات بعد بضعة أسابيع، بيد أنها لا تزال مستمرةً حتى يومنا هذه. لقد اختار الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بشكل عام فصل هذه الأزمة عن الشروط اللازمة لتحقيق السلام الدائم في اليمن، ما أدّى إلى إبقاء حركة التجارة في البحر الأحمر رهينةَ الحسابات السياسية للحوثيين الذين ينفّذون العمليات نيابةً عن إيران.

شدّد مجلس الاتحاد الأوروبي "على أهمية اليمن لخطوط الإمداد البحرية الرئيسة المستخدمة لإيصال منتجات الطاقة والسلع الأخرى؛ وعلى الهدف المتمثّل في ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج والبحر الأحمر والقرن الأفريقي؛ وكذلك على الحاجة إلى منع انتشار التنظيمات الإرهابية بشكلٍ أكبر". في ضوء ذلك، ينبغي على الأوروبيين التحلّي بالإرادة السياسية لتبنّي سياسات طويلة الأمد من شأنها ضمان إرساء الأمن والاستقرار في اليمن. لكنهم ركّزوا بدلاً من ذلك على عمليات خفض التصعيد غير المُصمَّمة بشكل جيّد والتي كافأت الحوثيين وزادتهم جرأةً، من دون تحقيق سلام دائم. وقد اصطدم هذا النهج بصعوبات واضحة.

لم تستطع مهمة أسبيدس ولا عملية حارس الازدهار تأمين حرية الملاحة عبر باب المندب، ومن غير المرجّح أن تنجحا في ذلك. إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في اتّخاذ إجراءات أكثر فعاليةً، فيجب أن تبلور دوله استراتيجية مشتركة لليمن لكي تتمتّع بحظوظ نجاحٍ أكبر. وقد يستدعي ذلك اتّباع مسارَين متوازيَين.

أولًا، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يعيد النظر في دعمه لعمليات السلام في اليمن. فهذه العمليات تقدّم حوافز للحوثيين من دون تقديم تنازلات، ولكنها لا تسهم في إعطاء الأولوية للمحادثات بشأن الوضع الأمني والانتشار غير المُنضبط للأسلحة التقليدية وغير التقليدية، وخصوصًا تلك التي يمتلكها الحوثيون وتهرّبها إيران إلى اليمن. وتُعدّ هذه المحادثات ضرورية لمعالجة التحديات الطويلة الأمد والحدّ من احتمالات انهيار آفاق السلام.

على سبيل المثال، قُبيل أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان العمل جاريًا على التوصّل إلى خارطة طريق من أجل خفض التصعيد في اليمن تحت رعاية الأمم المتحدة وبوساطة سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية. وكانت خارطة الطريق توشك على تقديم تنازلات سياسية ومكاسب اقتصادية للحوثيين، من ضمنها المساهمة في دفع الرواتب لموظفي الخدمة المدنية والمقاتلين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ وتعليق آلية الأمم المتحدة للتحقّق والتفتيش في اليمن، والسماح بالتالي بدخول البضائع، بما في ذلك الأسلحة، إلى الحديدة من دون رقابة، على الرغم من سجلّ الحوثيين السيّئ في مجال حقوق الإنسان، والشراكة السياسية، والحوكمة. وكانت الرسالة الضمنية أن المجتمع الدولي يمكن أن يغضّ الطرف عن أفعال الحوثيين المُزعزعة للاستقرار إذا بقيت محصورةً بالحدود اليمنية وباستهداف دول عربية مجاورة لا أكثر. وامتنعت الولايات المتحدة لاحقًا عن دعم خطة الأمم المتحدة بعد الهجمات التي شنّها الحوثيون على السفن التجارية، وأعادت إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية العالمية. مع ذلك، إن إطلاق عملية عسكرية تحظى بدعمٍ دولي لاستعادة السيطرة على الحديدة وحلّ الثغرات التي تشوب اتفاق ستوكهولم ليس خيارًا مطروحًا للنقاش في الوقت الراهن.

خلال الصراع المسلح في اليمن على مدى العقد الماضي، عَقِب فشل عملية الانتقال السلمي في البلاد في العام 2014، ركّز الاتحاد الأوروبي على الحوار وعلى محاولات حلّ النزاع بالتنسيق مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. وقدّم أيضًا الدعم التقني إلى الحكومة اليمنية المُعترَف بها دوليًا والمُعارِضة للحوثيين. وترافقت هذه المساعي مع توسيع الاتصالات مع الحوثيين.5 لكن واقع أن هذا النهج الناعم نسبيًا لم يغيّر سلوك الحوثيين بعد اندلاع الحرب على غزة يسلّط الضوء، من منظور غربي، على أن الحلول السريعة والمؤقّتة وسياسات الاسترضاء المتّبعة منذ توقيع اتفاق ستوكهولم لم تؤدِّ إلّا إلى زيادة جرأة الحوثيين، أي عكس ما كان مرجوًّا. يُفسح هذا الوضع المجال أمام الاتحاد الأوروبي لإعادة تقييم سياسته تجاه اليمن وتحديد ما إذا يشكّل الحوثيون تهديدًا للسلام والتجارة والأمن على الصعيد الدولي.

