لقد شكّل حزب الله شريكاً غير دولتي نافعاً للقوات الروسية في سورية. فهذه الميليشيا الشيعية اللبنانية التي هي بمثابة وكيلة لإيران، تنشر حالياً نحو ستة إلى ثمانية آلاف مقاتل في الحرب الأهلية السورية، فيما تشير بعض التقديرات إلى أن العدد يصل إلى عشرة آلاف مقاتل. لقد حافظ حزب الله الذي فقدَ نحو ألفَين من عناصره في القتال فضلاً عن سقوط أكثر من خمسة آلاف جريح منذ تدخّله في النزاع، على حلفه القوي مع نظام الأسد، وشارك في القتال في مناطق نائية وصولاً إلى دير الزور. ومنذ أيلول/سبتمبر 2015، يعمد الحزب في هذا الإطار إلى العمل عن كثب مع الجيش الروسي الذي تدخّل في محاولة فعّالة على ما يبدو لإنقاذ نظام الأسد. لقد أخذت موسكو علماً بنجاح حزب الله على الأرض في سورية، وترى فيه حليفاً مقتدراً ساهم بقوة في بقاء النظام السوري. لكن مع تحسّن حظوظ النظام، تُبدي روسيا للثوار وداعميهم في الخارج استعدادها للتوصل إلى حل للنزاع عن طريق التفاوض، آخذةً في الاعتبار أن صعود النظام الحالي سيمنحه مزيداً من النفوذ إلى طاولة المفاوضات بما يتيح له انتزاع صفقة مؤاتية. لكن في المدى الطويل، قد يتسبّب هذا الحل أيضاً بالحد من تأثير حزب الله في سورية بعد النزاع.
في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي، نُشِر شريط فيديو عبر موقع "يوتيوب" يظهر فيه ما قيل إنه جندي في فرقة العمليات الخاصة الروسية يضع شارة حزب الله. يبدو في مقطع الفيديو الذي صُوِّر في حلب جنديان من فرقة العمليات الخاصة يفتّشان جثة إلى جانب مقاتلين موالين للنظام. أكّد قيادي في حزب الله يتمركز في حلب أن تنظيمه يعمل عن كثب مع الروس في المدينة التي كانت سابقاً مركزاً صناعياً في البلاد. وقال في هذا الصدد: "علاقتنا مع الروس أكثر من ممتازة" – العلاقة وثيقة جداً إلى درجة أن الضباط الروس يرافقون عناصر حزب الله لمشاهدتهم أثناء القتال.* أضاف القيادي: "يتواجد ضباط روس في بعض الأماكن في حلب. يقصدون مناطق استراتيجية مطلّة على ساحات المعارك، ويشاهدون عناصر حزب الله يقاتلون القوات الثورية وينفّذون مهام استطلاعية. أحياناً يصوّرون هذه العمليات". يبدو أن شريط الفيديو يثبّت هذه العلاقة العسكرية الوثيقة التي لا شك في أن مقاتلي حزب الله يفتخرون بها. يعلّق القيادي: "يأتي الروس لرؤيتنا – رؤية مناوراتنا وتكتيكاتنا – في حين أن الجيوش العربية الأخرى تذهب لرؤية الأميركيين"، في غمزٍ من قناة دول الخليج التي دعمت مجموعات الثوار في سورية. ورداً على سؤال حول ما يستمدّه الروس برأيه من مراقبتهم تحرّكات حزب الله، أجاب القيادي: "الروس معجبون جداً بأسلوبنا في القتال؛ الطريقة التي نستخدم بها أسلحتنا، وتكتيكاتنا وروح التضامن بيننا".
إعجاب الجيش الروسي بحزب الله يستند في جزء منه إلى أداء الحزب خلال ما يُسمّى غزوة الشهيد أبو عمر سراقب، أي الهجوم الفاشل الذي شنّه الثوار في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي لفكّ الحصار عن شرق حلب. فقد استعاد حزب الله وقوات النظام السيطرة على مناطق كان الثوّار قد استولوا عليها خلال الهجوم الأول، فضلاً عن السيطرة على مواقع محاذية تابعة للثوار. لقي نحو 28 إلى 35 مقاتلاً من حزب الله مصرعهم خلال المعركة، من أصل 143 عنصراً من المقاتلين الموالين للنظام سقطوا في القتال. يسلّط هذا العدد المرتفع الضوء على الدور المهم الذي أدّاه الحزب في الدفاع عن تلك الجبهة. تشير التقارير إلى أنه خلال الهجوم الأول، صمد مقاتلو حزب الله في مواقعهم في مواجهة العمليات الانتحارية التي نُفِّذت بواسطة تفجير سيارات وشاحنات مفخخة، وحرصوا على الحفاظ على مواقع النظام. يقول القيادي في "حزب الله": "عندما يرى الروس عناصر حزب الله في ساحة المعركة، يتوقّفون ويتكلّمون معنا ويُبدون احترامهم لما نقوم به. ليس لديهم الرأي نفسه عن وحدات الجيش السوري".
