في 16 تموز/يوليو، أقرّ مجلس النواب المصري قانون معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، وهو الأحدث في سلسلة من المناورات التشريعية الهادفة إلى ترسيخ سلطة الرئاسة على الجيش وتأمين حصانة لكبار العسكريين الذين قد يُتَّهمون بتنفيذ حملات قمع واسعة أو بالتورّط في الفساد المالي.
يضم القانون الجديد، على الرغم من طابعه الموجَز، عدداً من الأحكام المهمة. تنص المادة الأولى على أنه بإمكان الرئيس أن يستدعي الضباط من كبار قادة القوات المسلحة إلى الخدمة العسكرية مدى حياتهم، حتى لو كانوا قد استقالوا من مناصبهم العسكرية وانضموا من جديد إلى القوة العاملة المدنية. لا يُحدّد القانون رتبة عسكرية دنيا، ما يُتيح للرئيس أن يختار، كما يحلو له، الضباط الذين ستُطبَّق عليهم مندرجات القانون. وهذا يحول فعلياً دون تمكُّن المنافسين المحتملين في صفوف كبار الضباط العسكريين من الترشح للرئاسة وتحدّي عبد الفتاح السيسي، فالقانون المصري يمنع العسكريين في الخدمة الفعلية من تسلم مناصب سياسية – وقد استخدمت الدولة هذا الحظر لمنع سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية سابقاً، من الترشح ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية في آذار/مارس 2018. فبعدما أعلن عنان عن نيّته الترشح، جرى توقيفه في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، ووُجِّهت إليه تهمة زرع الشقاق بين الجيش والشعب.
تنص المادة الخامسة من القانون المذكور على أنه لا يجوز مباشرة أي تحقيق أو إجراء قضائي في مواجهة هؤلاء الضباط عن أي فعل ارتكبوه بصفتهم الرسمية في الفترة الممتدة من 3 تموز/يوليو 2013 إلى 10 كانون الثاني/يناير 2016، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. إشارة إلى أن بعض أعمال القمع الجماعي ارتُكِبت خلال هذه المرحلة، أبرزها مذبحة الحرس الجمهوري في 8 تموز/يوليو 2013، عندما قتلت قوات الأمن المصرية 51 متظاهراً، ومذبحة رابعة في 14 آب/أغسطس 2013، التي لقي خلالها ما لا يقل عن 817 متظاهراً مصرعهم.
الهدف من القانون هو حماية كبار القادة العسكريين من أي محاولة للتحقيق في هذه الأحداث ومن إمكانية مقاضاتهم داخلياً. على الرغم من أنه ليست هناك تحقيقات علنية في الوقت الراهن، إلا أن أدلةً واضحة جمعتها منظّمات غير حكومية تُوثِّق الجرائم المرتكَبة، ويمكن استخدامها أساساً لتحقيقات محتملة في المستقبل.
علاوةً على ذلك، تؤمّن المادّة السادسة حصانة دبلوماسية لهؤلاء الضباط لدى سفرهم إلى الخارج، في محاولة لحمايتهم من أي ملاحقة قضائية دولية محتملة – وهو سيناريو غير مرجّح نظراً إلى أن مصر ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، كما أن محاكمة الضباط أمام محكمة أجنبية أخرى أمرٌ معقّد إجرائياً ودبلوماسياً.
إلى جانب هذه الحمايات، يُقدّم القانون منظومة مكافآت مُشار إليها في المادّتَين الثانية والرابعة. تنص المادة الثانية على أن كل ضابط يستدعيه الرئيس للخدمة مدى الحياة يتمتع بجميع الحقوق والمزايا المقررة للوزراء في الحكومة – في حال لم يكن يشغل منصباً عالياً يخوّله أصلاً الحصول على هذه الامتيازات. ويمكن أن يشمل ذلك، مثلاً، رواتب مرتفعة وعلاوات ومخصّصات للسفر وحرّاساً شخصيين. وتنص المادة الرابعة على أن كبار القادة هؤلاء يحصلون أيضاً على الأوسمة العسكرية التي يَصدر بتحديدها قرارٌ من رئيس الجمهورية مكافأةً لهم على جهودهم خلال المرحلة الانتقالية – ويترافق كل وسام مع زيادات في المعاش التقاعدي.
