تشي برامج التمكين والتوازن وتكافؤ الفرص الخاصة بالمرأة، التي يتم الحديث عن تطبيقها في البحرين، إلى أن هناك مقاومة قائمة لبند المساواة بين المرأة والرجل التي نصَّ عليها دستور مملكة البحرين، وأنَّ هناك وعي بهذه المقاومة للحقوق، وأيضاً جهود من أجل كسر هذه المقاومة وسدّ الثغرات والفجوات في طريق المساواة.
وحظيت المرأة البحرينية بألقاب الريادة خليجياً في مجالات التعليم السياسة والاقتصاد والإدارة والعدل، إلا أنها تراوح مكانها أو تخطو ببطء في مطالباتها لتعديل ثالوث القوانين التي تؤثر مباشرة في جودة حياتها وتحقيق الاستقرار والأمان الذي تنشده لنفسها ولأسرتها. هذه القوانين الثلاثة هي قانون أحكام الأسرة، والجنسية والحماية من العنف الأسري.
لم تكن طريق المرأة في البحرين معبَّدة، بل حاربت - ولاتزال - في سعيها لنيل مكتسبات في مجالات عدة. سياسياً، حصلت المرأة على حق المشاركة بالإدلاء بصوتها في الانتخابات البلدية في 1951، ثم جاء دستور 1973 ومنح المرأة والرجل الحقوق السياسية كافة دون تمييز، وإن حرم قانون الانتخاب للعام نفسه المرأة الموظفة من ممارسة الحق في التّرشّح والانتخاب. إلا أن الحياة البرلمانية تعطلت أصلاً بعد مرور 18 شهراً، حتى صدر دستور 2002 الذي نصَّ على المساواة في الحقوق السّياسية للمرأة والرَّجل في البحرين ليكون الأول في الخليج الذي يعطي المرأة هذا الحق.
ومع ذلك، لم تتمكّن المرأة من دخول البرلمان المنتخب في 2002، وتمكنت امرأة واحدة فقط من دخوله في 2006. وبرغم مرور 20 عاما على التجربة البرلمانية، إلا أنّ نسبة المرأة تبلغ 15 بالمئة فقط في المجلس الحالي. ولذلك يطالب الاتحاد النسائي باعتماد مبدأ الكوتا، الذي لا يقرّه الجانب الرسمي، لتعارضه مع الدستور.
وعلى الصعيد الاقتصادي تشير الأرقام الرسمية إلى أن المرأة تشكّل نصف القوى العاملة الوطنية. يؤكّد ذلك مؤشّر دافوس 2020 الذي أوضح أن البحرين حققت 0,510 من المساواة التّامة في مجال المساهمة الاقتصادية، ويشار لها بـ 1. وصنّف المؤشر البحرين في المرتبة 133 من بين 153 دولة، أي أنَّ درجة البحرين في المساواة، عالمياَ، بلغت 0.629. وتحققت المساواة في مجالي التّعليم والصّحة بدرجة كبيرة تصل إلى 0.958، و0.985 لكل منهما على التوالي. فيما لم يتجاوز مؤشر الحركة السياسية 0.066.
بالرغم من انضمام البحرين للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، وأبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في 2002، وتبنيها الهـــــدف الـــــخامـــــس مـــــن وثـــــيقة الأمـــــم المتحـــــدة لـــــلتنمية المســـــتدامـــــة القاضي بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة؛ إلا أنَّ الموروث الاجتماعي - بميزانه المائل لغير صالح المرأة - لايزال حاضراً بشكل صارخ، وتكرّسه ثغرات القوانين التي تنال من مكانة المرأة التي بنتها لنفسها، وتمنعها من اتّخاذ قرارها، كما في قانون أحكام الأسرة، وتنتهك كرامتها في هنّات قانون الحماية العنف الأسري، وتحرمها من توفير الأمان والاستقرار لها ولأسرتها بعدم السماح لها بمنح جنسيتها لأبنائها.
