المصدر: Getty
مقال

الميثاق العربي لحقوق الإنسان

أقرّت الجامعة العربية ميثاقاً جديداً لحقوق الإنسان تصدّق عليه بعض الدول العربية لكنها تمتنع عن تطبيقه، بينما ترفضه دول أخرى منذ البداية. هل سترفع منظمات حقوق الإنسان العربية لواء القضية؟

نشرت في ٦ أكتوبر ٢٠٠٩

يشكّل الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي أُقِرّ في قمة جامعة الدول العربية في أيار/مايو 2004، أحد مؤشرات موجة الإصلاح التي يُقال إنها ضربت العالم العربي في وقت سابق من العقد الجاري. وكان الميثاق قد دخل حيّز التنفيذ في آذار/مارس 2008، وصادقت عليه عشر دول عربية، هي: الجزائر، والبحرين، والأردن، وليبيا، وفلسطين، وقطر، والسعودية، وسورية، والإمارات العربية المتحدة، واليمن. الميثاق الذي يشكّل مراجعة لوثيقة وُضِعت في العام 1994، هو جزء من عملية أوسع لتحديث الجامعة العربية، تشمل إنشاء مجلس السلم والأمن وبرلمان عربي موقّت. وتكمن أهميته في أنه أداة منبثقة عن المنطقة، جرى التفاوض عليها بين دول المنطقة. لذا، فهو يملك القدرة على أن يقلّص تشكيك الدول العربية المستمر بواجباتها في مجال احترام حقوق الإنسان في مجالات عدة، وحمايتها، وترويجها، ويمكن ان يضع في خاتمة المطاف حداً لهذا التشكيك.

لقد كشفت عملية مراجعة الميثاق وجود تشنّجات بين الدول العربية والمنظّمات الأهلية العربية ودول من خارج المنطقة حول حقوق الإنسان. فعلى الرغم من أن أمين عام الجامعة العربية أعلن منذ البداية أن الهدف الرئيس هو جعل الميثاق منسجماً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بعدما قصّرت نسخة العام 1994 إلى حد كبير عن مراعاته، إلا أن المسودة الأولى التي وضعتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان (وهي هيئة مشكلة من ممثلي الحكومات التابعة للجامعة العربية) بقيت بعيدة جداً عن تلك المعايير – على رغم أن العديد من الدول العربية قبلت بها عبر التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. ثم، بعد التعرّض إلى ضغوط من المجتمع الدولي والمنظّمات الأهلية، وافقت الجامعة العربية على الطلب من خبراء عرب مستقلين في مجال حقوق الإنسان (وهم أعضاء في هيئات متخصصة في حقوق الإنسان في الأمم المتحدة)، وضع مسودة. وبعد حصولهم على مساهمات من منظّمات عربية ودولية، وضع هؤلاء مسودة تنسجم إلى حد كبير مع القانون الدولي، رحّبت بها مجموعات حقوق الإنسان في المنطقة.

لكن، حين طُرِحت المسودة الثانية على اللجنة العربية لحقوق الإنسان، أدخلت عليها اللجنة تغييرات مهمة. وكان الهدف من ذلك، في شكل رئيس، أخذ  في الاعتبار مواقف بعض الدول العربية في ما يتعلّق بمسائل معيّنة في القانون الدولي ، بما في ذلك عقوبة الإعدام، وحقوق المرأة، وحقوق غير المواطنين، وحرية التعبير والمعتقد الديني. ويعترف الميثاق النهائي بالعديد من الحقوق المهمة التي تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما هي مبيّنة في المعاهدات والاجتهادات وآراء هيئات الخبراء في الأمم المتحدة.

يبدأ الميثاق بتأكيد شمولية حقوق الإنسان وعدم قابليتها إلى التجزئة، فيضع بذلك حداً لتشكيك بعض الدول العربية المستمر بشمولية حقوق الإنسان. كما يعترف بالحق في الصحة والتعليم والمحاكمة العادلة، والحرية من التعذيب وسوء المعاملة، واستقلال القضاء، والحق في تمتّع الشخص بالحرية والأمن، والعديد من الحقوق الأخرى.

