المصدر: Getty
مقال

الاستراتيجية الفلسطينية لمحاسبة إسرائيل في مقتل أبو عاقلة

استراتيجية السلطة الفلسطينية للضغط على إسرائيل عبر المحكمة الجنائية الدولية لن تنجح بشكل فعال، لأن القادة الإسرائيليين لا يكترثون بنتائج التحقيقات الدولية.

 رهام عودة
نشرت في ٢١ يوليو ٢٠٢٢

يُعد مقتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة  انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير ولحرية العمل الصحفي. كانت أبو عاقلة في مخيم جنين تُغطي أخبار العملية العسكرية الإسرائيلية، وهي مرتدية خوذة ودرع الصحافة، على مرأى من أعين الجيش الإسرائيلي، وهي أيضاً لا تنتمي لأي من الفصائل الفلسطينية المسلحة، لذا لا يوجد أي سبب واضح لاستهدافها مباشرة من قبل الجيش الإسرائيلي، سوى أن القاتل، في حال اتهم بشكل نهائي جندي إسرائيلي في مقتلها، أرد أن يبعث رسالة تهديد للصحفيين الفلسطينيين، مفادها أن يمتنعوا عن تغطية أخبار تتعلق بعمليات الجيش الإسرائيلي العسكرية في الأراضي الفلسطينية.

لا تزال السلطة الفلسطينية مُصرة على تقديم ملف اغتيال شيرين أبو عاقلة إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل، والسعي لإدانتها دوليا، على الرغم من عدم اعتراف إسرائيل رسميا بمسؤولية جنودها عن قتل الصحفية أبو عاقلة، وتمتُع إسرائيل بحصانة أمريكية تُجنب قادتها الخضوع للمساءلة الدولية، حيث استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية، في الماضي، حق الفيتو لمنع إدانة إسرائيل عبر مجلس الأمن، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميا عدم تفضيلها تقديم ملف ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا عضوين في المحكمة الجنائية الدولية. 

يُمكن تفسير إصرار السلطة الفلسطينية على محاسبة إسرائيل دوليا في مقتل شيرين أبو عاقلة، برغبة الفلسطينيين في توثيق مزيد من الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، إضافة إلى احتمال استخدام السلطة الفلسطينية ملف شيرين أبو عاقلة ورقة ضغط أخرى على إسرائيل عند الحاجة، لتذكيرها بضرورة الاعتراف بحل الدولتين، وإيقاف مشاريعها الاستيطانية بالضفة الغربية.

اتضحت مساومة السلطة الفلسطينية لإسرائيل في ملفات الجنائية الدولية، خلال الاجتماعات السابقة لبعض المسؤولين الإسرائيليين مع الرئيس محمود عباس، لإقناعه بسحب شكاوى أخرى ضد إسرائيل مقدمة للمحكمة الجنائية، ولكن عباس رفض ذلك، واشترط على الإسرائيليين القيام أولاً بإجراءات لبناء الثقة، خاصة مع رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التفاوض مع الفلسطينيين بشأن قضايا الحل النهائي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. 

يمكن القول، إن استراتيجية السلطة الفلسطينية للضغط على إسرائيل عبر المحكمة الجنائية الدولية للحصول على مكاسب حقوقية للشعب الفلسطيني، لن تنجح  بشكل فعال، لأن القادة الإسرائيليين لا يكترثون بنتائج التحقيقات الدولية ولا يعترفون أصلاً بصلاحية المحكمة  الجنائية لمقاضاتهم، وذلك تحت ذريعة أن السلطة الفلسطينية ليست دولة، ولا يمكن أن تقاضيهم قانونيا، وقد سبق وأن هاجم القادة الإسرائيليون في عام 2019، المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية باتو بانسودا بعد أن أكدت أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، داعيةً قضاة المحكمة لفتح ملف تحقيق رسمي مع القادة الإسرائيليين. 

لذا هناك احتمال كبير بأن تفشل محاولات السلطة الفلسطينية للضغط على إسرائيل عبر استخدام ملف المحكمة الجنائية الدولية لأنه بكل بساطة، لاتزال القيادة الإسرائيلية لا تعترف بالسلطة الفلسطينية كشريك للسلام، ولذلك لا تريد العودة إلى مفاوضات الحل النهائي، وترسيم الحدود النهائية للدولة الإسرائيلية. 

وأخيرا، يمكن القول؛ على الرغم من أن شيرين أبو عاقلة صحفية شهيرة، تأسَفَ على رحيلها  قادة عرب ومسؤولون غربيون، و رغم صدمة معظم أفراد الشعب الفلسطيني لمقتلها، ورغم أنها تحمل الجنسية الأمريكية، إلا أن كل ذلك لم يجعل إسرائيل تشعر بالحرج، بل على العكس، حاولت الحكومة الإسرائيلية التهرب بكل هدوء من المساءلة الدولية عبر تصريح مقتضب من وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس، الذي أعرب عن أسفه لمقتل مراسلة قناة الجزيرة  قائلا: "تعازينا لعائلة شيرين أبو عاقلة ..، للأسف ليس ممكنًا تحديد من أطلق النار والتحقيق سيبقى جاريًا."

ونحن نقول، للأسف، سيبقى الجاني حرا طليقا، مقتنعا بإمكانية إفلاته من العقاب. كما حدث عند مقتل صحفيين آخرين قبل حادثة مقتل شيرين أبو عاقلة وبعدها. 

رهام عودة، كاتبة ومحللة سياسية فلسطينية مقيمة بقطاع غزة، يمكنكم متابعتها عبر حسابها على تويتر  @RehamOwda

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.