قسمت اتفاقية أوسلو الثانية الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام إدارية: المناطق أ ، ب ، ج. أعطيت هذه المناطق مراتب مختلفة، وفقًا لدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي الذي سيحظى به الفلسطينيون من خلال السلطة الفلسطينية حتى يتم التوصل إلى اتفاق الوضع النهائي. تدار المنطقة أ بشكل حصري من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما تدار المنطقة ب من قبل كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل. غير أن المنطقة ج، التي تضم عددًا كبيرًا من المستوطنات الإسرائيلية، تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة والحصرية.
تم تصنيف نحو 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية - التي يقطنها ما يقدر بـ 300 ألف فلسطيني وتشمل احتياطيات الأراضي السكنية والتنموية الرئيسة للضفة الغربية بأكملها - على أنها منطقة ج. تحظر إسرائيل البناء والتطوير الفلسطيني في منطقة ج ، وتقدم مبررات مختلفة لذلك، بما في ذلك الادعاء بأن هذه المناطق هي "أراضي دولة" و "مناطق إطلاق نار".
إحدى هذه المجمعات التي تم تصنيفها على أنها تنتمي إلى منطقة ج هي مسافر يطّا، وهي منطقة تقع في تلال جنوب الخليل تمتد على ما يقرب من 35000 دونم من الأرض. تعيش المجتمعات الزراعية في مسافر يطا منذ أجيال، واليوم، المنطقة هي موطن لاثنتي عشر قرية فلسطينية صغيره ويبلغ عدد سكانها نحو 2800 نسمة.
في الثمانينيات، حددت السلطات الإسرائيلية جزءًا من مسافر يطا باسم "منطقة إطلاق النار 918"، والتي تُعرّف على أنها منطقة عسكرية مغلقة. منذ ذلك الحين، تعرضت المجتمعات في مسافر يطا لعدة موجات من عمليات الهدم والإخلاء. ولمواجهة هذا الظلم، تقدم سكان مسافر يطا، ممثلين بمنظمات حقوقية، في عام 999 ، إلى المحاكم الإسرائيلية من أجل إلغاء تصنيف قراهم بوصفها منطقة إطلاق نار.
ومع ذلك، وبعد أكثر من عقدين من التقاضي، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في أيار\ مايو 2022 بأن الدولة لديها السلطة لتصنيف مسافر يطا منطقة إطلاق نار ، وأن أفراد هذه المجتمعات ليسوا مقيمين دائمين. عرّض هذا القرار فعليًا سكان مسافر يطّا لخطر وشيك يتمثل في الإخلاء القسري، والتهجير التعسفي والترحيل القسري.
منذ صدور هذا الحكم، كثفت السلطات الإسرائيلية عمليات الهدم وأجرت عدة تدريبات عسكرية وفرضت قيودًا أكثر صرامة على الحركة في مسافر يطا.
مدرسة تواجه التهديدات
واحدة من آخر عمليات الهدم تصدرت العناوين العالمية وحظيت باهتمام دبلوماسي دولي كبير. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 هدمت قوات الجيش الإسرائيلي مدرسة ابتدائية في قرية إصفى الفوقا. خدمت هذه المدرسة الممولة من قبل جهات مانحة دولية 22 طفلاً من ثلاث قرى محيطة وتم بناؤها كمشروع إنساني لمواجهة التحديات طويلة الأمد المتعلقة بإمكانية الوصول إلى التعليم في المنطقة. قبل بناء المدرسة، اضطر طلاب مسافر يطّا إلى السفر لمسافات أطول للوصول إلى المدرسة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التسرب، خاصة بين الفتيات. لا شك أن تدمير المدرسة سيكون له عواقب وخيمة على الطلاب والعائلات الذين استفادوا من إنشائها.
التعليم كمقاومة
بيسان مخامرة طالبة في المرحلة الثانوية تبلغ من العمر 18 عامًا من قرية أصفى الفوقا - داخل منطقة إطلاق النار. منزلها بالقرب من المدرسة المدمرة. على الرغم من التحاق بيسان بالمدرسة الثانوية في قرية أخرى، إلا أنها قالت إن المدرسة في قريتها كانت تعني لها الكثير، وتذكرت أنها "شعرت أن التعليم قد تم طمسه. .. راح التعليم. " وأضافت: "الجميع فقد الشهية للدراسة. كل أولئك الذين يدرسون، والذين لم يدرسوا، شعروا أنه مع هدم المدرسة وتدميرها، اختفت بهجة المكان الذي نعيش فيه".
تقع مدرسة بيسان على بعد ستة كيلومترات من بيتها، في قرية الفخيث، داخل منطقة إطلاق النار أيضا. خلال تبادل الحديث معها في مدرستها، ذكرت بيسان أن هذه المدرسة يمكن أن تهدم في أي يوم أيضًا. على الرغم من حقيقة أن مدرسة بيسان ومنزلها يقعان في منطقة إطلاق النار، إلى جانب خطر الطرد الوشيك الذي تواجهه هي وعائلتها، تدرس بيسان بجد لامتحانات الثانوية العامة النهائية من أجل متابعة تعليمها العالي في اللغة الإنجليزية و التمريض في جامعة بيرزيت.
وفقًا لتقرير اليونيسف حول التعليم في فلسطين لعام 2022، فإن 94 في المئة من الشابات الفلسطينيات متعلمات - إنجاز رائع بالنظر إلى الضغوط اليومية للاحتلال التي تواجه المدارس والعائلات. الاستماع إلى شابات مثل بيسان يجعل هذه الإحصائية المشجعة تنبض بالحياة ويظهر تصميم الشباب الفلسطيني، وخاصة الشابات، على تحقيق أحلامهم. قالت بيسان عندما سألتها عن احتمال هدم مدرستها: "أخشى أن يهدموا المدرسة يومًا ما ، ولكن حتى لو تم هدمها ، فأنا على يقين من أننا سنقيم الخيام وندرس بطريقة ما".
لمعرفة المزيد عن قصة بيسان والوضع في مسافر يطّا، شاهد هذا الفيلم.
غصون بشارات، منتجة ومخرجة مشاريع وثائقية وخبيرة في الاتصالات الاستراتيجية والتعاون الدولي. لديها أكثر من 20 عامًا من الخبرة في العمل مع محطات إخبارية عالمية والاتحاد الأوروبي.
تصوير وتوليف: توماس دلال
موسيقى: غسان بيرومي