في 23 تموز/يوليو، وصل أمير الكويت إلى الولايات المتحدة لمتابعة علاجه الطبي بعد خضوعه لعملية جراحية في بلاده. يحظى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي يبلغ من العمر 91 عاماً وقد تعرّض للعديد من المشكلات الصحية في الأعوام الأخيرة، بالاحترام والشعبية على نطاق واسع في الداخل كما الخارج. ولكن هذه الحادثة الدراماتيكية، حيث سافر أمير البلاد في طائرة عبارة عن مستشفى مجهّز بغرفة عناية مركّزة، أفضت إلى انطلاقة جولة جديدة من النقاشات بشأن المسار الذي ستسلكه الأمور في هذه الدولة الخليجية عند تسلّم أمير جديد سدّة العرش.
للكويت منظومة سياسية مختلفة عن تلك القائمة في البلدان الأخرى التابعة لمجلس التعاون الخليجي: فهي تضم عائلة مالكة ومجلساً نيابياً يُعرَف بمجلس الأمة. وخلافاً للمجالس التمثيلية الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي، يتمتع مجلس الأمة الكويتي بدرجة عالية من السلطة، إذ يستطيع أعضاؤه إقالة الوزراء وإسقاط حق الفيتو الممنوح للأمير من خلال التصويت بأكثرية الثلثين. ولكن إحدى الآليات التي تتسبب بخلل في التوازن بين النظام الملكي ومجلس الأمة هي أن للنظام الملكي سلطة حل مجلس الأمة. وقد مورِست هذه السلطة مرات كثيرة على مر العقود، كان آخرها في عام 2016.
النموذج السياسي الهجين في الكويت يجعل منها الدولة الأكثر ديمقراطية في مجلس التعاون الخليجي، حيث يُسمَع خطاب سياسي قوي وحيث التدقيق في الحكومة مقبول على نطاق واسع – علماً بأن القانون يعاقب مَن يوجّه انتقادات مباشرة لأمير البلاد. الكويتيون معتادون على المسرحيات السياسية والمنافسة بين الفصائل التي تتزاحم على السلطة. وتمتد هذه المنافسة إلى داخل أسرة الصباح الملكية.
يشغل الشيخ صباح منصب أمير البلاد منذ عام 2006، فيما يتولى شقيقه نواف الأحمد الصباح منصب ولي العهد. وفي حين أنه يُفترَض أن يصبح الشيخ نواف أمير البلاد المقبل، تسود تكهنات على نطاق واسع بأن أفراداً آخرين في الأسرة الحاكمة قد ينافسونه على المنصب. ويتساءل الكويتيون أيضاً مَن هو الشخص الذي سيختاره الأمير نواف لمنصب ولي العهد في حال تسلّمه سدّة الحكم. وفقاً لدستور البلاد، يجب أن توافق الأكثرية في مجلس الأمة على ولي العهد الجديد من أجل تعيينه في منصبه، ولذلك يجب أن تكون للمرشح علاقات وثيقة مع النواب. والمداولات التي تجرى داخل أسرة الصباح لاختيار ولي العهد تكون عموماً غامضة وغير شفافة.
تشمل المناصب التي تولاها ولي العهد الأمير نواف سابقاً، نائب رئيس الحرس الوطني ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية. وعلى الرغم من تسلّمه هذه المناصب، ظلّ في معظم الأحيان بعيداً عن الأضواء، ولم توضَع قدراته القيادية على محك الاختبار الفعلي. هذا فضلاً عن أنه يبلغ الثالثة والثمانين من العمر. صحيح أن آلية التوريث تفرض أن يصبح ولي العهد الأمير المقبل للبلاد، إنما لا يُستبعَد حدوث صراع على السلطة. في السعودية المجاورة، حلّ نجل الملك سلمان، الأمير محمد بن سلمان، مكان الأمير محمد بن نايف في منصب ولي العهد قبل سنوات عدة. وفي حين أن الكويت والسعودية تختلفان إلى حد كبير في مجالَي الحكم والسياسة، لقد أظهرت هذه الواقعة أن التحولات الدراماتيكية في السلطة ممكنة حتى في منطقة حيث تُعطى أهمية أساسية للتقاليد والأقدمية.
