بعد انتظار طويل، انتقلت أخيراً جماعة أنصار بيت المقدس - التي تنشط في شمال سيناء - من مرحلة التعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش إلى مرحلة كونها جزءاً من التنظيم الدولي بعد مبايعتها له وتغيير اسمها إلى "ولاية سيناء". وليس هذا التطور سوى أحد انعكاسات تنامي التشدّد في أوساط المصريين، لاسيما الشباب الإسلاميين.

وتأخر إعلان البيعة - بعد دعاء خطيب جماعة أنصار بيت المقدس لتنظيم الدولة الإسلامية في صلاة عيد الفطر المبارك الماضي - لأن التنظيم كان يجري عملية الشورى بين كل الفصائل الجهادية في سيناء، وكان بعضهم يرفض البيعة لوجود بيعة في رقبتهم لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، إلى أن أسفرت الشورى على بيعة أبو بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية، بحسب مصادر مقربة من التنظيم*. 

ويعتبر إعلان البيعة تصعيداً من جانب تنظيم أنصار بيت المقدس في مواجهة النظام واستخدامه أساليب أكثر شراسة للرد على الحملة العسكرية التي تستهدفه في سيناء. وقد أصدر بيانات أعلن فيها أن أي فرد في الجيش هو مستهدف في عمليات التنظيم. ويتزامن هذا التصعيد من قبل التنظيم مع تصعيد من قبل الدولة المصرية التي تشنّ منذ عام ونصف حملة عسكرية في مواجهة المسلحين في شمال سيناء، لاسيما بعد الهجوم الذي تبناه التنظيم على حاجز التفتيش في كرم القواديس في الشيخ زويد في 24 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي أدى إلى مقتل 28 جندياً مصرياً، وهو الهجوم الأكثر دموية منذ عزل محمد مرسي من منصبه في تموز/يوليو 2013. وقد عمدت الدولة إلى تهجير أهالي رفح وعزل المنطقة الحدودية مع غزة، وفرض حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، وحظر التجوال من الساعة الخامسة مساء حتى السابعة صباحاً.

وبالرغم من هذه الإجراءات الأمنية المشددة والحملة العسكرية المستمرة، تتواصل عمليات الجهاديين، بل إن شعبية الجيش تزداد انكماشاً يوماً بعد يوم، ما يساعد التنظيم على كسب الدعم أو على الأقل تحييد المواطنين واستقطاب المجنّدين، وسط تزايد القتلى من المدنيين، كان آخرها مقتل 10 أشخاص من عائلة واحدة في رفح، 3 منهم من الأطفال و3 من النساء. 

وعلى ضوء الحملة العسكرية التي تستهدف الأحزاب الدينية، استقبل عدد من الشباب الإسلامي في مصر بيعة أنصار بيت المقدس لتنظيم الدولة الإسلامية بالترحيب، بل ولأول مرة رُفِعَت هتافات مؤيدة للتنظيم في مظاهرات الجمعة 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في القاهرة. ورفع بعض المتظاهرين علم الدولة الإسلامية الأسود، وأعلنوا عن الكفر بالسلمية التي طالما تنادوا بها طوال عام ونصف بدعوى أن السلمية كانت سبباً في ظهور نظام جديد أشد سلطوية مما سبق في عهد حسني مبارك. 

وفي الجمعة التالية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نظمت الجبهة السلفية والتي كانت حتى مؤخرا أحد أركان التحالف الوطني لدعم الشرعية، "انتفاضة الشباب المسلم"، ، رتفعت فيها أيضاً الأعلام السوداء من قبل البعض في منطقة المطرية في القاهرة. وأعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مشاركتها في "الانتفاضة" في اليوم نفسه بثلاث عمليات في القاهرة والقليوبية وشمال سيناء، قُتِل على إثرها ضابط وثلاثة مجنّدين في الجيش وأصيب ضابطان والعشرات من رجال الشرطة بجروح. أعلن شباب الإخوان في البداية أنهم سيشاركون في "انتفاضة الشباب المسلم" ثم صحبوا مشاركتم ليلة المظاهرات.

إلا أن لحكم القضائي الذي صدر في اليوم التالي، 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ببراءة مبارك ونجلَيه وبراءة وزير داخليته حبيب العادلي ومعاونيه من تهم قتل المتظاهرين كان بمثابة الفارقة الكبرى في نفوس الشباب. وأتت هذه الأحكام في ظل وجود آلاف ممن شاركوا ودعوا لثورة 25 كانون الثاني/يناير داخل السجون، وصدور أحكام إعدام بالمئات في محاكمات افتقدت لمعايير المحاكمات العادلة بحسب وصف منظمة هيومان رايتس ووتش وبعد صدور الحكم، أعلن عدد ليس بالقليل من الشباب، وخاصة من الإخوان المسلمين، عن إطلاق هاشتاغ تحت عنوان "داعش هي الحل" عبر موقعَي فايسبوك وتويتر، كشعار مماثل لشعار "الإسلام هو الحل" الذي اعتمدته جماعة الإخوان المسلمين في حملاتها الانتخابية في عهد مبارك.

