المصدر: Getty
مقال

تصاعد القمع في المغرب

عقب حملة واسعة ضد الصحافة المستقلة في المغرب، يواجه نشطاء حقوق الإنسان تضييقا وأحكاما بالسجن.

 عبد اللطيف الحماموشي
نشرت في ١٢ مايو ٢٠٢٢

اعتقلت السلطات المغربية يوم 23 آذار/ مارس الماضي المدونة والمدافعة عن حقوق الإنسان سعيدة العلمي، بسبب منشوراتها المنتقدة للقصر والأجهزة الأمنية على مواقع التواصل الاجتماعي. اتهمت النيابة العامة المدونة التي كانت تتمحور أغلب تدويناتها في الدفاع عن الصحفيين المعتقلين بتهم ثقيلة تتعلق بـ "إهانة هيئة نظمها القانون" و"إهانة موظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال مست بالاحترام الواجب لسلطتهم"، و"تحقير مقررات قضائية"، و"بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة لأشخاص قصد التشهير بهم". وقد قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بسجن العلمي عامين نافذين.

بعد أيّام قليلة من اعتقال العلمي، استجوَب أمن مدينة الحسيمة (أقصى شمال المغرب) المدوّن والناشط السابق في حراك الريف، ربيع الأبلق بشأن مقطع فيديو نشره على حسابه بموقعيّ فيسبوك ويوتيوب ينتقد فيه كلّ من الملك محمّد السادس ورئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث أثار تساؤلات حول مصدر ثروتيهما المالية. اتهم وكيل الملك (ممثل النيابة العامة) الأبلق الذي مثل أمام المحكمة في 11 نيسان/ أبريل في حالة سراح، بـ"الإخلال علنًا بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك"، وقد أدين الأبلق بأربع سنوات حبسًا نافذًا.

التضييق على النشطاء والمدونين جاء بعد حملة واسعة شنّتها السلطات المغربية ضد الصحافة المستقلة التي لم تعد – وفق تعبير إريك غولدستين، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش – سوى ذكرى بعيدة. فبعد اعتقال توفيق بوعشرين، مدير ومؤسس جريدة "أخبار اليوم" المتوقفة عن الصدور، وهي الصحيفة الورقية الأكثر استقلالية في المغرب، والحكم عليه بالسجن 15 سنة بتهمة "الاتجار بالبشر"، توالت الاعتقالات وسط الصحفيين بعدة تهم ذات طبيعة جنسية وأخلاقية بغرض تشويه السمعة، في محاولة لاستنساخ التجربة التونسية السائدة في عهد الديكتاتور زين العابدين بن علي، إذ تمّ اعتقال الصحفية هاجر الريسوني بتهمة "ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والاجهاض"، وكذلك سليمان الريسوني بتهمة "محاولة هتك عرض شاب مثْلي"، والاثنين معًا من نواة جريدة أخبار اليوم التي كان يصدرها بوعشرين. بلّ تمّ الحكم أيضَا على محامي بوعشرين الشهير محمّد زيّان (79 عامًا) بثلاث سنوات حبسًا على خلفية شكاية لوزير الداخلية، بالإضافة إلى الصحفي عمر الراضي، الملاحق  هو كذلك بتهمتيّ "التجسس والاغتصاب"، والذي أدين وحكم عليه بـ 6 سنوات سجنًا في آذار/ مارس الماضي.

تهدف السلطات المغربية من خلال متابعة واعتقال الصحفيين المستقلين والنشطاء والمدونين المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى خلق جوّ من الخوف والرعب وسط النُخب السياسية والإعلامية وداخل مجتمع المدافعين عن حقوق الإنسان، في ظلّ ضعف المعارضة الديمقراطية التي صارت ضعيفة ومفتّتة أكثر عما كانت عليه بفعل الصراعات الأيديولوجية والاستقطابات الفكرية الضيّقة التي تخدم في نهاية الأمر الجناح السلطوي داخل النظام الماسك بخيوط اللعبة.

لا تستخدم السلطوية المغربية القضاء والسجن لتخويف المعارضة وكبح جماح الصحافة المستقلة فحسب، بل تعتمد أيضًا على سلاح التشهير الإعلامي الصادر عن صُحف ومواقع إخبارية تُعلن صراحةً عن ولائها للسلطات. يهدف إعلام التشهير أساسًا إلى تشويه سمعة الفرد من خلال نشر أحداث ووقائع لا أساس لها من الصحة أو محوّرة عن الواقع، كما يسعى إلى تهديد المستهدفين بالاعتقال حتى قبل متابعتهم قضائيًا، تمامًا كما حدث مع المؤرخ والصحفي معطي منجب الذي تلقّى عدّة هجومات من لدن "إعلام التشهير" قبل أسابيع من اعتقاله في 29 كانون الأوّل/ ديسمبر 2020 والحكم عليه بسنة حبسًا بتهمة "المس بسلامة أمن الدولة".

على العموم، يُمكن القول إنّ التشهير الإعلامي الموجّه من لدن الجناح السلطوي داخل النظام يسعى أساسًا إلى التأثير في السلوك الخطابي للمستهدف، أيّ مواقفه ومبادراته وردود أفعاله اتجاه السلطة، من خلال التحذيرات والتهديدات الموجّهة له، ما قد يؤدّي إلى التحكّم غير المباشر في مواقفه وقراراته وخطّه التحريري، عبر دفعه إلى تفعيل الرقابة الذاتية عن كلّ ما ينتجه من مقالات أو دراسات أو ما يُعبّر عنه من مواقف وأفكار.  

ورغم الانتقادات الواسعة الموجهة للمغرب فيما يخصّ تدهور وضعية حقوق الإنسان، وآخرها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 12 نيسان/ أبريل 2022 الذي أشار إلى تنامي "الاعتقالات التعسفية وسط الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني"، وإلى انتشار ظاهرة التشهير الإعلامي التي "عرّضت الصحفيين للمضايقة والترهيب" فإنّ النظام المغربي، الذي يبدو غير مكترث لسمعته الدولية، يستمر بلا هوادة في قمع المعارضة والتضييق على الصحفيين، لكنّه يواجه في الوقت نفسه غضبًا قويًا من لدن الفئات الشعبية المتوسطة والفقيرة المتضررة اقتصاديًا من غلاء الأسعار وتأثيرات جائحة كورونا، وهو ما يدفعه، كما يقول معطي منجب، إلى  تعميق "مراقبة المجتمع واعتقال العناصر النشيطة التي يمكن أن يتجمع حولها الناس من حقوقيين وصحافيين أو متابعتهم بتهم خطيرة".

 عبد اللطيف الحماموشي، باحث في العلوم السياسية وصحفي استقصائي مغربي. وهو عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. له مجموعة من التحقيقات الصحفية نُشرت في The Intercept و Open Democracy والعربي الجديد. وهو مؤلف كتاب "منصف المرزوقي: حياته وفكره" (بالاشتراك مع معطي منجب) الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة.لمتابعته على تويتر @AHamamouchi

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.