المصدر: Getty

مَدُّ النفوذ إلى أبعد من اليمن: حركة أنصار الله وحلفاؤها العراقيون

يعمل الحوثيون على تعزيز روابطهم الإقليمية، ولا سيما مع قوات الحشد الشعبي التي تقدّم لهم فوائد سياسية واقتصادية وعسكرية وجيوسياسية، إضافةً إلى أدوات ضغط على دول الخليج.

نشرت في ٦ مارس ٢٠٢٥

مقدّمة

اضطّلعت حركة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، وهي جماعة متمرّدة تركّز على تعزيز نفوذها في اليمن الذي تسيطر على جزء منه، بدورٍ بارزٍ عبر الحدود في السنوات الأخيرة بوصفها جزءًا من محور المقاومة المدعوم من إيران في المنطقة. وقد يكون أفضل مثالٍ على دورها هذا تعطيلها حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، وذلك، كما تقول الحركة، ردًّا على العدوان الإسرائيلي على غزة عقب هجوم حماس في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ناهيك عن شنّها هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضدّ إسرائيل نفسها. لكن الواقع أن الحركة بدأت في استثمار قوّتها المتزايدة لكسب النفوذ الخارجي حتى قبل ذلك، ولا سيما في وجه دول الخليج العربي. فهذا ما يشير إليه كلٌّ من تعاونها مع قوات الحشد الشعبي، وهي تنظيمٌ جامعٌ تنضوي تحت لوائه فصائل عراقيةٌ شبه عسكرية عدّة، واستخدامها الأراضي العراقية لشنّ هجمات على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد استطاعت حركة أنصار الله، بفضل قدرتها على تعزيز نفسها محليًا على مدى العقدَين الماضيَين، وتوسّعها إقليميًا في الوقت عينه، من التحوّل إلى جهة فاعلة غير حكومية بارزة عابرة للحدود في المنطقة، ما شجّعها أكثر على الانخراط في أعمال تصعيدية أو هادفة إلى خفض التصعيد في الداخل والخارج.

لكن محور المقاومة تلقّى ضربات كبيرة إثر إطاحة الثوّار في سورية الرئيس السابق بشار الأسد، وإضعاف إسرائيل كلًّا من حماس وحزب الله وإيران عسكريًا وماليًا وسياسيًا. كان ذلك وحده كفيلًا بترك الحوثيين في موقع ضعيف، ولكن كان عليهم أيضًا التعامل مع التحدّي الذي فرضه قصف إسرائيل والدول الغربية البنية التحتية العسكرية والمدنية في الجزء الخاضع لسيطرتهم في اليمن، وإن كان هذا التحدّي محدودًا. ما لا شكّ فيه أن الحوثيين يمكن أن يتوقّعوا دعمًا مستمرًّا من قوات الحشد الشعبي، التي لم تتأثّر في الغالب بالأحداث الأخيرة. ومن شبه المؤكّد أيضًا أن إيران، الداعم الرئيس لهم، ستواصل مدّهم بالمال والسلاح إلى حدّ ما، نظرًا إلى قيمتهم المتعاظمة في ظلّ سقوط النظام السوري، والخسائر الذي تكبّدها حزب الله في لبنان. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان ذلك كافيًا ليحافظ الحوثيون على دورهم الجديد كلاعب إقليمي قادر على بسط نفوذه خارج حدود اليمن.

الحوثيون والحشد الشعبي: شراكة قديمة ونطاق متوسّع

لم يستطع الحوثيون، باعتبارهم سلطة سياسية غير مُعترَف بها، إقامةَ علاقات رسمية بدول أخرى غير إيران وسورية، الأمر الذي جعل إمكانية بناء روابط بجهات غير حكومية وشبه حكومية موالية لإيران في العراق أمرًا جذّابًا لهم بشكل خاص. وفي هذا السياق، تعود العلاقة بين الحوثيين والفصائل المندرجة تحت مظلّة قوات الحشد الشعبي إلى العام 2012 على الأقلّ. ففي ذلك العام، أرسل الحوثيون مقاتلين منضوين في جماعات شبه عسكرية عراقية ولبنانية إلى سورية دعمًا لنظام الأسد، الذي كان يواجه انتفاضةً مسلحةً في أعقاب الربيع العربي. وفي العام 2015، بعد أشهر قليلة من إرسال المملكة العربية السعودية وعدد من الشركاء والحلفاء العرب قواتٍ عسكريةً إلى اليمن لتحييد الحوثيين واستعادة سلطة الحكومة المُعترَف بها دوليًا هناك، أرسل الحوثيون وفدًا رفيع المستوى إلى العراق لطلب أشكال الدعم كافة، ولا سيما من قوات الحشد الشعبي.