في الواقع، شكّل تعيين الشيخ نواف ولياً للعهد في الكويت انحرافاً عن المعايير السائدة، علماً بأنه ليس سابقة في تاريخ البلاد. فالممارسة السائدة تقضي أن يكون ولي العهد من فرع السالم في أسرة الصباح إذا كان أمير البلاد من فرع الجابر والعكس، غير أن الشيخ الصباح قرر تسمية شقيقه ولياً للعهد. وقد انبثقت هذه الفرصة عن لحظة فريدة في التوريث الكويتي، حين أصبح الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح أميراً للبلاد، ثم عُزِل من منصبه بعد بضعة أسابيع بسبب وضعه الصحي المتردّي. وقد تسلّم الشيخ الصباح سدّة الحكم في خضم هذه الأزمة واستخدم مكانته الجديدة لترسيخ السلطة داخل فرع الجابر، وأقدم في هذا الإطار على تعيين الشيخ نواف ولياً للعهد والشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح رئيساً للوزراء.
الشيخ ناصر صباح الصباح هو أيضاً من الأشخاص الذين ينظر إليهم عدد كبير من الكويتيين بأنهم يملكون النفوذ والإمكانات التي تخوّله اعتبار نفسه مؤهّلاً ليكون أمير البلاد المقبل. تسلّم الشيخ ناصر سابقاً منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع؛ وكان أيضاً رئيس الديوان الأميري من 2006 إلى 2017. هو طموح وقد دافع بشدة عن مشاريع ضخمة مثل مشروع مدينة الحرير المقترح في شمال الكويت. ونظراً إلى الركود الشديد الذي يعاني منه اقتصاد البلاد واعتماده الواسع على الإيرادات النفطية، تستقطب أفكار الشيخ ناصر الجريئة وخطابه المناهض للفساد شرائح واسعة من السياسيين ورجال الأعمال الكويتيين. وفي هذا السياق، يتناقض اهتمامه بالإصلاح والتنويع مع اهتمامات ولي العهد الأمير نايف الأكثر تمسكاً بالوضع القائم والذي لم يعبّر عن اهتمام فعلي بالإصلاحات الواسعة النطاق.
الشيخ ناصر هو شخصية نافذة يمكن أن تقود الكويت في اتجاه جديد، ولكنه ليس بمنأى عن السجال. في عام 2019، أُقيل من منصب وزير الدفاع بعدما أفضى شجار عام على خلفية الإنفاق الحكومي إلى استقالة رئيس الوزراء والحكومة. يؤكّد الشيخ ناصر أن السبب الأساسي للاستقالة كان اختلاس مئات ملايين الدولارات من وزارة الدفاع قبل تولّيه حقيبة الدفاع. كذلك شابت علاقته بوالده تشنجات في بعض الأحيان.
ليس الشيخ ناصر صغيراً في السن، فهو يبلغ 72 عاماً، لكنه أصغر بأحد عشر عاماً من ولي العهد الأمير نواف. وقد أثبت عن ثقة بالنفس في الميدان العام، وغالباً ما يستخدم اتهامات الفساد لتوجيه أصابع الاتهام إلى خصومه. في 23 تموز/يوليو الماضي، غرّد الشيخ ناصر عن المعركة ضد الفساد مشيراً إلى أنه ما من كويتي فوق القانون. ربما يسعى الشيخ ناصر الذي يملك برنامجاً أساسياً وداعمين أقوياء، إما إلى أن يصبح أميراً للبلاد بدلاً من ولي العهد الأمير نايف وإما إلى أن يصبح ولي العهد المقبل تحت إدارة نواف أميراً للبلاد. يلقى الشيخ ناصر استحساناً لدى عدد كبير من الكويتيين، لا سيما أولئك الذين يتطلعون إلى تغيير ما بعيداً من الاقتصاد الكويتي التقليدي. في المقابل، ربما ينظر الأفرقاء الذين يفيدون من النمط الكويتي المعتاد في القيام بالأعمال – على غرار النواب الميسورين والموالين للنظام القائم – إلى الشيخ ناصر بأنه يشكّل تهديداً لوجه البلاد كما يريدونه هم.