يجسّد ازدياد الدعم لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء وأماكن أخرى الاقتناع المحدود النطاق إنما المتنامي بأن العنف من قبل الدولة لابد من أن يقابله عنف مضاد. وقد بدأ هذا التحول التدريجي نحو العنف مع فض اعتصام رابعة العدوية في آب/أغسطس 2013، والذي أسفر عن مقتل ألف شخص بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش. وقد بدأ بعض شباب الإخوان يتعمقون في أدبيات ومنهج سيد قطب وانتشرت مقالاته وأدبياته على شبكات التواصل الاجتماعي في ما بينهم. وانتقلوا إلى التندّر والسخرية من الشعارات السلمية التي رفعوها هم أنفسهم سابقاً مثل "سلميتنا أقوى من الرصاص". وبدأ بعضهم يجاهر أيضاً بنيته الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية للمشاركة في تمدّد الخلافة، ثم يدخلون مصر فاتحين.

وتعيش جماعة الإخوان هذه الأيام حائرة بين "الثورة الإسلامية" التي تعني التحالف مع الجهاديين والتركيز على عودة مرسي للحكم، و"الثورة الشعبية" التي تعني التحالف مع التيارات الليبرالية واستعطاف المجتمع الدولي للضغط من أجل إزالة السيسي ونظامه. وأعلنوا الإخوان مشاركتهم في انتفاضة الشباب المسلم، ثم الليل قبل الإحتجاجات أصدروا بياناً يلغي المشاركة، فإنه يوضح هذه التجاذبات الداخلية. فقد أعلن قادة الإخوان وكذك الجماعة الإسلامية والأحزاب الإسلامية الأخرى كحزبَي الوسط والوطن، عدم مشاركتهم في هذه الفعاليات، واعتبروا أنه يجب أن تكون المطالب والشعارات جامعة لمختلف أطياف الشعب المصري.

صحيح أن جماعة الإخوان لاتزال ترفض رسمياً العنف كمنهج، إلا أنها تحض على مقاومة السلطات والأمن بـ"فعاليات مبدعة" عبر قطع الطرق وحرق المباني الحكومية وإنهاك النظام اقتصادياً وسياسياً*. وفي الوقت نفسه، حسب قادة الإخوان ستحاول الجماعة الاستفادة من حالة تصاعد الحرب بين الجهاديين والأمن لطرح نفسها كقوة سياسية وسطية تستطيع أن تحتوي الجهاديين والليبراليين في آن واحد. وسوف تستمر في الترويج لفكرة أن مشاركتها كجماعة في الحكم والديمقراطية، رغم أخطائها، كان أفضل من انزلاق الدولة في هذا المنحنى من العنف والعنف المضاد*.

وفي ظل الخطوات القمعية المتزايدة للحكومة، يشعر الشباب بضياع أحلامهم في "الحرية والكرامة الإنسانية" بعد مرور ثلاثة أعوام على ثورة 25 كانون الثاني/يناير. يقبع في السجون أكثر من 47 ألف شخص، بحسب عضو في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أشار إلى أنه تم اعتقال 3 آلاف شخص في أسبوعٍ فقط قبل إنتفاضة 28 تشرين الثاني/نوفمبر*. يبدو أن الحوار السياسي الحقيقي في طريقه إلى الاضمحلال في مصر وسط لجوء الدولة إلى مزيد من التضييق والقمع وماينجم عن ذلك من تمدد النشاط الإرهابي. واقع الحال هو أن أعداداً متزايدة من الأشخاص تتبنّى العنف. إذا استمرت المساحة السياسية في التقلّص ورفضت حكومة السيسي الإفراج عن الشباب المعتقلين ومن بينهم الإسلاميون، سوف تكون البلاد على موعد مع مزيد من الاضطرابات فالسجون هي مفرخة التطرف والإرهاب خاصة أن السجون في مصر تشتهر بالتعذيب والمعاملة السيئة. فالاحتقان سيتطور إلى مزيد من العنف، وستشهد مصر ارتفاعاً في وتيرة العمليات الإرهابية وحدّتها.

مصطفى هاشم صحافي مصري متخصص في الحركات الجهادية والإسلام السياسي وقضايا الشباب.

*المقال هو نتيجة لسلسلة من المقابلات مع جهاديين وسلفيين وقيادات وشباب من جماعة الإخوان المسلمين وناشطين ليبراليين وخبراء أمن.