المصدر: Getty
مقال

الجزائر: هل سيقود القمع إلى إنهاء الحراك؟

أثارت حملات القمع الأخيرة، التي استهدفت المحتجين في الجزائر، تساؤلات حول مستقبل الحراك، وجعلت قدرته على تشكيل معارضة فعلية هدفا بعيد المنال.

 إلهام رشيدي
نشرت في ٣ أغسطس ٢٠٢١

نجحت حملة القمع الشديدة، مؤقتًا، في إسكات الحراك بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الأسبوعية في مختلف أنحاء البلاد. حيث استهدفت موجة اعتقالات غير مسبوقة نشطاء المجتمع المدني، ومراسلين صحفيين، وطلابًا جامعيين، وأساتذة، وأعضاء في أحزاب سياسية. في 30 حزيران/يونيو، تصاعدت حدة القمع حين اقتيد الزعيم المعارِض ومنسّق حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس من مقر إقامته ووُضِع قيد الحجز بعد تفتيش منزله.1

يتبيّن من خلال الإقدام على توقيف زعيم حزبي، أن الهدف الذي يسعى إليه النظام الجزائري ليس التخلص من الحراك فحسب، وإنما أيضًا قطع الطريق على أي محاولة لبناء معارضة منظَّمة. في السابق، رفعت السلطات الجزائرية شكوى قضائية لحل حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي وحزب العمّال الاشتراكي، وكلاهما يدعمان الحراك وينتميان إلى قوى البديل الديمقراطي. إضافةً إلى ذلك، قدّم النظام إطارًا تشريعيًا للقضاء على أي معارضة ناشئة من خلال تصوير المعارضين بأنهم إرهابيون، مثلما فعل مع الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل، وحركة رشاد. ففي 8 حزيران/يونيو، أقرّ الرئيس عبد المجيد تبون، بموجب مرسوم، تعديلًا ملتبس الصياغة للقانون الجزائي يُصنّف المدنيين أو المنظمات التي تحاول الوصول إلى السلطة أو تغيير منظومة الحكم "بطرق غير دستورية" في خانة الإرهاب.

بحلول أيار/مايو 2021، فرغت الشوارع، حدث ذلك في غضون أيام معدودة لأن الانتشار الكثيف لعناصر الشرطة حال دون نزول المحتجين إلى الشوارع، لا سيما في العاصمة. ومما لا شك فيه أن استغلال القضاء، واحتمال زيادة ذلك بعد إقرار القوانين الجديدة، ساهم في ثني الكثيرين عن المشاركة في الاحتجاجات. وقد سجّلت الاعتقالات ذات الدوافع السياسية ارتفاعًا مفاجئًا في أواخر نيسان/أبريل. فمنذ استئناف الاحتجاجات في شباط/فبراير وحتى ذلك الحين، كان مئات الأشخاص يُعتقَلون أسبوعيًا، ولكن يتم الإفراج عن معظمهم لاحقًا. وبين شباط/فبراير وتموز/يوليو، زُجَّ بـ306 أشخاص في السجون على خلفية مشاركتهم في الحراك أو توجيههم انتقادات شديدة للحكومة.2

لكن هذا الرقم لا يكشف بصورة كاملة حجم القمع وحدّته. فقد اعتُقِل ما يزيد عن 6570 شخصًا منذ أواخر شباط/فبراير، علمًا بأن كثيرين منهم تعرضوا تكرارًا للاعتقال أو الاستدعاء.3 من الواضح أن النظام يريد أن يقضي النشطاء والصحفيون فترات طويلة في المحاكم، بدلًا من أن ينصرفوا إلى القيام بعملهم. علاوةً على ذلك، وُضِع عشرات الأشخاص تحت الإشراف القضائي، ما يحد من قدرتهم على السفر والتفاعل مع الآخرين. فالترهيب الذي يُمارَس من خلال المضايقات القضائية، والذي لن ينحسر على الأرجح، يمكن أن تكون له، في بعض الأحيان، الفعالية نفسها كما الاعتقال والسجن، في إسكات منتقدي الحكومة وخصومها السياسيين.

لقد أعلنت وزارة العدل، في خطوة بدت وكأنها تنازل من جانبها، عن إخلاء سبيل أعداد إضافية من المعتقلين السياسيين في 14 تموز/يوليو. ولكن لا يزال هناك 196 شخصًا قيد الاعتقال، بحسب موقع المعتقلين الجزائريين وفيما كان السجناء يغادرون زنزاناتهم، كانت المحاكمات قائمة. في هذا الإطار، يدرك النشطاء أن إخلاء السبيل لا يعني انحسار القمع، وتسود أجواء الخوف وخيبة الأمل في أوساطهم. فهم مرغَمون على إيلاء الجزء الأكبر من اهتمامهم لدعم المعتقلين السياسيين بدلًا من التركيز على العمل السياسي. وفيما تزداد الأحزاب السياسية ضعفًا، وتغيب الضغوط في الشارع، ما يؤدّي إلى حرمان الحراك من قوته الأساسية، يبدو تحوّل الحراك إلى قوة معارضة هدفًا بعيد المنال. يبقى أن نرى إذا كان الحراك قد نجح في تحفيز وعي سياسي كافٍ في مختلف أنحاء البلاد بما يتيح تحويل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بفعل الجائحة، إلى فرصةٍ للإفادة من النقمة الشعبية واستنهاض الزخم من جديد.

إلهام رشيدي، صحفية مستقلة تركز على الحركات الاحتجاجية وقضايا حقوق الإنسان في المغرب والجزائر، لمتابعتها على تويترك @Ilhemrachidi.

ملاحظات:

1 المصدر: اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين

2 مقابلة أجرتها الكاتبة مع الناشط المدافع عن حقوق الإنسان زكي حناش في 18 تموز/يوليو

3 مقابلة أجرتها الكاتبة مع الناشط المدافع عن حقوق الإنسان زكي حناش في 18 تموز/يوليو

 
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.