إذا كان الشيخ ناصر يسعى إلى تسلّم الحكم خلفاً للأمير الحالي، فسوف يكون عليه اتخاذ خطوات غير مسبوقة ضد ولي العهد وتقديم البرهان على أن قيادته للبلاد ستعود بالفائدة الأكبر على الكويت في إطار دفعها إلى الأمام. وحتى لو أصبح ولي العهد نواف أميراً للبلاد، من الوارد أن يتحوّل الشيخ ناصر من ولي للعهد إلى أمير للبلاد في غضون فترة قصيرة نسبياً، نظراً إلى تقدّم الأمير نواف في السن والمشكلات الصحية التي يعاني منها. هذا ويمكن أن يتخلّى ولي العهد عن السعي إلى منصب أمير البلاد، فتخلو الساحة أمام الشيخ ناصر الذي يصبح المرشح الأول للمنصب. كذلك يسلّط التناقض بين ولي العهد الأمير نواف والشيخ ناصر الضوء على سؤال أوسع نطاقاً: إلى أين تتجه الكويت؟ منذ صدمة اجتياح العراق في عام 1990، أصبحت الكويت بصورة عامة دولة حذرة تتردد في إجراء تغييرات كبرى. وفي هذا الإطار، بإمكان الشيخ ناصر أن يطلق حقبة جديدة قائمة على إثبات الوجود.
بغض النظر عن هوية الشخص الذي سيصبح أميراً للبلاد، غالب الظن أن السياسة الخارجية ستبقى متوازنة وموالية للأميركيين. وأبعد من سيناريوهات التوريث الحالية، من المثير للاهتمام مواكبة انتقال السلطة إلى الجيل المقبل من آل الصباح. وأحد أفراد الجيل المقبل ممن يتولون مسؤوليات أكبر وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الذي يناهز عمره الخمسين عاماً. بما أن الأمير الحالي كان وزيراً للخارجية في السابق، ربما يُنظَر إلى هذه الحقيبة الوزارية بأنها بمثابة خطوة أولى نحو تسلّم منصب أمير البلاد في المستقبل. فعلى الرغم من صعود الشيخ تميم في قطر وولي العهد الأمير محمد بن سلمان في السعودية، لا يزال النظام الملكي في الكويت في أيدي رجال متقدمين في السن يعانون من مشكلات صحية مستمرة. وربما كان الشباب الكويتي يرغب في دعم وصول شخصية أفضل تفهماً لهواجسه وتطلعاته إلى سدّة الحكم.
ولكن في الوقت الراهن، يبقى السؤال الأساسي: مَن هو الشخص الذي سيخلف الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح؟ من الأسماء الأخرى المطروحة، إلى جانب ولي العهد الأمير نايف والشيخ ناصر، وزير النفط السابق الشيخ أحمد الفهد الصباح، والشيخ محمد صباح الصباح الذي كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية ويحمل شهادة دكتوراه من جامعة هارفرد. فيما تواجه الكويت أزمة على صعيد موازنتها فضلاً عن تفشّي جائحة "كوفيد 19"، قد تكون البلاد أمام ضغوط متزايدة لاتباع التراتبية المعهودة في التوريث إذا وجب اختيار أمير جديد للبلاد في المستقبل القريب.
بايلي ويندر طالب ماجستير إدارة أعمال في جامعة أكسفورد. لمتابعته عبر تويتر @BaylyWinder.