وفي السنوات التي تلت ذلك، عقد الحوثيون الكثير من الاجتماعات، الرسمية والخاصة، مع مسؤولين ورجال دين عراقيين وإيرانيين، إضافةً إلى قادة فصائل الحشد الشعبي. واليوم، يحظى الحوثيون، الذين يُقال إنهم افتتحوا مكتبًا سياسيًا في بغداد، بعلاقاتٍ قويةٍ بكتائب حزب الله، وكتائب النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحقّ، ومنظمة بدر، وألوية الوعد الحقّ. وتستضيف فصائل الحشد الشعبي هذه سرًّا المئات من العناصر العسكرية التابعة للحوثيين في قواعدها، حيث تشارك في تدريبات مشتركة وأنشطة لتبادل الخبرات.1 ويدلّ القضاء على ضابط الصواريخ المتوسّط الرتبة، حسين مستور الشعبل، في 30 تموز/يوليو 2024، مع ستة آخرين من الحوثيين، في غارة جوية أميركية استهدفت منشأة للطائرات المسيّرة تابعة لكتائب حزب الله في جرف الصخر جنوب بغداد، على أن حجم وجود الحوثيين في مثل هذه المعسكرات أكبر مما كان يُعتقَد.2 وقد أشارت التقارير، في أيلول/سبتمبر 2024، إلى نقل حوالى خمسين مقاتلًا حوثيًا من قاعدة عسكرية في منطقة البوكمال العراقية (بالقرب من الحدود الغربية للبلاد) إلى سورية بالتعاون مع قوات الحشد الشعبي، على الأرجح لإظهار القدرة على العمل المشترك، وتعزيز استراتيجية "وحدة الساحات"، وإرسال تحذير إلى إسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أن قواسم مشتركة عدّة تجمع الفصائل الشيعية الموالية لإيران في اليمن والعراق في جوهرها: فهي تشترك في وجهات نظر عالمية مُعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتسعى إلى الهيمنة على المشهد السياسي الداخلي، وتتوخّى أجندة توسّعية، وتؤطّر أفعالَها ضدّ القوات الأميركية في المنطقة على أنها مقاومة. والأهمّ ربما هو أنها تحظى بالراعي نفسه، إيران. ليس من المستغرب إذًا أن يُثبِت الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، من خلال فيلق القدس التابع له، أنه أساسي في تنسيق التعاون التقني والعملياتي بين الحوثيين ونظرائهم الإقليميين. فضلًا عن ذلك، تسعى طهران إلى تسهيل تبادل الخبرات وزيادة القدرة على العمل المشترك في أوقات الاضطرابات، وكذلك استخدام الجبهة الأنسب في محورها لبسط النفوذ الإيراني في المنطقة في أيّ وقت.

والحال أن الحوثيين، الذين يتمتّعون بخبرة تمتدّ لعقدَين من الزمن في التمرّد ضدّ الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية، الذي تدخّل عسكريًا لدعم هذه الحكومة في آذار/مارس 2015، يمكن أن يكونوا مفيدين للحشد الشعبي بطرق عدّة. فمن جهة، أثبت الحوثيون، بفضل إيران وحزب الله، مهارتَهم في تجميع الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجّهة قصيرة المدى وتعديلها باستخدام مكوّنات فردية استُقدِمَت بشكل غير شرعي، بسبب الحظرَين الجوّي والبحري اللذَين يمنعان شحن الأسلحة إلى اليمن. ومن بين هذه الطائرات المسيّرة نماذج بديلة عن طرازَي "شاهد" و"صماد" المصمّمَين في إيران، تُصنَّع باستخدام معدّات صينية وغيرها.3 ونظرًا إلى أن الحوثيين أسقطوا كما يُقال ما لا يقلّ عن أربع عشرة طائرة مسيّرة أميركية باستخدام صواريخ أرض-جوّ إيرانية، بدعم من إيران وحزب الله، بإمكانهم مساعدة فصائل الحشد الشعبي في تحسين دفاعاتها الجوية.4 ويبدو أن ذلك حدث بالفعل، إذ إن "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهو مصطلح جامع يُعتقَد أن فصائل الحشد الشعبي تستخدمه، زعمت أنها أسقطت طائرتَين مسيّرتَين أميركيتَين بنجاح منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