في ضوء التصعيد الأخير قرب مضيق باب المندب، من غير المرجَّح أن تُحرِز عملية السلام اليمنية تقدّمًا ملحوظًا في القريب العاجل. إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حقًا لليمن أن ينعم بالاستقرار والأمن وأن يتحمّل التزاماته القانونية والأخلاقية في حماية شريطه الساحلي، فسيكون من الضروري إعادة التفكير في سُبل إرساء الأمن في البحر الأحمر، والتوصّل إلى اتفاق سلامٍ دائم، وحثّ الحوثيين على الدخول في المفاوضات بحسن نية.

ثانيًا، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم الاستراتيجي للحكومة اليمنية المُعترَف بها دوليًا باعتبارها شريكًا أمنيًا على المدى الطويل في البحر الأحمر وبحر العرب. وسيؤدي توطيد الشراكة مع الحكومة وتوسيع نطاقها دورًا محوريًا في هذه الجهود المبذولة، التي يجب ألّا تقتصر على دمج الحكومة في إطار أمني خاص بالبحر الأحمر فحسب، بل أن تشمل أيضًا معالجة التفاوت في موازين القوى في اليمن على المدى البعيد إن استمرّت تهديدات الحوثيين. ويمكن أن تتضمّن السياسة الأوروبية الاستثمار في تعزيز قدرات قوّات خفر السواحل اليمنية، وأيضًا الصومالية والسودانية والإريترية والجيبوتية في القرن الأفريقي، إضافةً إلى المصرية، من خلال توفير التدريب اللازم، ونقل المعارف والمهارات، وتقديم المساعدات المالية، وتأمين العتاد الضروري مثل الزوارق والموارد الاستخباراتية المتقدّمة. ويكمن الهدف من ذلك في إفساح المجال أمام التعاون الأمني البحري على المستوى الإقليمي، بين الدول المطلّة على البحر الأحمر وخليج عدن، بما فيها السعودية. ومن شأن هذه المساعي أن تزيد الثقة الإقليمية وتوطّد الشراكات بين الدول المطلّة على البحر الأحمر، وتُجنِّب الاتحاد الأوروبي خوض مواجهة مباشرة مع الحوثيين، وهو ما يرغب في تفاديه. فعلى سبيل المثال، عمَدت القوات البحرية الفرنسية في كانون الأول/يناير من العام الجاري إلى اعتراض شحنةٍ من الأسلحة الإيرانية التي كانت في طريقها إلى الحوثيين، إنما من دون الدخول في حالة حرب ضدّهم. باستطاعة الاتحاد الأوروبي العمل تدريجيًا على تعزيز قدرات قوّات خفر السواحل الإقليمية ودمجها في إطار الجهود الأمنية المُعزَّزة في البحر الأحمر، من خلال تنويع سياساته، التي قد تشمل التعاون الإقليمي والدعم الأمني الموسّع، وفي الوقت نفسه إعادة التأكيد على أن موقفه لا يزال دفاعيًا وغير عسكري وينصّب بشكل أساسي على التخفيف من المخاطر.

لم يتم حتى الآن النقاش حول هذه الاحتمالات، على الرغم من الاعتراف الدولي المتزايد بسلوك الحوثيين المُزعزِع للاستقرار. لكن إذا كان الاتحاد الأوروبي يرى أن الحوثيين يشكّلون تهديدًا للسلم والأمن الدوليَّين، وقرّر تمديد التفويض الحالي لعملية أسبيدس إلى ما بعد شباط/فبراير 2025، وتوصّل في نهاية المطاف إلى قناعةٍ بأن منع الحوثيين من الاستيلاء على اليمن يندرج ضمن مصالح أوروبا الاستراتيجية، قد تُفسح هذه الاعتبارات المجال أمام توسيع نطاق الدعم النوعي الذي قد يحسّن القدرات الدفاعية للأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية، علمًا بأن هذه الخطوات ليست في الوقت الراهن ضمن صلاحيات عملية أسبيدس.

