المصدر: Getty
مقال

إخفاقات السعودية في المشرق واتفاق بكين

الإنجاز الأكبر الذي حققته الرياض من اتفاق بكين مع إيران هو تخفيف أعبائها في الصراعات العسكرية وتأمين سياسة مستقلة عن واشنطن.

 عباس عاصي
نشرت في ٢٥ أبريل ٢٠٢٣

لم يكن اتفاق بكين بين السعودية وإيران فقط نتاج مفاوضات شاقة استطاعت من خلالها الصين أن تصل بالاتفاق الى خواتيمه. لا شك أن للمفاوضات دورا مهما، ولكن العامل الأساس الذي أسهم في الدفع في اتجاه توقيع الاتفاق هو معادلات القوة في المنطقة التي دفعت بالسعودية الى الاتفاق مع طهران وإعادة فتح السفارات بين البلدين. بالإضافة الى دور الحرب على اليمن والتركيز على السياسات التنموية الداخلية، تراجع نفوذ السعودية في المشرق العربي دفعها أيضا الى توقيع الاتفاق.

لم يكن الاتفاق ليحصل لولا استنفاذ السعودية كل السبل الممكنة لتقويض دور إيران في المنطقة، إما عبر استهداف حلفائها أو عبر استهدافها من الداخل كما عبّر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إحدى مقابلاته.

خلال العقد الأخير، حاولت السعودية تقليص نفوذ طهران في المنطقة خصوصا في دول مثل لبنان وسوريا والعراق. استطاع الهلال الخصيب أن يقف بوجه النفوذ السعودي وتحجيمه. دعمت الرياض الحركات المسلحة في سوريا بغية إسقاط النظام، ولكن عادت وتراجعت عن هذا الدعم لعدة أسباب، منها أن تكاليفه باهظة خصوصا بعد أن شنت الحرب على اليمن، إضافة إلى تكاليفها المادية، هناك المعنوية وتعثر سياساتها التنموية الداخلية، والتشرذم الذي أصاب العائلة الحاكمة بعد حصول محمد بن سلمان على ولاية العهد والتي يسعى من خلالها إلى تأمين بيئة مؤاتيه لاستلام الحكم بعد وفاة والده. وبالتالي فإن تخفيف الصراعات الخارجية وتكاليفها سوف يساعده في التركيز على الشأن الداخلي.

في العراق، حاولت السعودية الاستفادة من احتلال تنظيم الدولة الإسلامية لمناطق في شمالي البلاد عام 2014 من أجل توسيع نفوذها وتقويض حكم حلفاء إيران، مثل حزب الدعوة، لكنها فشلت. ساعد تدخل إيران السريع ودعمها الحشد العشبي بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية للموصل بتعزيز نفوذ الأخيرة وفشل المشروع السعودي في بلاد الرافدين. وحاولت السعودية أيضا بناء تحالف سياسي مع الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، الذي يملك أكبر كتلة برلمانية ولكنها فشلت وبقيت إيران الطرف الخارجي الأقوى. لم يستطع مقتدى الصدر، الذي أصبح أقرب للسعودية منه لإيران، أن يغير موازين القوة لصالحه على الرغم من تهديده بالاستقالة وبالعصيان المدني للدفع بتشكيل حكومة يكون له فيها الحصة الأكبر.

في لبنان، حاولت الرياض تغيير موازين القوة لصالح حلفائها فاختطفت رئيس الوزراء، سعد الحريري، عام 2017 وأرغمته على الاستقالة بغية الضغط على الرئيس مشال عون وحزب الله من أجل تقديم تنازلات ومن ثم طلبت اعتزاله العمل السياسي، فلم يترشح في الانتخابات النيابية التي أجريت العام الماضي. فقد أصبحت الطائفة السنية من دون قيادة موحدة بعد اعتزال الحريري مما شتتها وأضعف من قدرتها على تحقيق مصالحها. ومن باب الضغط على حزب الله وضعت فيتو على ترشيح حليفه لرئاسة الجمهورية، سليمان فرنجية، خصوصا وأن الحزب كان مصدر صداع لها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وحليف وثيق لطهران.

بالمقارنة بين كيفية تعامل السعودية وإيران مع حلفائهما يظهر من خلال دراسة واقعهما السياسي أن السعودية لديها تاريخ من التخلي عن حلفائها مثل سعد الحريري في لبنان، والجماعات المسلحة في سوريا، أما بالنسبة لإيران، فهي لم تتخل عن حلفائها وسعت الى تعزيز حضورهم مع كل منعطف سياسي وعسكري. لذلك فان علاقات الرياض مع حلفائها المحليين سوف تشهد تغيرا ملموسا في المدى القصير، وتبدلا في الأولويات، ومن هنا أعلن أحد قيادات حزب القوات اللبنانية، شارل جبور، حليف السعودية، بعد توقيع اتفاق بكين بأن حزبه لن يؤمن النصاب البرلماني لانتخاب سليمان فرنجية تحت أي ظرف، وذلك استباقا لأي تسوية قد توصل الأخير الى الرئاسة على حسابهم.

لا شك أن الاتفاق عزز موقع إيران في المنطقة لأنه سوف يخفف من الصراعات وتكاليفها عليها خصوصا في سوريا ولبنان والعراق التي تشهد صراعات عسكرية واضطرابات بين الفينة والأخرى. والإنجاز الأكبر للرياض سيكون في المدى البعيد لهذا الاتفاق، لأنه سوف يخفف أعباء الصراعات العسكرية التي كانت السعودية تدخل طرفا فيها. كما يؤمن الاتفاق لها سياسة مستقلة إلى حد ما عن واشنطن. لقد أعادت السعودية دراسة حساباتها فوجدت أن التسوية مع إيران أقل تكلفة من مواجهتها.

عباس عاصي، حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة ليدز. عمل سابقا في مركز دراسات الوحدة العربية والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية. لمتابعته على تويتر: @DrAbasAssi