يقدّم العراق في نظر الحوثيين فوائد سياسية واقتصادية وعسكرية وجيوسياسية، خصوصًا أنه يشترك مع المملكة العربية السعودية في حدودٍ تمتدّ على طول 811 كيلومترًا. في أيلول/سبتمبر 2019، وخلال فترة التوترات المتزايدة بين الحوثيين والرياض، شُنّ هجومٌ بالطائرات المسيّرة استهدف منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص. ومع أن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم، وجد تحقيقٌ أجرته الأمم المتحدة لاحقًا أن الهجوم لا يمكن أن يكون قد شُنّ من اليمن، بل يبدو أنه جاء "من اتجاه الشمال/الشمال الغربي والشمال/الشمال الشرقي"، أي من العراق أو حتى إيران، مع احتمالٍ كبيرٍ بأن يكون الجناة مجموعة أو أكثر من مجموعات الحشد الشعبي تعمل نيابةً عن الحوثيين. وقد برزت إمكانية تكرار هذا السيناريو في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وفي تموز/يوليو 2024، حينما تصاعدت التوتّرات بين الحوثيين والرياض مرة أخرى، وهدّدت ألوية الوعد الحقّ وكتائب حزب الله على التوالي باستهداف المملكة العربية السعودية. ومن خلال ترتيبات المقايضة التي توصّل إليها الحوثيون مع فصائل الحشد الشعبي، تمكّنوا فعليًا من التفوّق على السعودية، واضعين إيّاها أمام تحدّ جيو-استراتيجي كبير.

فضلًا عن ذلك، يتيح وجود الحوثيين في العراق تهريب الأسلحة من الأراضي العراقية إلى اليمن عبر السعودية، حتى إن قوات الحشد الشعبي زوّدتهم بـ"الوقود العراقي المجاني والمدعوم بشكل كبير، بما في ذلك الديزل والنفط"، الذي تعمل على شحنه إلى الحديدة من البصرة في انتهاكٍ للحظر الدولي.5 وغالبًا ما يجري ذلك عبر الموانئ البحرية في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، حيث تُنقَل الشحنات من سفينة إلى سفينة، وتُزوَّر الوثائق لتسهيل العملية. وقد قدّر تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ باليمن في العام 2019 أن إيران نقلت إلى الحوثيين نفطًا بقيمة 24.4 مليون دولار على الأقلّ شهريًا. علاوةً على ذلك، كان الحوثيون ينقلون مقاتلين إلى العراق جوًّا عبر سلطنة عُمان، قبل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي في العام 2022. لكنهم ينقلون الآن بعضهم على الأقلّ، بجوازات سفر مزوّرة، من مطار صنعاء إلى عمّان في الأردن، ما يجعل نقلهم إلى العراق لاحقًا أسرع بكثير.6

أخيرًا، يستطيع الحوثيون استخدام العراق قاعدةً لجمع التبرّعات وإجراء التحويلات المالية. فعلى سبيل المثال، نظّم المتحدّث باسم كتائب حزب الله أبو علي العسكري، والأمين العام لعصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي، والمتحدّث باسم تجمّع شباب الشريعة أمير الموسوي، أنشطةً عامةً لجمع التبرّعات نيابةً عن الحوثيين، لأسباب ليس أقلّها دعم برنامج الطائرات المسيّرة الخاص بهم. والواقع أن أنشطة جمع الأموال هذه ليست مستقلّة وطوعية كما يُصوَّر، بل هي آلياتٌ منهجيةٌ لمساعدة الحوثيين في تجنّب تدقيق الجهات المعنيّة بمراقبة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.7 أما التحويلات المالية، فغالبًا ما تُجرى عبر شبكات الحوالة أو طرق غير رسمية مماثلة، ما يعقّد عملية تحديدها وتعقّبها واعتراضها.