أما على صعيد العمليات، فلا يزال العمل جاريًا على تعزيز التنسيق وتقسيم المهامّ بين عمليتَي أسبيدس وحارس الازدهار. وتتجلّى ضرورة اتّخاذ هذه الخطوة بعد أن كادت فرقاطة دنماركية أن تُسقط مسيّرةً تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال النصف الأول من هذا العام.6 وتتمثّل الأهداف المُراد تحقيقها في تقليل الارتباك العملياتي، وتوسيع تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتفعيل بروتوكول منع التصادم (للحماية من النيران الصديقة)، فضلًا عن استخدام طائرات مسيّرة وأقمار اصطناعية متقدّمة من أجل تحسين نُظم الإنذار المبكر، واعتراض محاولات إيصال الأسلحة والمعدّات إلى الحوثيين. لن يُكتب لهذه المساعي النجاح على الفور، إلّا أنها ستحثّ الدول الغربية على الاضطلاع بدور أكثر فعاليةً يتماشى مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.

خاتمة

بعد مرورٍ عام على تعطيل الحوثيين حريّة الملاحة عبر مضيق باب المندب، وعلى الرغم من تشكيل عمليّتَين بحريتَين غربيّتَين لمعالجة هذه الأزمة، تظهر جليّةً التداعيات الناجمة عن سوء إدارة ملفّ السلام والنزاع في اليمن على مدى عقدٍ من الزمن، ولا سيما من خلال اتفاق ستوكهولم. ويشير هذا الوضع أيضًا إلى أن أسباب الصراع اليمني لا تزال قائمةً اليوم، إلى جانب حالةٍ من سوء الفهم أو الاستخفاف بإيديولوجيا الحوثيين ومشروعها المدعوم من إيران، اللذَين حوّلا الحدود البحرية اليمنية إلى ساحة معركة دولية، قد تفضي إلى تكريس وجودٍ عسكري طويل الأمد في المنطقة. إن سجلّ عملية أسبيدس، التي تسعى إلى صدّ المخاطر المُحدقة بحركة الملاحة في البحر الأحمر وتجنّب تقويض عملية خفض التصعيد الهشّة في اليمن إنما المتعثّرة في الوقت الراهن، يمثّل اعترافًا ضمنيًا بسوء التقدير الغربي الذي سبقته سنوات من سياسات الاسترضاء والاحتواء غير المثمرة في الغالب.

هذا وقد أدّى غياب الإرادة السياسية الغربية للتلاقي مع الأولويات الأمنية لدول الخليج عند تشكيل التحالف العربي ضدّ الحوثيين قبل عقدٍ، إلى تعقيد الجهود المشتركة الرامية إلى احتواء الأزمة اليوم. وساهم ذلك، مقرونًا بغياب استراتيجيةٍ طويلة الأمد، في مفاقمة التهديدات التي تلقي بثقلها على الأوضاع في البحر الأحمر. في المرحلة المقبلة، إن أي محادثات تُجرى وراء الكواليس بين الولايات المتحدة وإيران والحوثيين لوقف هجماتهم في البحر الأحمر، ستظلّ تصطدم بشروط خفض التصعيد الإقليمي التي تحدّدها طهران – سواء كانت متعلّقة بإيران نفسها، أو غزة، أو لبنان، أو أيّ مزيجٍ من هذه المناطق – ما سيعزّز سمعة الحوثيين بشكلٍ أكبر. لكن ذلك لن يحول دون تكرار هذه الأزمة في البحر الأحمر، إذ ستبقى التجارة البحرية عبر مياهه رهينةً للحوثيين وإيران باعتبارها ورقة تفاوضية يمكنهما استخدامها لانتزاع مزيدٍ من التنازلات في قضايا أخرى.

هوامش

  • 1مقابلة شخصية مع مسؤول بارز في الحكومة اليمنية طلب عدم الكشف عن هويته، 28 أيلول/سبتمبر 2024. 

  • 2مقابلة عبر الإنترنت مع دبلوماسي أوروبي بارز طلب عدم الكشف عن هويته، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2024. 

  • 3مقابلات شخصية مع دبلوماسيين أوروبيين بارزين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، عمّان، 27-29 تشرين الأول/أكتوبر 2024. 

  • 4مقابلة شخصية مع أحد الدبلوماسيين الأوروبيين البارزين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم والمذكورين في الحاشية رقم 4، عمّان، 27-29 تشرين الأول/أكتوبر 2024. 

  • 5مقابلة شخصية مع دبلوماسي أوروبي بارز طلب عدم الكشف عن هويته، عمّان، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2024. 

  • 6مقابلة شخصية مع مسؤول دفاعي أوروبي متوسط الرتبة طلب عدم الكشف عن هويته، 19 آب/أغسطس 2024.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.