في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، خرج هذا التعاون إلى العلن. فقد أوردت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربّة من حزب الله أن التنظيم عقدَ اجتماعه الرسمي والمباشر الأول مع ضباط روس كبار لمناقشة المعركة النهائية للسيطرة على حلب. بحسب المقال، أثنى الضباط الروس الذين كانوا وراء الدعوة إلى الاجتماع، على أداء حزب الله خلال غزوة الشهيد أبو عمر سراقب. وقد وافق الطرفان على الإبقاء على التواصل المستمر بينهما "عبر قنوات مشتركة في سورية". وأفضى هذا التعاون إلى سقوط حلب السريع في الشهر التالي، مع تأمين الهجمات الجوية الروسية الدقيقة التغطية لحزب الله وسواه من التنظيمات المرتبطة بإيران من أجل الاستيلاء على المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار. قال القيادي في حزب الله لكاتب هذه السطور: "يضيف الروس الدقة إلى ساحة المعركة، الهجمات الجوية السورية فاشلة في التصويب وتخطئ الهدف؛ أما الروس فموثوقون في هذا المجال". فيما يحوّل النظام تركيزه نحو تثبيت مكاسبه في حلب وتوسيع الأراضي الخاضغة لسيطرته، غالب الظن أن هذه العلاقة سوف تستمر من دون قيود، في الوقت الراهن.
تعتبر موسكو أن وجود فرقة مسلّحة قوية وحليفة لها على الأرض تتمتع بالكفاءة في الهجوم والدفاع على السواء، يؤمّن منافع عدّة لحملتها العسكرية. لقد أدرك المخطّطون العسكريون الروس قيمة هذا الأمر في بداية تدخّلهم في سورية، عندما عجزت قوات النظام وحلفاؤها عن استعادة السيطرة على الأراضي تحت غطاء الهجمات الجوية الروسية قبل أن يأخذ الروس زمام المبادرة عبر تكثيف هجماتهم بصورة دراماتيكية. لقد ساعد حزب الله النظام السوري على الإفادة بفعالية أكبر من هذه الهجمات الجوية، وفي معرض ذلك، تعلّم دروساً كثيرة من الروس. الحال هو أن الميليشيا اللبنانية أثبتت قدرتها على إنقاذ نظام الأسد عبر المساعدة على السيطرة على مناطق استراتيجية، لا سيما بلدات سلمى في محافظة اللاذقية، والشيخ مسكين في درعا، ونبل والزهراء في حلب. بات بشار الأسد يسيطر الآن على جميع أراضي "سورية المفيدة" تقريباً – التي تعتبرها إيران النواة الاقتصادية والديمغرافية في غرب البلاد التي تستطيع عبرها تمرير المساعدات إلى حزب الله في لبنان. غالب الظن أن حزب الله سيستمر في تشكيل رأس الحربة في الحملة العسكرية، عبر المساهمة في تعزيز قدرات النظام الهجومية فيما يتولّى مهمة الدفاع عند الاقتضاء. بوجود حليف جدير بالثقة على الأرض قادر على مساعدة النظام على تثبيت مكتسباته والسيطرة على أراضٍ استراتيجية جديدة، تستطيع موسكو التركيز على العمل من أجل وضع حد للنزاع عن طريق التفاوض.
المفارقة هي أن هذا الإنهاء للنزاع السوري عن طريق التفاوض هو الذي يهدّد مصالح حزب الله في سورية. تستخدم إيران، راعية الميليشيا اللبنانية، النزاع لترسيخ نفوذها في المنطقة، وفرض سيطرتها من العراق إلى سورية، عبر لبنان ووصولاً إلى المتوسط. ومن أجل تحقيق ذلك، عمدت، من جملة أمور أخرى، إلى تعزيز شبكاتها الداخلية والإقليمية من الميليشيات التابعة لها وفي مناطق ترتدي أهمية محورية بالنسبة إلى طموحاتها، ما أحدث تغييراً في المشهد الديمغرافي. وقد عزّز حزب الله بنيته التحتية العسكرية في مناطق داخل سورية حيث النظام ضعيف، لا سيما على طول الحدود السورية-اللبنانية. يتيح ذلك للحزب حماية شحنات الأسلحة الإيرانية التي يعتمد عليها، ويؤمّن له أيضاً منشآت تدريبية مهمة، وكذلك عمقاً استراتيجياً في حال اندلاع نزاع جديد مع إسرائيل. بصريح العبارة، لقد أفاد حزب الله وراعيته من ضعف نظام بشار الأسد وعجزه عن حماية نفوذه في مختلف أنحاء البلاد.
أما موسكو فترغب في أن تكون هناك حكومة مركزية قوية في دمشق تبصر النور نتيجة عملية تفاوضية، حكومة تتأتّى عن تقاربٍ بين النظام ومجموعات الثوار الأساسية. وبحسب ما عكسته التصريحات الصادرة عن الجانب التركي الداعِم للمعارضة، غالب الظن أن مطالب الثوار ستشمل رحيل حزب الله وكل المجموعات الأجنبية الأخرى الموالية للنظام من سورية. من شأن ذلك أن يحدّ كثيراً من نفوذ إيران وحزب الله داخل سورية، ومن مكانة الحزب الذي يُعتبَر الآن شريكاً على قدم المساواة في محور المقاومة؛ وقد دفع حزب الله دماء وأموالاً ثمناً لهذه المكانة. في حين أدركت موسكو أن حزب الله حليف قوي في سورية، سوف تتعلم أن ولاء الميليشيا اللبنانية هو لإيران وأولوياتهما المشتركة.
ألكسندر كورباي محلل رئيسي في مجموعة SecDev، يركّز على النزاع السوري وتأثيره في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يساهم بانتظام في صدى. لمتابعته على تويتر: @alex_corbeil.
* يستند هذا المقال إلى مقابلات أجريت مع قيادي في حزب الله في كانون الأول/ديسمبر 2016.