باتت تونس رهينة المهمة التي أخذها الرئيس قيس سعيد على عاتقه لإحكام قبضته على السلطة وتدمير جميع المؤسسات والإنجازات الديمقراطية التي حققتها ثورة 2011. وليست حقوق النساء بمنأى عن ذلك. فقد شهدت تونس، في الأعوام الأخيرة، انتكاسة غير مسبوقة في تقدّم النساء وحريتهن.
كان لتونس قانونٌ يُعَدّ من الأكثر تقدمية في العالم في مجال مشاركة النساء في السياسة على قدم من المساواة، فقد فرض قانون انتخابي أُقرّ في عام 2011 المناصفة الجندرية في القوائم الانتخابية. وعكسَ هذا القانون، الذي جاء ثمرة النضال الذي خاضته الحركة النسوية، التزام الدولة بتحقيق المساواة الجندرية والتحول الاجتماعي من خلال تمثيل مصالح النساء على قدم من المساواة.
ولكن بعد إقرار دستور 2022 الحافل بالشوائب وما أعقبه من إلغاء المناصفة الجندرية في القانون الانتخابي الجديد الذي صدر قبل الانتخابات النيابية الأخيرة – وكلاهما أشرف عليهما سعيد – جاءت الأرقام صادمة، مع بلوغ نسبة تمثيل النساء في البرلمان الجديد 16 في المئة، بعدما كانت 31 في المئة في عام 2014. وهذا يعني أن نسبة النساء اللواتي تتسنّى لهن فرصة التأثير في أجندة السياسات التشريعية تدنّت إلى النصف.
تاريخيًا، تبنّت تونس نسوية الدولة. فقد لعب جميع الرؤساء السابقين، على الرغم من عيوبهم الكثيرة، ورقة "النساء" وساهموا في تطوير أوضاعهن. ولكن ابتعاد سعيد عن هذا النموذج ليس بالأمر المفاجئ. فقد شنّ حملته الانتخابية استنادًا إلى برنامج محافظ، معلنًا بوضوح أنه لن يُقدم على تعديل قانون الميراث التونسي الذي يمنح المرأة نصف ما يحق لإخوتها الذكور الحصول عليه، على الرغم من مساهمات النساء المدفوعة وغير المدفوعة الأجر في الأسرة والدولة. وبغية الاستمرار في استقطاب التأييد في صفوف القاعدة المحافظة، أدلى الرئيس سعيد، لمناسبة اليوم الوطني للمرأة في عام 2020، بتصريح استفزازي اعتبر فيه أن القرآن حسم مسألة عدم المساواة في الميراث. جاء هذا الموقف السياسي في توقيت سيئ وبدّد أي آمال متبقّية بالحوار بين حكومته والحركة النسوية.
يؤكّد كل ما تقدّم أن تعيين نجلاء بودن رئيسةً للحكومة التونسية، لتكون بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب في تونس والعالم العربي، هو مجرد واجهة صورية وخطوة محض رمزية. وقد أظهرت بودن أن ولاءها لنظام سعيد الأبوي يتفوّق على مناصرتها لحقوق النساء. فقد أقدمت، بعيد تعيينها، على إلغاء المنشور رقم 20، وهو عبارة عن سياسة إدارية عامة كانت تضمن المناصفة الجندرية في تعيينات كبار المسؤولين الحكوميين.
علاوةً على ذلك، أدّى امتناع بودن عن استخدام الموارد الحكومية لتنفيذ القانون 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد النساء، إلى ارتفاع في أعداد النساء اللواتي يقعن ضحية العنف الأسري، بما يشمل زيادة في حالات قتل النساء المبلّغ عنها. يشكّل هذا الإلغاء المنهجي لحقوق النساء استمرارًا لعنف الدولة وكرهها للنساء وانعكاسًا له.
وقد منحت حكومة سعيد، من خلال تخلّيها عن مسؤوليتها في حماية النساء، ضوءًا أخضر للعنف داخل الفضاءات الخاصة. فضلًا عن ذلك، يُثبت سعيد أنه مستبد عنصري. فقد أعطى، في خطاب الكراهية الذي ألقاه مؤخرًا ووجّه فيه سهامه إلى المهاجرين السود غير النظاميين، شيكًا على بياض للقيام بأعمال عنف وممارسات تنمّ عن كره الآخر. وهكذا باتت أوضاع المهاجرين السود، لا سيما النساء منهم، شديدة الهشاشة، فقد طُرِدوا بأعداد كبيرة من أعمالهم ومنازلهم، وتعرّضوا للضرب.
فيما نشهد على التخلّي عن وعود الثورة بـ"الحرية والكرامة والعدالة"، يجب أن نضع نصب أعيننا أنه لا وجود للديمقراطية من دون حقوق النساء، ولا وجود لحقوق النساء من دون الديمقراطية. لا خيار أمام المجتمع المدني التونسي سوى مقاومة هذه الديكتاتورية العنصرية والكارهة للنساء.
لقد حان الوقت كي يقف المجتمع الدولي في الجانب الصحيح من التاريخ. لم ينسَ التونسيون بعد تواطؤ الغرب مع نظام بن علي. يجب ألا يكرر المجتمع الدولي الخطأ نفسه بتغاضيه عن انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداءات على الديمقراطية سعيًا وراء أوهام النمو الاقتصادي، وضبط الهجرة، والاستقرار الجيوسياسي.
أما المجتمع المدني التونسي فقد آن الأوان لرصّ صفوفه في إطار من التنوع، والعمل معًا بروح التضامن، والتنظّم والتعبئة استعدادًا للانتخابات المبكرة. يجب إلحاق الهزيمة بسعيد بطريقة سلمية وديمقراطية.
إكرام بن سعيد ناشطة نسوية تونسية. مؤسِّسة "أصوات نساء"، وهي منظمة تركّز على مشاركة النساء في السياسة، والسياسة العامة المراعية للمنظور الجندري.