العبارة الجديدة التي يدونها التونسيون هذه الأيام على صفحاتهم في موقع الفايسبوك تحمل عنوان هي "أنا مُسجَّل، وأُصوّت". لقد انضمّ ما يزيد عن 10,000 شخص إلى صفحة اللجنة الوطنية للانتخابات على الفايسبوك التي باشرت تسجيل الناخبين في 11 يوليو/تموز. قال خمسة وتسعون في المئة من التونسيين الذين جرى استطلاعهم في مايو/أيار الماضي وإنهم ينوون التصويت لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المؤلّفة من 218 عضواً التي ستعيد كتابة دستور البلاد. لكن على الرغم من الحماسة، لتزال هناك تحدّيات تهدّد مصداقية الانتخابات.

لقد واجه المسؤولون عن الانتخابات مشاكل جمّة منذ اليوم الأول، ولم يحصل التونسيون على معلومات وافية عن آلية إجراء الانتخابات. فهنالك تضارب في القرارات التي تُنشَر على الموقع الإلكتروني للجنة الانتخابات وفي وسائل الإعلام الرسمية وعلى الفايسبوك. في المراحل الأولى للتسجيل، كانت مراكز كثيرة غير قادرة على الولوج إلى قاعدة البيانات الوطنية الخاصة ببطاقات الهوية، وكانت عاجزة عن تحديث عناوين الناخبين كما هي مسجَّلة في بطاقات الهوية. وفي حين عولِجت مشكلة التسجيل في الموقع الإلكتروني في غضون يوم واحد، واصل النقص في التوعية العامة في تقويض العملية؛ فعدد كبير من التونسيين لايزال يجهل حتى أن التسجيل قد بدأ. فضلاً عن ذلك، لم يجرِ تعيين مراكز اقتراع ليتوجّه إليها الناخبون، ولذلك يتعذّر على المسؤولين عن الانتخابات أن يُحدّدوا بالضبط عدد أوراق الاقتراع التي يجب تأمينها. ويتعيّن على الحكومة أيضاً أن تجد طريقة لمنع الناخبين من التصويت أكثر من مرّة واحدة في مراكز اقتراع مختلفة، هذا مع العلم بأن سجلات الناخبين الكاملة لن تُنشَر قبل يوم الانتخابات.

تثير هذه التحدّيات، إلى جانب انخفاض الإقبال على التسجيل حتى الآن، قلق لجنة الانتخابات التي أعلنت في 15 يوليو/تموز عبر صفحتها على الفايسبوك، إعفاء الناخبين المحلّيين من التسجّل. لكن حتى هذا الإعلان لم يكن واضحاً، فلغته محض تقنية ومربكة للناخبين الذين يجهلون الفارق بين آليات التسجيل "الناشطة" و"السلبية".

علاوةً على ذلك، فشلت اللجنة العليا المستقلّة للانتخابات – التي تتألّف من 14 قانونياً وناشطاً – في أن تعالج سريعاً اعتبارات لوجستية مهمّة تتعلّق بروزنامة الانتخابات وإجراءات تسجيل الناخبين. نتيجةً لذلك أقالت الحكومة الانتقالية، عشيّة تسجيل الناخبين في منتصف يوليو/تموز، الطاقم الإداري في اللجنة وحوّلتها الى مجرّد "سلطة رمزية"، وأنشأت مكانها "لجنة اتصال" مهمّتها العناية بالشؤون اللوجستية. وقد منح هذا التعديل التنظيمي وزارة الداخلية (التي كانت تدير الانتخابات المزوّرة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي) دوراً قيادياً أكبر في الإدارة الانتخابية الجديدة؛ فالقيادة العليا للجنة تتألّف من ثلاثة مديرين عامين في وزارة الداخلية. ويشكّل ممثّلون عن مكتب رئيس الوزراء ووزارات المال والخارجية والإعلام بقيّة أعضاء اللجنة (التي يرأسها رضا بلحاج، النائب السابق لرئيس الوزراء المؤقّت، وقد أطلقت عليه مجلة "ليدرز" المحلية مؤخراً لقب "سيد انتخابات")، ما يدفع البعض إلى التساؤل: ما الذي تغيّر في العملية الانتخابية إذا كان أزلام بن علي لايزالون مسؤولين عنها؟