مكّنت هذه الديناميكيات مجتمعةً الحوثيين من تجاوز وضعهم الأوّلي بوصفهم ظاهرة يمنية محلية. وقد بلغ هذا التحوّل ذروته مع التدابير التي اتّخذوها ضدّ إسرائيل، كما يقولون، ردًّا على عدوانها المتواصل على غزة، وضدّ الدول التي تتعامل تجاريًا مع الإسرائيليين. ففي أوائل العام 2024، أثبت الحوثيون قدرتهم على ضرب إسرائيل، التي تبعد عن اليمن نحو 1800 كيلومتر، بالطائرات المسيّرة والصواريخ، وعلى إعاقة حركة التجارة منها وإليها بشكل محدود. واستأنفوا توجيه التهديدات ضدّ دول الخليج العربي من وقت إلى آخر. باختصار، لقد أعاد الحوثيون تعريف أنفسهم كجهة فاعلة عابرة للحدود. ومع ذلك، تغيّرت الأمور بشكل كبير في العام التالي.

محور المقاومة أضعف ولكن يصعب التنبّؤ به أكثر من أيّ وقت

تلقّى المحور التي تقوده إيران ضرباتٍ كبيرةً في العام 2024، الأمر الذي أثار التساؤل حول فاعلية استراتيجية "الدفاع المتقدّم" التي تنتهجها طهران، والتي تقوم على نشر شبكة من الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية في كلّ من لبنان وسورية واليمن والعراق. أضف إلى ذلك أن هذه الضربات قيّدت قدرة بعض أعضاء المحور على دعم بعضهم البعض بشكل مباشر. ومع إسقاط الثوّار السوريين نظامَ الأسد، وإضعاف إسرائيل حزبَ الله بشكل كبير، بدأت تتفكّك عملية التطويق الاستراتيجي التي قادتها إيران ضدّ إسرائيل ودول الخليج. هذه النكسات كلّها إنما تعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة ضد مصالح المحور. ولهذا السبب تحديدًا، من شبه المؤكّد أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني سيشجّع تعزيز الروابط بين الحوثيين وقوات الحشد الشعبي. ونظرًا إلى المشهد السياسي الداخلي المعقّد في العراق، والضغط الأميركي المتزايد على الحكومة العراقية لحلّ الميليشيات في البلاد، قد تبدأ إيران في الاعتماد على الحوثيين أكثر من الحشد الشعبي. مع ذلك، لم يتّضح بعد إلى أيّ مدى سيكون الحوثيون (وقوات الحشد الشعبي) على استعداد لتحمّل المخاطر التي ينطوي عليها تحوّلُهم إلى الجهة الرئيسة لنشر النفوذ الإيراني في المنطقة.

في لبنان، تمكّنت إسرائيل من القضاء بصورة منهجية على قادة الصف الأول في حزب الله، من بينهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، إضافةً إلى القائدَين البارزَين باسل شكر ومحمد حسين سرور، اللذَين كان يشرفان على الدعم المقدّم للحوثيين في ما يتعلق بالطائرات المسيّرة والصواريخ. وقد أجبر ذلك حزب الله على الالتفاف نحو الداخل والتركيز على إعادة هندسة قدراته وخبراته وسلاسل إمداداته. نتيجةً لذلك، تضاءلت عمليات دعمه لوكلاء إيران الآخرين والشركاء الاستراتيجيين في اليمن وسورية والعراق. ومن المستبعد أن يستأنف الحزب تقديم دعمٍ استراتيجي مباشر إلى الحوثيين إلى أن يستعيد موقعه داخل الطيف السياسي اللبناني، وهو أمرٌ غير أكيد بحدّ ذاته.

أما في سورية، فقد انقلب ميزان القوى بين ليلة وضحاها نوعًا ما، وكان لذلك عواقب وخيمة على الحوثيين. فقد اتّهمت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التابعة لهم، في بيان لها، هيئة تحرير الشام، وهو الفصيل الثوري الذي قاد عملية الإطاحة بنظام الأسد، بالتواطؤ في تنفيذ "مخططات أميركية وصهيونية لاستهداف وتفكيك محور المقاومة وإشعال الفتنة وصرف الأنظار عن غزة". صحيحٌ أن دمشق كانت أنهت اعترافها السياسي بالحوثيين في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023، من خلال طرد ممثلهم الدبلوماسي آملةً أن تدعم الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، إلّا أنها استمرت في استضافة لواء صعدة الحوثي. مع ذلك، أشارت تقارير إلى انسحابه باتجاه العراق مع وحدات من قوات الحشد الشعبي في 7 كانون الأول/ديسمبر، مع تقدّم الثوّار بقيادة هيئة تحرير الشام وتفكّك قوات النظام.

ولم تَسلم أيضًا إيران، التي تُعتبر عماد محور المقاومة. فخلال الهجمات المتبادلة بينها وبين إسرائيل، استهدفت الغارات الإسرائيلية على إيران مستودعات عسكرية، ومواقع مرتبطة بالبرنامج النووي، وأنظمة الدفاع الجوي التي تحمي منشآت النفط والغاز الحيوية. وقد أثار ذلك إلى حدّ كبير مخاوف واسعة من حدوث نقص في إمدادات الوقود، ما دفع النظام إلى خفض الحدّ الأقصى للتزوّد بالوقود. في المقابل، علت أصوات السخط الشعبي، ما كشف إلى حدّ كبير ضعف النظام عند تأثُّر الخدمات الأساسية. علاوةً على ذلك، تحوّلت موجات الاستياء حيال السياسة الخارجية إلى انتقادات صريحة بعد سقوط الأسد والخسائر التي تكبّدها حزب الله. فواقع أن طهران أنفقت مليارات الدولارات على النظام السوري وحزب الله، لينهار الأول ويُمنى الثاني بهزيمة كبيرة، لم يرُق للكثير من الإيرانيين. يمكن القول إن النظام الإيراني في أضعف حالاته منذ عقود.

في اليمن، تعرّض الحوثيون لضربات جوية وصاروخية أطلقتها إسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. فقد استهدفت إسرائيل إلى حدّ كبير البنية التحتية الحيوية، بما فيها ميناء الحديدة ومطار صنعاء، فضلًا عن منشآت تخزين النفط ومحطات الطاقة، ما تسبب بتوقفها عن العمل بصورة مؤقتة. أما الولايات المتحدة، فاستهدفت بعض هياكل القيادة والسلطة التابعة للحوثيين في صنعاء. وعلى الرغم من أن الأضرار لم تكن هائلة في الحالة الثانية، وما من معلومات حول تصفية أي من القادة البارزين، قد تتسبب الضربات المتتالية بخسائر فادحة. من شأن هذا الواقع أن يجعل حياة اليمنيين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أصعب حتى، مع العلم بأنهم يرزحون أصلًا تحت وطأة عقوبات دولية.   

إذًا، تعرّض المحور ككل لانتكاسة، بشكل قد يتعذّر إصلاحه. لكن المفارقة أن هذا قد يُنذر ببداية دور أكبر لبعض مكوناته. فمع سقوط الأسد وإضعاف حزب الله إلى حدّ كبير، قد ترى طهران اليوم قيمة استراتيجية أكبر في الحوثيين وقوات الحشد الشعبي. فحركة أنصار الله تحتفظ بجزء كبير من قوتها ومكانتها الإقليمية، وقوات الحشد الشعبي لا تزال سليمة، على الرغم من أنهما سترزحان على الأرجح تحت وطأة المزيد من الضغوط الأميركية بالنظر إلى إعادة إدارة دونالد ترامب الثانية اعتماد استراتيجية ممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران، وبالتالي على وكلائها. وعلى المدى القريب، لن يكون بمقدور لا الحوثيين ولا قوات الحشد الشعبي مساعدة إيران في إنقاذ مكانتها الإقليمية وتعويض آخر الخسائر الاستراتيجية التي تكبّدتها. لكن من المرجّح إلى حدّ كبير أن يكون الحوثيون، بالمقارنة مع قوات الحشد الشعبي، الطرف الرئيس في الأنشطة التي ترعاها إيران في المنطقة. ففي حين تعزف قوات الحشد الشعبي بشكل متزايد عن الدخول في مواجهة مع إسرائيل، أعلن زعيم حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، بأن قواته ستواصل شنّ هجمات ضدّ إسرائيل في حال لم تلتزم هذه الأخيرة بشروط اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير. وقد يكون الحوثي يأمل في جعل جماعته الجهة الأساسية في محور المقاومة والضامنة لوقف إطلاق النار، وأن يخلف هو نفسه الراحل حسن نصر الله.

