المصدر: Getty
مقال

حيدر العبادي وهجوم الميليشيات السياسي

الكبوات العسكرية التي وقعت فيها الحكومة العراقية منحت الميليشيات الموالية لإيران فرصة الضغط، لكن رئيس الوزراء العبادي لايزال صامداً.

 كيرك سويل
نشرت في ١٤ مايو ٢٠١٥

في الثامن من نيسان/أبريل الماضي، توجّه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى قاعدة الحبانية العسكرية في شرق الأنبار لمواكبة تحرير تكريت. قال العبادي الذي تحدّث بنزعة انتصارية مفرطة عن "تحرير صلاح الدين بالكامل" من تنظيم الدولة الإسلامية: "الآن سنتحوّل نحو الغرب". لكن سرعان ماردّت الدولة الإسلامية بشن هجوم مضاد استولت خلاله على ثكنتين عسكريتين في شرق الأنبار، وطردت الحكومة بشكل شبه كامل من الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار.

كانت التداعيات السياسية على العبادي كبيرة، وقد اغتنم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي - وحليفاه، منظمة بدر وعصائب أهل الحق - الفرصة من أجل التصدّي لسلطة العبادي المتنامية على قوات الحشد الشعبي. وفي بغداد، اندلعت احتجاجات ضد وزير الدفاع خالد العبيدي، وهو حليف سنّي للعبادي. وقد زعم المتظاهرون أن عدم كفاءة العبيدي هي التي تسبّبت بمقتل 140 جندياً عراقياً بعد محاصرتهم لأيام عدة في قاعدة ناظم الثرثار العسكرية، وقد أُعدِم خمسون منهم بدم بارد بعدما نفدت الذخيرة لديهم. وكذلك أطلّ المالكي وهادي العامري، أمين عام منظمة بدر، وقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، عبر القنوات التلفزيونية المتعاطفة معهم (الأحد وآفاق والغدير)، ووجّهوا انتقادات للقيود التي يفرضها العبادي على الحشد مطالبين بأن تتسلّم قوات الحشد مسؤولية الأمن مكان الجيش.

تعكس النزعة الانتصارية السابقة لأوانها لدى العبادي، وسوء إدارة هجوم الأنبار، وماأعقبه من عاصفة إعلامية، علاقة العبادي الملتبسة بقوات الحشد الشعبي. عندما تأسس الحشد في حزيران/يونيو 2014، كان في البداية مجرد مظلة لميليشيات قائمة، تحظى معظمها إنما ليس كلها بالدعم من إيران. وبعد تسلّمه رئاسة الوزراء في أيلول/سبتمبر الماضي، تعايش العبادي مع هذه الميليشيات، محافظاً على طبقة رقيقة من سلطة الدولة. لكن قانون الموازنة الذي أُقِرّ في كانون الثاني/يناير الماضي منحه نفوذاً واسعاً على صعيد السيطرة على رواتب عناصر تلك الميليشيات - أو على الأقل أولئك الذين ينتمون إلى ميليشيات غير مموَّلة من إيران. ثم في مطلع آذار/مارس الماضي، أصدرت الحكومة مرسوماً قضى بوضع قوات الحشد الشعبي رسمياً تحت سلطة رئيس الوزراء باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.

علاوةً على ذلك، سعى العبادي إلى نزع الطابع المذهبي عن الحشد عبر ضم السنّة إليه. أحد الأهداف وراء الحدث الذي شهدته الحبانية في 8 نيسان/أبريل الماضي كان استقطاب المجنّدين إلى كتيبة تابعة لقوات الحشد في الأنبار. وفي مشهد قوي الوقع، سلّم العبادي شخصياً البنادق إلى أبناء القبائل السنّية الذين تطوّعوا في قوات الحشد. في الوقت نفسه، حال العبادي دون خوض الميليشيات الشيعية قتالاً في الرمادي، ماأظهر بوضوح أنه ينوي تجنيد مزيد من السنّة. في 25 نيسان/أبريل الماضي، تحدّث العبادي، في مناسبة شيعية، عن الحشد كمؤسسة حكومية خاضعة لسلطته سوف تضم العراقيين من مختلف الخلفيات، بما في ذلك السنّة. نظراً إلى شعبية الحشد في الشارع الشيعي، لم يستطع العبادي مهاجمته، فقرّر أن يعمد بدلاً من ذلك إلى إحداث تحوّل في طبيعته.

يبدو أن منظمة بدر وجماعة عصائب أهل الحق اللتان تريان في خطة العبادي تهديداً لهما، تسعيان إلى تنفيذ نوع من "الانقلاب الناعم" الذي من شأنه أن يسمح للميليشيات بإعادة تأكيد سيطرتها الأمنية. فقد صرّح العامري لوسائل الإعلام المحلية: "سندخل الأنبار، ولن نسمح لأحد بمنعنا، مادام أبناء الأنبار الشرفاء يستنجدون بنا". بالفعل، شعر بعض قادة الأنبار بإحباط شديد إلى درجة أنهم طلبوا المساعدة من الميليشيات الشيعية، على الرغم من أن آخرين استمروا في الإصرار على ضرورة تسليح أبناء القبائل في المحافظة. وقد اعتبر المالكي، في حديث عبر القناة التابعة لعصائب أهل الحق، أنه ينبغي على العراق أن يتبنّى إيران الثمانينيات نموذجاً له، وأن يعوّل على القوات الشيعية غير النظامية بدلاً من الجيش. يرتدي هذا الكلام أهمية خاصة لاسيما وأنه قيل قبيل وقوع "مجزرة" قاعدة الثرثار، ومهّد الطريق أمام مطالبة عصائب أهل الحق بأن يتولى الحشد مسؤولية الأمن مكان الجيش.