فقانون أحكام الأسرة جاء في 2017 منقسماً إلى فقهين: سني وجعفري لبعض أحكامه، وهو ما كان تحت سقف مطالبات الاتحاد النسائي بضرورة وجود قانون موحَّد للأسرة البحرينية مشتملاً على نصوص موحّدة تجمع الفقهين دون تمييز. يرى المحامي الناشط الحقوقي حسن إسماعيل "إنّ تقنين أحكام الاسرة له أهمية قصوى في المحاكم الشرعية، أبرزها مساعدة كل من القاضي والمتقاضي والمحامي في فهم وتطبيق الحكم الشرعي من نص واضح، بدلاً من البحث في الكتب الفقهية، بالإضافة إلى أنه يحقّق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع البحريني بتطبيق نصوص قانونية موحدة على الجميع، مما يساهم في تقليل المعاناة في مسائل الخطبة والزواج، والتفريق، وما يترتب على ذلك من حقوق والتزامات لطرفي العلاقة والأطفال."
يرى الناشطون في مجال حقوق المرأة والدّاعون للمساواة أنَّ قانون الأسرة تشوبه ثغرات. فالمرأة لا تملك قرار زواجها وتحتاج لوليّ، وهو دليل واضح على التَّمييز بين المرأة والرجل. كما يجيز القانون في الفقهين تعدّد الزوجات وليس مطلوبا من الزَّوج ليتزوج بأخرى سوى ضمان حقّ الزَّوجة في المبيت والإنفاق، أي أنَّ القانون يخلو من نصٍّ يقيّد تعدّد الزّوجات، ويحدّ من إساءة رخصة التّعدّد، ويفتقر إلى شروط لتقييده مثل أن تكون هناك ضرورة للجوء إليه. بالإضافة إلى ذلك فالقانون يكرّس مفهوم تبعية المرأة للرّجل وطاعته برغم أن المعاشرة بالمعروف هي حق متبادل بين الزّوجين. ولا يزال الزّوج - بموجب القانون - متحكّماً في خروج الزّوجة للعمل ويحق له منعها إن أراد ضد إرادتها. هذا القانون يتعارض أيضاً مع اتفاقية حقوق الطّفل الموقِّعة عليها البحرين، بتحديد سن زواج الفتاة بـ 16 سنة، وليس بتجاوز سن الطفولة عند 18 سنة، مع قدرة المحكمة على الاستثناء لمن هنّ دون ذلك. ولا يزال الطَّلاق بيد الرَّجل وحده، بينما لا يمكن للمرأة خلع الزوج دون إرادته وموافقته.
وإذا أضفنا إلى ذلك تدخُّل السّلطة التقديرية للقاضي، فإن الميزان يميل كثيراً لغير صالح المرأة. تقول النّاشطة النّسائية ورئيسة مركز "تفوّق"، مريم الرويعي: "عندما تطلب الزّوجة الطّلاق للضَّرر الذي تتعذّر معه العشرة؛ يطلب القاضي من جانبه الإثبات بالشّهود، ما يُعجز المرأة، إذ أنَّ الضَّرر بين الزّوجين تمَّ في الفضاء الخاص، فيعتمد الحكم على سلطة القاضي التقديرية، وحين يتعنَّت الزّوج تبقى الزوجة معلَّقة لسنين." أشارت مريم الرويعي إلى تقارير تكشف وجود 16 ألف امرأة معنَّفة معلَّقة تطلب الطلاق، مع حالات كثيرة منها تجاوزت مدة النَّظر فيها 10 سنوات.