في المناطق الريفية حيث الولوج إلى الإنترنت نادر و30 في المئة من السكّان في سن الاقتراع أمّيون (وفقاً لبيانات من الإحصاء السكّاني لعام 2004)، تتضاعف مشاكل النقص في التوعية العامة والتسجيل غير الفاعل وسوء الإدارة الحكومية. وعلى الصعيد الوطني، إذا سُجِّلَت نسبة اقتراع منخفضة، فقد تتعرّض شرعيّة الجمعية التأسيسية الى االانتقادات، ولاسيما من مجموعات نافذة على غرار حزب النهضة. فالحزب الإسلامي الذي يتمتّع بالشعبية لم يتردّد في التشكيك في شرعية الحكومة وسحب الدعم عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، على إثر تأجيلها الانتخابات من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول. كما أن الإرباك في المناطق الريفية قد يشجّع الحزب على استخدام الخلافات الانتخابية كي يأنى نفسه من الجمعية التأسيسية، ما قد يقضي على مصداقية الجمعية ويسلّط أكثر فأكثر الضوء على الحاجة إلى تنظيم حملات فاعلة لتثقيف الناخبين.

علاوة على مسألة مصداقية الانتخابات، ستواجه الجمعية التأسيسية مشاكل أخرى في إرضاء الناخبين. ففي استطلاع أجري في مايو/أيار، أجاب أقل من نصف البالغين التونسيين أن الانتخابات المقبلة هي لاختيار جمعية تأسيسية، في حين اعتقد الربع تقريباً أنهم مقبلون على انتخاب رئيس للبلاد. في هذه الحالة يصعب أن نتوقّع ماذا سيكون رد فعل التونسيين المُضلَّلين عندما يعلمون أن انتخاب الرئيس لن يتم قبل عام من الآن، ولاسيما عندما ينظرون إلى مصر التي يُرتقَب أن تجري انتخاباتها الرئاسية في الوقت نفسه الذي تُنظِّم فيه تونس انتخاباتها التشريعية. حتى التونسيون المواكبون لتطوّرات المشهد السياسي لديهم على ما يبدو توقّعات تتجاوز وضع مسوّدة الدستور؛ فبعد تنظيم 12 مجموعة متخصصة في مختلف أنحاء تونس، أورد المعهد الوطني الديمقراطي في يوليو/تموز أن المجيبين يريدون من الجمعية التركيز في شكل خاص على استحداث الوظائف إلى جانب "البنى التحتية الشبابية والمياه وتحسين معايير العيش وتوفير ظروف أفضل للفقراء". ولم تأتِ الغالبية على ذكر الإصلاح الدستوري الذي من أجله وُجِدت الجمعية.

وصف مساعد أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية لين باسكوا تونس خلال زيارة له إلى البلاد في 18 يوليو بأنها "في طليعة الديمقراطية"، وتُعقَد آمال كبيرة على المكان الذي انطلق منه الربيع العربي." ومن الطبيعي أن تواجه تونس مشاكل في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، بيد أن ما يثير القلق هو أن الحكومة لاتقوم بواجبها لإيجاد حل لها. وتملك تونس بنى تحتية ممتازة وموازنة انتخابية قدرها 30 مليون دولار أمريكي، لكن لجنة الاتصال لاتتواصل على الإطلاق مع الناس. فعلى سبيل المثال، صفحة اللجنة على الفايسبوك هي بمثابة غرفة أخبار، ومن المرتقب أن ينتهي تسجيل الناخبين في 2 أغسطس/آب في حين أنه لم يتم إحراز أي تقدّم يُذكَر. هذه التحدّيات ليست مستعصية بالكامل، ولا بد من أن يترافق التطلّع إلى الديمقراطية مع الألام والمشقّات. بيد أن المراقبين سيسألون: نعرف أن الثورات تستطيع أن تطيح الأنظمة القديمة، لكن هل تُظهر الانتخابات التونسية أنها قادرة على بناء أنظمة جديدة؟

دنكان بيكارد طالب ماجستير في كلية جون إف كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفرد.