منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنت إسرائيل هجوماً وحشياً غير مسبوق على قطاع غزة. لقد صرحت الحكومة الإسرائيلية بأن هدفها هو القضاء على حماس، ويبدو أنها تستعد حاليا لغزو غزة بريا. ولكن من الواضح على نحو متزايد أن الحرب تسعى إلى تحقيق هدف ثانٍ: الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة. فقد دعا سياسيون إسرائيليون ومسؤولون من مؤسسة الدفاع الإسرائيلية إلى تنفيذ نكبة ثانية وحثوا الجيش على تسوية غزة بالأرض. يقترح البعض أن على الفلسطينيين الفرار من غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر والبحث عن ملجأ في شبه جزيرة سيناء، بمن فيهم العميد السابق أمير أفيفي والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة داني أيالون.
يصر أفيفي وأيالون على أن إجلاء الفلسطينيين من غزة هو مجرد إجراء إنساني، لحماية المدنيين بينما تقوم إسرائيل بعملياتها العسكرية. لكن تقارير أخرى تشير إلى أنه سيتم إعادة توطين الفلسطينيين بشكل دائم خارج غزة، في عملية تطهير عرقي. في 17 أكتوبر/تشرين الأول، نشر معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، وهو مركز أبحاث إسرائيلي أسسه ويرأسه مسؤولون سابقون في مجال الدفاع والأمن، نشر ورقة بحثية تحث الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة من "الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله" وإعادة توطين الفلسطينيين في القاهرة بمساعدة الحكومة المصرية. وبشكل منفصل، أوصت وثيقة مسربة من وزارة المخابرات الإسرائيلية بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسراً في شمالي سيناء وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم.
هذه المقترحات ليست سوى الأحدث في تاريخ طويل من الخطط الإسرائيلية لإخلاء غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء. فبعد حرب الأيام الستة، شن الجيش الإسرائيلي حملة قاتلة ضد حركات المقاومة الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في غزة؛ وتم نقل 16 ألف فلسطيني ممن دَمرت إسرائيل منازلهم إلى العريش التي تحتلها إسرائيل، في حين تم نقل 12 ألف من أقارب الفدائيين الفلسطينيين إلى مخيمات جديدة في الصحراء. وفي الآونة الأخيرة، قبل فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة في عام 2005، اقترح رئيس الأمن القومي الإسرائيلي أن تقبل مصر نسبة كبيرة من سكان غزة مقابل الحصول على أراض في جنوب إسرائيل، وهو ما رفضه الرئيس المصري حسني مبارك.
ولكن هذه المرة، يبدو أن الولايات المتحدة تعمل على حشد الدعم السياسي والمالي لخطط التحويل الإسرائيلية. وفي 11 تشرين الأول/أكتوبر، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة تعمل مع مصر وإسرائيل لإنشاء "ممر إنساني" في سيناء للمدنيين الفلسطينيين الفارين من غزة. ثم في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أرسل البيت الأبيض إلى الكونجرس طلبًا رسميًا للتمويل "لتلبية الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة". وقد صرح الرئيس جو بايدن منذ ذلك الحين بأنه يدرك أهمية منع تهجير الفلسطينيين. ولكن كما أشار أحد المحللين، كان طلب التمويل بمثابة إشارة واضحة إلى أن إدارة بايدن كانت تعطي إسرائيل “الضوء الأخضر” لتنفيذ التطهير العرقي.
بالتالي، تحمل خطط الترحيل الجماعي اليوم تشابهًا تاريخيًا أقرب إلى نكبة عام 1948 وتداعياتها. فبعد فرار 200 ألف لاجئ فلسطيني من فلسطين التاريخية إلى غزة بحلول مارس/آذار 1949، دفعت الولايات المتحدة باتجاه اقتراح للأمم المتحدة لإعادة توطين عشرات الآلاف في صحراء سيناء. بقيادة جون ب. بلاندفورد، وهو صانع سياسات أمريكي مخضرم، وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المنشأة حديثًا قد أجرت مسوحات في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي لاستكشاف مخططات استصلاح الصحراء في سيناء، شرق قناة السويس مباشرة، حيث أعيد توطين الفلسطينيين. وكانت الخطة أن يشارك اللاجئون في مشاريع التنمية الزراعية الجديدة و"يُعاد إدماجهم" في الاقتصاد المصري. بالنسبة لبلاندفورد، ستوفر هذه الخطة طريقًا مختصرًا لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: بمجرد أن يصبحوا آمنين اقتصاديًا، كما كان يعتقد، لن يرغب الفلسطينيون في العودة إلى وطنهم الأم. وخصصت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من التمويل للمشروع، والذي قدر بنحو 30 مليون دولار في عام 1955.
حينذاك، في تصريحات علنية في الأمم المتحدة، رفضت مصر والحكومات العربية الأخرى جميع "مخططات توطين اللاجئين العرب التي تنطوي على استصلاح الصحاري"، وأصرت على أن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين "يجب أن يتم البحث عنه في فلسطين، وليس في أي مكان آخر." لكن وراء الكواليس، عملت حكومة جمال عبد الناصر بشكل وثيق مع الأونروا لدفع خطة إعادة التوطين في سيناء، والتي رأوا أنها تصب في مصلحتهم الوطنية: مشروع تنمية زراعية واسع النطاق، مدعوم برأس مال أجنبي، من شأنه أن يفيد الاقتصاد المصري بشكل كبير. في ظل عدم الاستقرار المالي والسياسي.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، قاوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الضغوط الإسرائيلية والأمريكية للسماح للفلسطينيين بالإخلاء عبر معبر رفح إلى سيناء، مؤكدا أن مصر ترفض "تهجير الفلسطينيين قسريًا من أراضيهم". وتخشى مصر أيضًا من أن يصبح مخيم اللاجئين الكبير قاعدة جديدة لعمليات المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي قد يجر مصر إلى مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل. ولكن في مقابل قبول الفلسطينيين من غزة، أفادت التقارير أن الولايات المتحدة عرضت على القاهرة حوافز اقتصادية في وقت تواجه فيه مصر أزمة ديون حادة. من الصعب أن نرى كيف يمكن للسيسي أن يساعد في تهجير الفلسطينيين دون مواجهة ردود فعل سياسية شديدة. ومع ذلك من الصعب أيضًا تجاهل احتمال تخفيف الديون. ومع الحملات الأخيرة لقمع وسائل الإعلام المحلية، فمن الواضح أن الحكومة المصرية، على الأقل، تريد خنق كل أشكال الخطاب الداخلي حول خطط إعادة التوطين.
في عام 1955، انتفض الفلسطينيون في جميع أنحاء غزة، فيما أصبح يعرف باسم انتفاضة مارس، وأجبروا الأونروا والولايات المتحدة ومصر على التخلي عن خطط إعادة التوطين. واليوم، بينما يكافح الفلسطينيون في غزة من أجل البقاء على قيد الحياة، وبينما يغض الزعماء الأميركيون والأوروبيون الطرف عن معاناتهم، فمن غير الواضح ما إذا كان أي نوع من الاحتجاج السياسي قادراً على منع وقوع نكبة ثانية.
جوناثان أدلر هو محرر اللغة الإنجليزية المساعد في صدى وزميل هيرفورد في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. نُشرت كتاباته في مجلة نيو لاينز، +972، ومجلة ميدل إيست آي، وغيرها. لمتابعته على "أكس" JRAdler4@.