وقد أثارت هذه الحملة حفيظة الحكومة لبضعة أيام ووضعتها في موقف دفاعي. فقد عقد وزير الدفاع العبيدي مؤتمراً صحافياً وأجرى مقابلات نفى فيها أن يكون هناك إهمال من جانب الحكومة. وفي 28 نيسان/أبريل المضي، وقف العبادي نفسه في قاعة مجلس النواب وعرض التنحّي من منصبه، قائلاً مع ابتسامة على وجهه: "إذا كان مجلس النواب يريد إسقاط رئيس الحكومة، أو الحكومة بكاملها"، فليفعلوا ذلك. لكنه شدّد على أن سلطة تغيير الحكومة منوطة بمجلس النواب، وحذّر من "وقوع صدامات في الشارع" - في إشارة واضحة إلى أن الحملة ضدّه تحرّكها ميليشيات، وأنهم يحاولون في الواقع تنفيذ انقلاب عليه.

وكذلك شكّك العبيدي في التقارير الأولية عن أحداث ثكنة ناظم الثرثار العسكرية التي وقعت مرتين في غضون أسبوعين في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية خلال الهجوم الذي شنّه في الأنبار. فقد قال إن التقارير التي تتحدث عن سقوط 140 قتيلاً لاأساس لها من الصحة، وإنه تم العثور على 25 جثة فقط بعضها يعود إلى قوات العدو. بما أن هذه الأرقام غير مؤكَّدة، ليس واضحاً إذا كانت مجزرة قد وقعت بالفعل في ثكنة الثرثار. وفي حين ينشر تنظيم الدولة الإسلامية باستمرار مقاطع فيديو عن المجازر التي ينفّذها، تكتفي مقاطع الفيديو التي نشرها من ثكنة الثرثار بإظهار عناصره يغادرون مسرعين بعد استيلائهم على عتاد حكومي كما أنهم يأخذون معهم جثث بعض الجنود الذين يبدو أنهم سقطوا في القتال.

صحيح أن سقوط ثكنة عسكرية على مقربة من العاصمة يُظهر الحكومة في موقع ضعفٍ، لكن لايبدو أن ماحصل في ثكنة الثرثار كان قتلاً جماعياً. ربما كانت رواية "مجزرة الثرثار" محاولة المالكي الأخيرة للتمسّك بماتبقّى له من السلطة - فهو لم يعد يسيطر سوى على ولاء نحو ربع النواب الشيعة البالغ عددهم 183 نائباً (أو نحو ثُمن النواب ومجموعهم 328). يعاني ائتلاف دولة القانون الذي ينتمي إليه المالكي والعبادي، من انقسامات حادة، وكل الفصائل خارجه مناهضة بشدة للمالكي. كما أن معظم وسائل الإعلام التي يشاهدها العراقيون الشيعة - بما في ذلك التلفزيون الرسمي - تبثّ في شكل أساسي تعليقات صادرة عن أنصار العبادي وليس عن أنصار المالكي.

ليس مرجّحاً على الإطلاق أن يعود المالكي إلى السلطة عن طريق انقلاب ميليشاوي. لطالما ركّزت الاستراتيجية الميليشياوية الإيرانية منذ العام 2003 على بناء السلطة تدريجاً، لأنه من شأن الاستيلاء على السلطة بالقوة أن يثير استياء الشيعة العاديين. يسيطر وزير الداخلية محمد سالم الغبان على الأمن في العاصمة، لكن العبادي حمى نفسه في مواجهة وزير الداخلية عبر منحه نائبَين يبدو أنهما مواليان لرئيس الوزراء. وبما أن الضباط الذين يتولّون قيادة الوحدات عُيِّنوا في مناصبهم خلال عهد المالكي، من غير المتوقَّع أن يكونوا موالين للعبادي. لو بلغت الاحتجاجات المناهضة للعبادي حجماً حرجاً، لألقت إيران ربما بثقلها خلف تغيير الحكومة، لكنها لم تبلغ قط هذا الحجم.

لقد رفض العبادي المسعى الذي يقوده المالكي وعصائب أهل الحق من أجل تسليم مسؤولية الأمن إلى الميليشيات، لكن مازال عليه أن يبني القدرات القتالية للأجهزة الأمنية الرسمية. وهو يحصل، في هذا المجال، على الدعم من معظم الفصائل الشيعية - ولاسيما من الصدريين - التي تبنّت خطاً قومياً بدعم مؤسسات الدولة. فإبان الجدل حول موقعة الثرثار، شجّعت هذه الفصائل العبادي على حل قوات الحشد الشعبي وإنشاء حرس وطني في المحافظات من دون انتظار إقرار القانون الذي ينص على تشكيل الحرس الوطني. لكن على العبادي أن يواجه أيضاً الفساد وعدم الكفاءة اللذين تعاني منهما الأجهزة الأمنية، بحسب ماأظهرته بوضوح الإخفاقات العسكرية في نيسان/أبريل الماضي.

كيرك سويل محلل للمخاطر السياسية مقيم في عمان في الأردن وناشر الرسالة الإخبارية Inside Iraqi Politics التي تصدر كل أسبوعين. يمكنكم متابعته عبر تويتر: uticensisarabic@

هذا المقال هو الثاني في سلسلة من المقالات تحت عنوان "الميليشيات الشيعية ومستقبل الدولة العراقية". لقراءة المقال الأول، اضغط هنا.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.