أثار إعلان ستارلينك تساؤلاتٍ بشأن اختيار اليمن بوصفه أول بلد عربي لإطلاق خدمة الإنترنت الفضائي في هذا التوقيت الذي يشهد تصاعد الهجمات على حركة الملاحة في البحر الأحمر قلقا وتباينا في المواقف. تركزت التساؤلات على الأهداف من إطلاق خدمة الإنترنت الفضائي، وعلى مخاطرها على الأمن القومي اليمني ولاسيما بعد اعتراض عدد من الدول كروسيا وجنوب إفريقيا وإيران والصين والهند على السماح لهذه الشـركة بالعمل على أراضيها. ولعل مسارعة سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن للتهنئة بهذا الخصوص قد رفعت مستوى الأسئلة والتساؤلات عن أهداف تزويد اليمن بالإنترنت الفضائي.
بين الترحيب والتنديد
رحبت الحكومة الشـرعية بإعلان شـركة ستارلينك بدء خدماتها في اليمن، مشيرة إلى انتهاكات الحوثيين لخدمات الاتصالات والإنترنت كوسيلة تجسسٍ على كافة تحركات الجيش الميدانية، بل وعلى مراقبة الاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي ؛ الأمر الذي دفعها للبحث عن بدائل لتلك الخدمات، فقامت بإنشاء (شـركة عدن نت) التي لم تفِ بالغرض المطلوب؛ فاتجهت نحو شـركة ستارلينك، وتدافع عن اختيارها لها كمزودٍ خدمة إنترنتٍ بعيدةً عن إمكانية استخدامها أداة للتجسس الذي شمل حتى المواطنين والمنظمات الدولية والقيادات السياسية والعسكرية – طبقاً لتقارير دولية متخصصة في الأمن السيبراني –، عدَّه البعض ضـربةً موجعةً للحوثيين، وكسـراً لاحتكارهم لخدمة الإنترنت، وتأميناً للاتصالات العسكرية الخاصة بالحكومة الشـرعية على غرار التجربة الأوكرانية.
بينما اعتبرت حكومة صنعاء (الحوثيين) بأن تزويد شـركة ستارلينك لخدماتها في اليمن يحمل العديد من الأخطار، أبرزها انتهاك السيادة اليمنية، وتهديد أمنه القومي، و إضـرار النسيج المجتمعي، وتقويض قدرة الحكومة على حماية خصوصية المواطنين وبياناتهم، كما حذَّرت المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها من التعامل مع هذه الشـركة واستخدام خدماتها، وتوعَّدت باتخاذ التدابير اللازمة لحماية سيادة البلاد وأمنها؛ وهو ما يعدُّ تهديداً مبطناً لمن يجرؤ على استخدام هذه الخدمة، و تداول أجهزتها، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك حيث اعتبرت هذه الشـركة أداةً لتسهيل عملية التجسس على القوات اليمنية، وتسهيل مراقبة وتحديد أماكن إطلاق الصواريخ التي تستخدم لشن الهجمات في البحر الأحمر.
الـمخاوف والتساؤلات
إضافةً إلى ما ذهبت إليه وزارة الاتصالات في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بشأن أسباب إطلاق خدمة الإنترنت الفضائي في اليمن؛ فقد عبَّر خبراء وتقنيون عن مخاوف عدة، منها أولا: تسييس الاتصال واستخدامه كسلاح؛ تذهب بعض الآراء إلى أن دخول شـركة ستارلينك إلى اليمن هدفه هو استخدام قطاع الاتصالات كسلاحٍ في مناطق النزاع فيه، ولاسيما أن جميع الأطراف المتنازعة تتعامل مع الاتصالات بوصفها أداة حربٍ وورقة مساومة في المقام الأول.
ثانيا: استخدام الإنترنت أداة لتعزيز النفوذ الأمريكي؛ يرى يمنيون أن شـركة ستارلينك على علاقة مع أجهزة استخباراتية أمريكية مُستندين إلى تقارير صحافية أصدرتها وكالة رويترز وصحيفة فايننشال تايمز الأمريكية عن افتقار أمريكا وبريطانيا إلى المعلومات الاستخبارية في حملتهم العسكرية في البحر الأحمر؛ في الوقت الذي يرى فيه آخرون بأن دخول ستارلينك إلى اليمن قد يستخدم أداةٍ لتعزيز النفوذ والتواجد الأمريكي في المنطقة، وخاصةً في ظل الصـراعات القائمة في اليمن، ما يهدد بتوسع رقعة الصـراع لتطال مدارات الفضاء الخارجي، نظراً لوجود سابقة لمشاركة ستارلينك في الحرب الروسية الأوكرانية، بحسب تقارير، إذ نقلت خدماتها لأوكرانيا التي استفادت منها لوجيستياً في الحرب. ثالثا: السيطرة على تدفق المعلومات؛ تلعب السيطرة على المعلومات دوراً رئيساً في النزاع اليمني القائم منذ عام 2014 وحتى الآن، ويمكن استخدام هذه المعلومات التي تجمع عبر الإنترنت الفضائي لأغراضٍ استخباراتيةٍ أو اقتصادية؛ الأمر الذي يمكن وصفه بأنه عسكرةً لخدمة ستارلينك تدريجياً.
يبدو أن اليمن مقبلٌ على صـراعٍ جديد، بين مؤيدٍ ورافضٍ لدخول شـركة ستارلينك لتزويد البلاد بالإنترنت الفضائي، وهو صـراعٌ يُضاف إلى سجل اليمن الحافل بالأزمات السياسية والاقتصادية. يأتي ذلك في ظل حالة اللاحرب واللاسلم، وارتفاع معدل التضخم، وانهيار العملة، واستمرار معاناة اليمنيين منذ بدء الحرب وحتى مدى غير منظور لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية.