يرجع الاهتمام الرسمي بالرياضة بالأساس لاعتبارات اقتصادية آنية وكذلك طويلة المدى. ينشط هذا الاهتمام في ضوء رؤية مصر ٢٠٣٠ الاستراتيجية الهادفة للبحث عن موارد بديلة لتمويل الخزانة المصرية عوضا عن مصادر الدخل القومي التقليدية المتراجعة التأثير، حيث تعول هذه الرؤية على الرياضة كمحور أساسي ومستدام لتمويل الخزانة المصرية. تُسرع الأزمة الاقتصادية الراهنة من وتيرة الاتجاه للرياضة في سبيل توفير النقد الأجنبي الذي يوفره سوق الرياضة العالمي بطبيعته والأخذ في النمو والازدهار.
ومن ثم؛ تعمل السياسة الحكومية الراهنة على محاولة جذب الاستثمار الأجنبي للسوق الرياضي المصري في قطاعاته المختلفة بما يُشجع فئات أخرى من الاستثمار للإقدام على خطوات مماثلة. ترى هذه السياسة الحكومية فرص يوفرها التكوين الديمغرافي الشبابي الكبير في مصر، والذي يعني بالتبعية سوق مواهب محتملة كبير تُصبح فيه كل موهبة مشروع استثماري بحد ذاته، تُنسج حوله العديد من فرص العمل الخادمة عليها، والعديد من العقود الاستثمارية والاقتصادية والوكلاء المحليين.
تبني هذه الاستراتيجية على العدد الكبير للمنشآت الرياضية الحكومية والتي طٌرحت وفق عقود انتفاع للمستثمرين، لتوفر عائد إجمالي قارب الـ 6 مليارات جنيه مصري ما كان مشجعا للاستمرار في هذا التوجه. إلا أن الديناميكيات الداخلية تلعب دورا كذلك في تشجيع صناع القرار لدعم الرياضة، حيث تُطالب قطاعات من الغرف التجارية والهيئات الصناعية المصرية لمستلزمات وخدمات الرياضة المختلفة، صناع القرار بتوفير الدعم وتسهيل فرص الاستثمار والنمو في السوق المحلي الكبير، والاستفادة من الدعم الدبلوماسي للنفاذ للأسواق الإفريقية البكر لخلق طلب بها.
تتداخل مع هذه المحددات التطورات الإقليمية من تصاعد الاهتمام بمنظومة الرياضة في دول الخليج العربي، والتي تدفع لمحاولة مواكبة هذا الاتجاه، والتعلم من تجربة كأس العالم ٢٠٢٢ لتكرارها في مصر، وهو ما يتواكب مع تحسن العلاقات بين مصر وقطر والتي يُعد تبادل خبرات المجال الرياضي أحد صورها. لا تنفصل هذه المحددات عن واقع التوترات بين مصر وبعض بلدان الخليج على خلفية المساعدات الاقتصادية المباشرة للجانب المصري بمشروطية محدودة، والتي لم تعد ممكنة في الوقت الراهن.
يدفع ذلك صناع القرار في مصر للبحث عن مجالات أكثر استدامة للتعاون والشراكة على قدم المساواة مع الخليج، تُقدم فيها الرياضة فرصة لاختبار نمط مختلف من التعاون الاقتصادي يقوم على التبادل المتكافئ، مع البحث الجاد عن مزايا تنافسية إقليميا تُشجع على هذه الشراكات. تقوم هذه الميزة التنافسية على مزج الرياضة بقطاعات اقتصادية أخرى واعدة، والتي يُخشى عليها التباطؤ في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة مثل؛ قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والهادف للاستثمار في مجال الألعاب الإلكترونية وتشجيع الكليات التكنولوجية على الابتكار فيه، وكذلك مجال صناعة الدواء والطب الرياضي، والإنشاء العقاري للأندية والمنشآت الرياضية الراكد بالفعل حاليا في مصر.
تستهدف هذه الميزة التنافسية تحويل مصر إلى مركز رياضي رئيسي في إفريقيا والشرق الأوسط على صعيد الخبرة الفنية، والاستثمارات الرياضية، والابتكار فيها، وكذلك صناعة القرار في الحقل الرياضي. لذلك؛ يعمل المستثمرون المحليون، والهيئات الاقتصادية القريبة من الدولة على ابتكار نماذج من الاستثمار الرياضي وأنماط ملكية الأندية وتطبيقها في الداخل المصري استعدادا لتصديرها للبلدان الإفريقية. تستفيد مصر في هذا من الأطر المؤسسية الإقليمية والدولية مثل أهداف الأمم المتحدة المتقاطعة مع بعض أهداف أجندة الاتحاد الإفريقي "أفريقيا ٢٠٦٣" الخاصة بالرياضة، والتي ترمي للتوسع في احتضان القارة الإفريقية للأحداث الرياضية الكبرى ودمج الشباب عبر الرياضة.
تطمح مصر للاستئثار بنصيب الأسد في تنفيذ هذه الأهداف من خلال تعزيز التعاون الرياضي مع البلدان الإفريقية، سواء لتنفيذ البنية التحتية الرياضية بهذه البلدان أو توريد الصناعات والخدمات ذات الصلة لها. كما ترمي الأجندة الرسمية لتحويل مصر لرأس حربة يُعتمد عليه دوليا في مجالات مثل مكافحة المنشطات في أفريقيا. من شأن هذا التعاون تحسين العلاقات المصرية الإفريقية للحصول على التأييد الإفريقي اللازم لمصر، بعد سنوات من التوتر مع الاتحاد الإفريقي على خلفية التطورات السياسية التي شهدتها مصر خلال العقد الماضي.
وبشكل غير منفصل عن الدبلوماسية؛ يخوض صناع القرار في مصر مفاوضات ممتدة مع مختلف المنظمات الدولية الرياضية والاتحادات الرياضية المختلفة، وبرامج منظمات الصحة والسكان في قطاع الرياضة لاختيار القاهرة مقرا لمكاتبها الإقليمية، وهو ما يعود لخدمة فرص الاستثمار والتعاون مع الدولة المصرية حيث تتواجد مراكز صناعة القرار الرياضي، ويٌعزز المكانة والشرعية الإقليمية والدولية لمصر.
يبقى الأثر السياسي الداخلي المقصود، هو توفير فرص عمل لقطاعات واسعة من المواطنين من خلال الاستثمارين المحلي والأجنبي الرياضي، وهو ما يُسهم في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكثير من المواطنين المرتبطين بماكينة الرياضة بشكل فردي وذاتي، بفضل عوائدها المالية المرتفعة في دورات أسرع وأقصر من قطاعات أخرى كالتعليم والمسارات المهنية العادية التي تتطلب دورات زمنية أطول، غير مضمونة المردود، وبإنفاق ومسؤولية سياسية أكبر من الدولة، لم تعد الأخيرة راغبة في تحملها بعد الآن. يجعل هذا الربط بشبكات المصالح والمال الرياضية النيوليبرالية؛ المواطنين أصحاب مصلحة مباشرة ورئيسة في استقرار الأوضاع الداخلية سياسيا واجتماعيا على المدى الطويل في سبيل استدامة ضخ هذه الأموال في ماكينة الاقتصاد المصري.
نوران سيد أحمد، باحثة وكاتبة من مصر، مهتمة بسياسات الرياضة والقانون والدين في مصر.