المصدر: Getty
مقال

دبلوماسية "نيوم" السعودية

تبني السعودية مدينة ضخمة جديدة لاستقطاب الشركاء الدوليين. ولكن المشروع قد يضعها في مواجهة مع الإمارات التي تربطها بها علاقة شراكة منذ وقت طويل.

 علي دوغان
نشرت في ٢٦ أبريل ٢٠٢١

في 23 نوفمبر /تشرين الثاني2020، عُقِد اجتماعٌ بين وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة نيوم التي تعمل السعودية على بنائها في منطقة تبوك. "نيوم"، وهي مختصر "المستقبل الجديد"، مدينة عملاقة يُخطَّط لبنائها بكلفة 500 مليار دولار ويتوقَّع أن تغطّي مساحة 10230 ميلًا مربعًا في شمال غرب السعودية عند تخوم خليج عقبة. يُشير مكان انعقاد الاجتماع إلى الأهمية الاستراتيجية التي ترتديها "نيوم" في سياسة بن سلمان الخارجية. ويندرج الاجتماع في إطار دبلوماسية "نيوم" الجديدة، وهو مجرد واحد من اجتماعات مماثلة كثيرة يُرجَّح أن تنعقد في المستقبل.

أعلن محمد بن سلمان عن خطط إنشاء المدينة الضخمة "نيوم" في تشرين الأول/أكتوبر 2017، بعد مرور أربعة أشهر فقط على تعيينه وليًا للعهد في خطوة أثارت الجدل آنذاك ولم تولّد معارضة داخل العائلة المالكة فحسب، بل فرضت أيضًا على محمد بن سلمان إقناع السعوديين الذين يعانون من البطالة المرتفعة وهم مجتمع فتيّ بصورة أساسية، بأن العرش هو حقٌّ له. وتشكّل مدينة "نيوم"، بوصفها مشروع بن سلمان الضخم، أداةً أساسية له من أجل تثبيت سلطته في السعودية وتوطيد أمن النظام. في الأعوام الأخيرة، لجأ محمد بن سلمان بصورة متزايدة إلى استخدام "نيوم" مرتكزًا في جهوده الدبلوماسية. ومن المقرر أن تكون للمدينة منطقة اقتصادية مستقلة ذات نظام قانوني وضريبي خاص بها. والهدف الذي تسعى إليه الحكومة من خلالها هو تنويع الاقتصاد عبر تسويق مناطق اقتصادية جديدة عالية التقنيات. موقع المدينة الجغرافي قريبٌ من الأسواق الدولية وسوف تُشغَّل مئة بالمئة بواسطة طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتجدّدة. هذا فضلًا عن إطلاق مشروع "ذا لاين" في مدينة "نيوم"، وهو عبارة عن خط للمواصلات يمتد على طول 170 كلم ومخصّص لحركة القطارات والسيارات تحت الأرض من خلال نظام الذكاء الاصطناعي.

عامل الفرادة في مدينة "نيوم" مقارنةً بالمشاريع العملاقة الأخرى هو دورها في السياسة الخارجية السعودية باعتبارها أداةً للقوة الناعمة. تساهم "نيوم" في توسيع الفرص المتاحة أمام المملكة في السياسة الخارجية. وفي هذا الإطار، أعلن صندوق الاستثمار الروسي، خلال أول زيارة رسمية لملك سعودي إلى روسيا في تشرين الأول/أكتوبر 2017، أنه سيستثمر مليارات الدولارات في مدينة "نيوم" ويشارك في تسويق المشروع لدى الشركات الروسية المتخصصة بالتقنيات المتطورة. ونظرًا إلى الأفكار المستقبلية والنيوليبرالية التي هي في صلب مشروع "نيوم"، تُسلّط السعودية الضوء أيضًا على أن المدينة هي مكان مناسب للتعاون والاستثمارات بينها وبين الولايات المتحدة. يستخدم محمد بن سلمان مشروع "نيوم" أداةً لاستقطاب شركاء السعودية الدبلوماسيين.

على سبيل المثال، عرضت السعودية مشروعها العملاق أمام الدول الرائدة اقتصاديًا خلال قمة مجموعة العشرين في عام 2020 من خلال العمل على تنظيم زيارات لقادة الدول إلى "نيوم". وقد صرّح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال القمة أنه يرغب في زيارة "نيوم" وأن المدينة تجسّد مشروعًا من أجل مستقبل أكثر مراعاة للمعايير البيئية. تُقدّم "نيوم" موقعًا أفضل مناخيًا وجغرافيًا للشركات الدولية مقارنةً بدبي حيث فصل الصيف شديد الرطوبة. وفي هذا الصدد، تحاول السعودية أن تُسوِّق لصورة "نيوم" المستقبلية والسياحية كوجهة منافِسة محتملة لمدينة دبي. تُظهر الإعلانات عن مدينة "نيوم" في صحيفة "وول ستريت جورنال"، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية الأوروبية، وكذلك إعلانات "نيوم" الخاصة بأحد اتحادات مسابقات الألعاب الإلكترونية – تُظهر أهمية "نيوم" في استراتيجية العلاقات العامة السعودية. وزيارة بومبيو الأخيرة خير مثال على مكانة "نيوم" الفريدة بوصفها مشروعًا ضخمًا.