لكن، في الوقت نفسه، لايحظر الميثاق العقوبات القاسية أوغير الإنسانية أوالتي تحطّ من مكانة الانسان، كما أنه لايمنح حقوقاً إلى غير المواطنين في مجالات عدة. وهو يسمح أيضاً بفرض قيود على ممارسة حرية الدين والمعتقد  تتجاوز إلى حد كبير ماهو مسموح به في القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يُجيز فرض قيود فقط على الجانب المتعلق بحرية المجاهرة بالدين او العقيدة, وليس على الجانب المتعلق بحرية اعتناق الدين او العقيدة. علاوة عن ذلك، يترك الميثاق العديد من الحقوق المهمة للتشريعات الوطنية. وعلى سبيل المثال، فهو يُجيز فرض عقوبة الإعدام على الاطفال إذا ماكانت التشريعات الوطنية تنص على ذلك. كما أنه يترك تنظيم حقوق الرجال والنساء ومسؤولياتهم في الزواج والطلاق للقوانين الوطنية. وهكذا، يعكس الميثاق إلى حد كبير المجالات التي تُوافق فيها الدول الأعضاء في الجامعة العربية على ماهو وارد في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وتلك التي تتحفّظ عليها.

حتى الآن، لم يصدّق نصف الأعضاء في الجامعة العربية تقريباً على الميثاق. ففي لبنان، برزت مخاوف من أن الميثاق يقدّم حماية أقل للحقوق من تلك التي توفّرها القوانين اللبنانية. وللسبب عينه، ناشدت بعض المنظّمات التونسية، بما في ذلك منظّمات حقوق المرأة، الحكومة عدم التصديق على الميثاق. إلا انه في العديد من الدول الأخرى، لايدور الكثير من النقاش أوالبحث حول ما إذا كان يجب الانضمام إلى المعاهدة. كذلك، يمتنع عدد كبير من المنظّمات العربية والإقليمية والدولية عن شن حملات ناشطة من أجل الحث على التصديق على الميثاق، لأنها تعتبر أنه يتعارض مع القانون الدولي في العديد من المجالات الأساسية.

بدورها، تتعهّد الدول التي تصدّق على الميثاق تغيير قوانينها وسياساتها بما يتماشى مع أحكامه، بيد أن أياً منها لم يفعل ذلك حتى الآن. وقد تشكّلت لجنة للإشراف على تطبيق الميثاق في كانون الثاني/يناير 2009، تتألّف من أعضاء من الدول السبع الأولى التي صدّقت عليه (الأردن، وسورية، والبحرين، وليبيا، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، وفلسطين). وستتلقّى اللجنة تقارير من الدول وتراقب تطبيق الميثاق وتصدر استنتاجاتها وتوصياتها في تقارير علنية. لكن، حتى الآن، ركّزت اللجنة على أنها هيئة مستقلّة، وعلى أن أعضاءها لايتلقّون تعليمات من الحكومات أومن هيئات الجامعة العربية. كما طالبت بأمانة فنية مستقلّة لها، وطلبت الحصول على الدعم المالي والتقني اللازم من أمانة الجامعة العربية.

في الختام، سيتوقّف نجاح الميثاق على مدى جدّية الدول العربية ومنظّمات حقوق الإنسان العربية في التعامل معه. فإلى جانب السؤال البديهي حول ما إذا كانت الدول العربية ستُجري تغييرات فعلية في القوانين والممارسات كي تتماشى مع الميثاق، يتمثّل السؤال المطروح هنا في ما إذا كانت المنظّمات الأهلية العربية ستنخرط في العملية تماماً كما تنخرط في المنظومات الإقليمية والدولية الأخرى. ثم، من أجل أن ينجح الميثاق في تعزيز حقوق الإنسان، يجب على الحكومات العربية أن تُبدي استعداداً لإعادة فتح النقاش حول بعض الأحكام التي تتناقض بوضوح مع المعايير الدولية. أما المقياس الآخر عن جدوى الميثاق، فهو السؤال حول ما إذا كان ثمة نقاشات جدية حول حقوق الإنسان ستنطلق داخل جدران الجامعة العربية، حين ترفع الدول تقاريرها عن الإجراءات التي اتّخذتها للتقيّد بالميثاق امام اللجنة..

ميرفت رشماوي مستشارة قانونية في الأمانة الدولية لمنظمة العفو الدولية. هذا المقال يُعبّر عن آرائها الشخصية ولايعكس بالضرورة آراء المنظمة
 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.