قد يعكس هذا الواقع موقف إيران إلى حدّ كبير. ففي ما يتعلق بالحوثيين، قال القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين الله كرم، في بيان مؤخرًا: "ببساطة، كانت سورية بمثابة العمود الفقري والموصل لمحور المقاومة، ولعبت دورًا لا مثيل له في أي هجومٍ محتملٍ على الجبهة الشمالية لفلسطين، ولكن في إطار الإيديولوجية الاستراتيجية انتقل هذا الدور الآن إلى اليمن بعد خسارة سورية". لن يكون مفاجئًا أن يتبنّى قادة حاليون في الحرس الثوري الإيراني التفكير ذاته، أو حتى أن يكونوا قد شجعوا على تنفيذ هجمات مشتركة بين الحوثيين وقوات الحشد الشعبي ضدّ إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر. صحيحٌ أن هذه الهجمات المشتركة نادرةٌ حتى الآن، إلّا أنها قد تدلّ على تعاون بين الحوثيين وقوات الحشد الشعبي في المستقبل.

خاتمة

أسهم وقوف الحوثيين في وجه إسرائيل، حين كان الغضب الشعبي في أوجّه جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، في صقل صورتهم محليًا ودوليًا. حتى أن هذا الموقف أسكت – على الأقل مؤقتًا – الانتقادات الشعبية المتزايدة إثر عجز الحوثيين عن تقديم الخدمات ودفع الرواتب، ناهيك عن سوء إدارتهم للمناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتهم بشكل عام. قد يدفع ذلك، مقرونًا برغبة إيران في التعويض عن انهيار النظام السوري وضعف حزب الله، الحوثيين إلى شنّ المزيد من الهجمات ضدّ إسرائيل، والعمليات التجارية المرتبطة بها. لكن من الممكن أيضًا ألّا تبلغ الأمور أبدًا هذه المرحلة. فإن تشاركت قيادة كلّ من الحوثيين وقوات الحشد الشعبي الاعتقاد السائد بأن إيران تخلّت عن حزب الله والأسد عندما أصبح دعمهما مُكلفًا للغاية، قد تختار التريّث وإعادة النظر في خطواتها. في مثل هذه الحالة، وبغض النظر عن إصرار إيران، قد تختار المجموعتان تقليص عملياتهما، وهي خطوة سبق أن أقدمت عليها فصائل عدّة من قوات الحشد الشعبي، بهدف ضمان مستقبلها في منطقة كانت شاهدةً على تضاؤل نفوذ محور المقاومة وانتشاره بشكل ملحوظ.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK International Development التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

  • 1مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير أمني عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته وموقعه، 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

  • 2مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير فرنسي في شؤون أمن الشرق الأوسط، باريس، طلب عدم الكشف عن هويته، 6 كانون الأول/ديسمبر 2024.

  • 3المصدر السابق.

  • 4مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير أوروبي في شؤون أمن الشرق الأوسط، باريس، طلب عدم الكشف عن هويته، 5 كانون الأول/ديسمبر 2024.

  • 5مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير في أمن الدول الخليجية، طلب عدم الكشف عن هويته وموقعه، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

  • 6مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير أمني يمني، باريس، طلب عدم الكشف عن هويته، 6 كانون الأول/ديسمبر 2024.

  • 7مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير أمني عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته وموقعه، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

     

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.