العلاقات مع إسرائيل ضرورية للسعودية من أجل إنجاز مشروع "نيوم". ولذلك فإن اتفاقات التطبيع التي وُقِّعت بين كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، تصبّ في مصلحة السعودية. في حزيران/يونيو 2017، سلّمت مصر جزيرتَي تيران وصنافير الواقعتَين قبالة الساحل السعودي وشبه جزيرة سيناء، إلى السعودية، انطلاقًا من اعتقادها بأن الاقتصاد المصري سيُفيد من مشروع "نيوم". في الواقع، تخطط السعودية لتشييد جسر يعبر مضيق تيران ويربط مصر بمدينة "نيوم". ولكن من أجل توسيع الطريق السريع السعودي 392 وبناء جسر سعودي-مصري، يجب إجراء مفاوضات مع إسرائيل بهذا الخصوص. فمعاهدة السلام التي وقّعتها مصر مع إسرائيل في عام 1979 تنص على ضمان مرور السفن الإسرائيلية مجانًا عبر مضيق تيران، ولذلك يتوقّف المشروع على موافقة إسرائيل.

لا يمكن أن تزدهر مدينة "نيوم" في غياب اتفاق مع إسرائيل، علمًا بأن استطلاعًا للآراء أجراه معهد الدوحة أظهر أن نسبة 90 في المئة من العرب لا تزال تعارض الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. لا يكفي أن تواصل السعودية استراتيجيتها في مجال العلاقات العامة الدولية، بل هي تحتاج أيضًا إلى حلفاء آخرين من العالم العربي كي تُرسي أساسًا مناسبًا لاعتراف عربي إسرائيلي متبادل. إنما لا يُعرَف بعد إذا كنا سنشهد اعترافًا عربيًا متزايدًا بإسرائيل.

قد يمارس مشروع "نيوم" تأثيرًا سلبيًا على العلاقات بين السعودية والإمارات، علمًا بأن الروابط بينهما ليست ودّية على الدوام. ففي عام 2013، وقعت مواجهة بين البلدَين بسبب خلاف حدودي على حقل الشيبة النفطي. إضافةً إلى ذلك، أظهرت حرب اليمن تباعدًا في مصالح البلدَين هناك. وفي المستقبل، قد يدفع مشروع "نيوم" وسياسة محمد بن سلمان بالدولتَين الخليجيتين إلى خوض منافسة بينهما للاستحواذ على السوق. ففي إطار السعي إلى تنفيذ مشاريع متشابهة بهدف تنويع الاقتصاد، قد تقع مواجهة بين الدولتَين من أجل السيطرة على الأسواق المختلفة في المنطقة.

وفي هذا الإطار، تخوض مشاريع كبرى مثل مركز الملك عبدالله المالي ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية منافسة مع دولة الإمارات المجاورة. فالشركات الدولية تستطيع أن تعِد موظفيها بعيش نمط حياة غربي في دبي، وهو ما ليس ممكنًا حتى الآن في السعودية. إنه عاملٌ مهم للشركات الدولية التي تسعى إلى تمثيل إقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد واجه مركز الملك عبدالله المالي ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، اللذان بلغت كلفتهما مليارات الدولار، صعوبة كبيرة في استقطاب الشركات لفتح مكاتب لها هناك. حتى إن الحكومة السعودية تنوي تحويل مركز الملك عبدالله المالي إلى منطقة اقتصادية خاصة لاستقطاب الشركات الدولية. وقد صرّح وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، في تشرين الأول/أكتوبر 2020، أنه سيجري إطلاق مناطق اقتصادية خاصة في عام 2021.

لا تستطيع السعودية أن تسمح بأن تلقى مدينة "نيوم" المصير نفسه نظرًا إلى النمو السكاني الكبير في المملكة وارتفاع البطالة. سوف تحاول الحكومة السعودية استقطاب الشركات بعيدًا من دبي من خلال عرض اتفاقات ضريبية خاصة وغيرها من المُغريات من أجل أن تفتح تلك الشركات فروعًا لها في "نيوم". وفيما تعمل الإمارات والسعودية على الحد من تبعيتهما الاقتصادية للنفط، قد تخوضان منافسة فيما بينهما على الشركات والاستثمارات الدولية.

لا يُعرَف بعد إذا كان الإماراتيون مستعدّين لتقاسم الهيمنة على موقع المركز الأساسي للأعمال في المنطقة. يجب الانتظار لنرى كيف ستعمد الدولتان الخليجيتان الأكثر ثراء إلى تسوية أي خلاف مستقبلي قد ينشأ بينهما. وسوف يتعيّن على السعودية التفاوض مع إسرائيل والإمارات فيما يتعلق بمستقبل مشروع "نيوم".

سياسة محمد بن سلمان الخارجية مرتبطة ارتباطًا شديدًا برؤيته الاقتصادية والاجتماعية. ومشروع "نيوم" هو مثالٌ على المشاريع الضخمة المختلفة في السعودية، ويمنح زخمًا لجهود المملكة الدبلوماسية. تسعى الحكومة إلى تحسين صورة المملكة وتعزيز فرص الأعمال من خلال هذا المشروع. وبما أن محمد بن سلمان هو وريث العرش، غالب الظن أننا سنشهد على استخدام متزايد لدبلوماسية "نيوم".

علي دوغان زميل أبحاث في معهد الأبحاث الألمانيLeibniz-Zentrum Moderner Orient  وطالب دكتوراه في معهد Otto-Suhr للعلوم السياسية في برلين. لمتابعته عبر تويتر @LearnIntelZMO .
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.