القوانين التي تحمي كبار القادة العسكريين متجذّرة في الدستور المصري والمنظومة القانونية. تنص المادة 204 من الدستور على أن القضاء العسكري يمتلك دون غيره سلطة مقاضاة أفراد القوات المسلحة والمخابرات العامة والفصل في كافة الجرائم التي يمكن أن يكونوا قد ارتكبوها بصفتهم العسكرية كعناصر في القوات المسلحة. في معظم البلدان، ينحصر اختصاص القضاء العسكري بالجرائم التي تُرتكَب ضد المؤسسة العسكرية أو أفراد القوات المسلحة. نظراً إلى عدم تحديد طبيعة هذه الجرائم، تحمي المادة المذكورة العسكريين في الخدمة من المثول أمام المحاكم المدنية ليس فقط في جرائم القمع الجسدي إنما أيضاً في مجموعة من الجنايات الأخرى، منها الجرائم المالية. حتى في حال أقدمت محكمة عسكرية، وهو أمرٌ مستبعَد، على محاكمة ضابط في جريمة مرتكَبة ضد شخص من المدنيين، نادراً ما يكون القضاة – الذين هم أنفسهم ضباط عسكريون – محايدين.
فضلاً عن ذلك، عمدت القوانين المصرية إلى توسيع نطاق هذه الحصانة العسكرية التي لا تقتصر فقط على حماية العسكريين من المثول أمام المحاكم المدنية. فعلى سبيل المثال، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في تموز/يوليو 2011، القانون رقم 133، وهو عبارة عن "حكم قانوني استثنائي" ينص على أن الأشخاص الذين كان يتكوّن منهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تلك الفترة، يبقون في الخدمة العسكرية الاحتياطية حتى بعد بلوغهم سن التقاعد. وقد ضمنَ ذلك لكبار القادة العسكريين خروجاً آمناً من السلطة، إذ لم يعد بالإمكان محاكمتهم أمام محاكم مدنية بموجب هذا القانون. يؤمّن لهم ذلك الحماية من المقاضاة المحتملة إنما يمنعهم أيضاً من الترشح لمناصب سياسية، كما حصل مع سامي عنان.
كذلك تمتدّ هذه الحماية لتشمل الجرائم المالية. في أيار/مايو 2012، أقدم البرلمان على تعديل القانون رقم 25 الصادر في العام 1966 بما يُجيز للمحاكم العسكرية النظر والتحقيق في الجرائم المالية فقط بعد تقاعد الضابط المتَّهم. الهدف من القانون هو تعطيل التحقيقات في الجرائم المالية المحتملة، فالانتظار إلى حين تقاعد المتهم من أجل المباشرة بالتحقيقات يزيد من صعوبة جمع الأدلة بغية الشروع في الإجراءات القضائية. إلى جانب القانون الجديد الذي يُتيح للرئيس اختيار ضباط كبار للخدمة مدى الحياة، يُفيد كبار القادة العسكريين الذين يتمتعون بالحظوة لدى الرئيس، من إفلات غير محدود من العقاب في قضايا الفساد والجرائم المالية، فحتى القضاء العسكري لا يمكنه النظر في هذه الجرائم. وهذا يشكّل عاملاً إضافياً يضمن ولاء كبار الضباط السياسي للرئيس السيسي، الذي يُعتبَر الشخص الوحيد القادر على تأمين هذه الحماية، فيما يعمل على ترسيخ سلطته بصورة مطردة.
تحمي هذه القوانين مجتمعةً كبار الضباط من أي محاكمات داخلية أو دولية محتملة في تهم القمع. كما أنها تولّد منظومة قضائية تقود إلى الفساد، نظراً إلى أن الإشراف القانوني الوحيد على أفراد المؤسسة العسكرية يتم عن طريق المحاكم العسكرية بعد تقاعد المتّهم، وحتى هذا الإشراف الضعيف يمكن تجاوزه من خلال قرار صادر عن الرئيس باستدعاء أي ضابط رفيع المستوى للخدمة مدى الحياة أو الخدمة الاحتياطية. على ضوء التوسّع الاقتصادي للجيش في الأعوام القليلة الماضية وانخراطه في أنشطة اقتصادية واسعة النطاق في القطاع الخاص، تتسنّى للضباط العسكريين فرص متزايدة لممارسة الفساد الجماعي وتكديس الثروات الشخصية.
اللافت أن القانون الجديد يزيد من خضوع كبار الضباط للرئيس الذي يمتلك القدرة على سحق التطلعات السياسية لكبار الجنرالات بمجرد استدعائهم للخدمة مدى الحياة. وهذا يؤدّي إلى تثبيت قبضة الرئيس على المؤسسة العسكرية، ويدفع بأفراد القوات المسلحة إلى الرضوخ له سعياً وراء تحقيق منافع شخصية. على الرغم من أن الاحتمال قائم بأن يعمد ضباط أفراد إلى تحدّي السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة – على افتراض أنه سيتم زيادة المدد الرئاسية، وفق ما هو متوقَّع على نطاق واسع – إلا أن الامتيازات المنصوص عليها في القانون الأخير تضمن أن كبار الضباط سيمتلكون المحفّزات اللازمة للعمل على إخضاع أي مشاغبين محتملين في السلك العسكري.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
ماجد مندور محلل سياسي وكاتب عمود Chronicles of the Arab Revolt عبر "أوبن ديمقراسي". لمتابعته عبر تويتر: MagedMandour@