والمرأة في البحرين لاتزال غير مطمئنة لآليات انتصاف رادعة عندما يتعلق الأمر بالحماية من العنف الأسري، فبعد مطالبات ومحاولات من قبل السّلطة التشريعية منذ 2006، مستندة على جهود واسعة من قبل المنظمات المدنية والرَّسمية المناهضة للعنف ضدَّ المرأة، وتوصيات لجنة (سيداو) في كل تقاريرها عن البحرين؛ صدر قانون الحماية من العنف الأسري في 2015، دون المتوقع في عدد من موادّه أهمّها تعريفه للعنف الأسري على أنه "كلّ فعل من أفعال الإيذاء يقع داخل نطاق الأسرة من قبل أحد أفرادها (المعتدي) ضدّ آخر فيها (المعتدى عليه)"، أي أنه لم يشمل فعل التَّهديد بالإيذاء كما نصَّت المواثيق الدولية وأبرزها الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة 1993. كذلك خلا القانون من وجود عقوبة ضد مرتكبي جرائم العنف الأسري من إيذاء جسدي ونفسي وجنسي واقتصادي. القانون أيضا لا يجرّم الاغتصاب الزّوجي، كما خلا قانون العقوبات من تحميل الزَّوج لأيِّ مسؤولية إذا مارس العلاقة الزوجية مع زوجته كرهاً أو غصباً.
في العام نفسه (2015) دشَّن المجلس الأعلى للمرأة الاستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف الأسري بهدف التَّصدي للعنف والتوعية وإنشاء قاعدة بيانات. ولا تتوفر إحصاءات شاملة لمراكز الإيواء أو استقبال الحالات في البحرين، إلا أن أرقام مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري أوضحت في مؤشر على الوضع، أن عدد الحالات بلغت 104 حالات في 2015 وتذبذبت عند نفس المستوى خلال السنوات التالية لتصل إلى 120 حالة في 2019. وانخفضت في 2020 إلى 65 حالة بسبب صعوبة التواصل أثناء جائحة كوفيد_19. يؤكد ذلك تقرير المجلس الأعلى للمرأة لعام 2019 الذي رصد انخفاض في حالات العنف الأسري بشكل عام لم يتجاوز 0,01 بالمئة.
أما المطلب القانوني فهو تعديل قانون الجنسية 1963 الذي يكرّس التمييز في الحصول على الجنسية بين المرأة المتزوجة من أجنبي والبحريني المتزوج من أجنبية، ما يعتبره المحامي إسماعيل "مخالفاً للدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها البحرين وبالتالي أصبحت جزءاً من التشريع الوطني، كما أنه يضعف المواطنة الحقوقية للمرأة البحرينية". فلا يحق للمرأة البحرينية منح جنسيتها لأبنائها وإنْ وُلدوا على أرض البحرين لأب غير بحريني، بينما يُعتبر الطفل بحرينيا سواء وُلد على أرض البحرين أو خارجها في حال كان والده بحرينياً وإن كانت والدته غير بحرينية.
لم تثمر حملة "جنسيتي حق لي ولأبنائي" التي تشكلت في البحرين في 2004، في إطار حملات عربيات يحملن الشّعار نفسه. فبرغم إضافة حلول مهمّة في تعديل القانون عام 2009، تنص على معاملة ابن البحرينية المتزوجة من غير بحريني معاملة البحريني في بعض الرسوم التّعليمية والصّحية؛ إلا أنَّ الناشطون لا يرون هذا كافياً. تقول رئيسة جمعية نهضة فتاة البحرين، نادية المسقطي: "عندما يولد طفل على أرض فحقه الإنساني أن يعيش بكرامة، فكيف إن كان قد وُلد لأمٍّ تحمل جنسية هذه الأرض، لذا يدعو تقرير الظّل الأهلي الذي يعدّه الاتحاد النّسائي البحريني للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، إلى رفع التّحفظ البحريني عن بند اتفاقية السيداو الذي ينصّ على منح المرأة حقّاً مساوياً للرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، وإزالة كافّة أشكال التَّمييز ضد المرأة بحيث تستطيع أن تعيش مواطنة كاملة الأهلية".
الطريق طويلة وشاقة، وقد يبطئ استمرار النضال من أجل تعديل القوانين انطلاق المرأة، ويشتت طاقتها. لكن العزم أيضا يبدو قوياً ويتطلب، ليحافظ على وتيرته، تعاون المؤسسات النسائية الأهلية العريقة منها بخبرتها التي تتجاوز سبعة عقود، والحديثة الرسمية، بعزمها على التغيير، من أجل ردم فجوات المساواة ولتأخذ المرأة فرصتها كاملة لأداء أدوارها التنموية المتعددة التي تنتظرها.