طوال تاريخها الممتد منذ 74 عاما، لم تواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فترة أكثر صعوبة من الأشهر الأربعة الماضية. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، عانت الوكالة من اعتداء متواصل على عملياتها وموظفيها ووجودها ذاته في قطاع غزة. فقد تم تسجيل 170 غارة جوية إسرائيلية على منشآت الأونروا، بما في ذلك المدارس ومراكز التدريب والملاجئ، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني نازح إليها مؤقتا، وحيث قُتل ما لا يقل عن 396 شخصًا وأصيب 1,379 . منع الوزراء الإسرائيليون وصول مساعدات الأونروا، واستهدفت إسرائيل مرارا وتكرارا قوافل المساعدات التابعة للوكالة داخل القطاع. على الرغم من الحماية التي ينبغي أن تتوفر لهم بموجب القانون الإنساني الدولي، فقد قُتل أكثر من 150 من موظفي الأونروا في غزة، وهُجر هُ 70 في المئة من الموظفين المحليين البالغ عددهم 13,000 موظف.
أعقبت هذه الهجمات الجسدية والمادية المباشرة هجماتٌ تشهيرية، والتي قد تكون في نهاية الأمر أكثر فتكا. في 26 يناير/كانون الثاني، أعلنت الأمم المتحدة مزاعم إسرائيل بأن اثني عشر موظفاً في الأونروا شاركوا في هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وعلى الفور قامت الوكالة بطرد الموظفين التسعة الذين ما زالوا على قيد الحياة (في انتهاك لسياسات الأمم المتحدة الخاصة) وفتحت تحقيقا داخليا. ولم تكن هذه الإجراءات كافية لمنع ست عشر دولة بما في ذلك الولايات المتحدة، أكبر مانح للأونروا، من تعليق التمويل الحالي أو الإضافي. ومع ذلك، وفقا لتحقيق القناة الرابعة البريطانية، فإن الملف المؤلف من ست صفحات والذي قدمته إسرائيل إلى الدول المانحة الرئيسة للأونروا بشأن هذه المزاعم لا يحتوي على أي دليل يدعمها. مؤخرا، أفادت وسائل إعلام بأن بعض الدول أوقفت التبرعات مؤقتًا دون الرجوع إلى الملف، واعتمدت فقط على المعلومات المتاحة للجمهور. كما أن إسرائيل، حسبما أكد المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، لم تقدم للأونروا نفسها أي دليل.
الجدير بالذكر أن يوم 26 يناير/كانون الثاني كان أيضاً اليوم الذي قضت فيه محكمة العدل الدولية بأن السلوك العسكري الإسرائيلي في غزة يُعد إبادة جماعية. أشار مدير الأونروا السابق، ليكس تاكنبرج، إلى أن توقيت ادعاءات إسرائيل كان "محاولة متعمدة لتقويض الحكم"، ومعاقبة الأونروا على دورها في إصدار البيانات والتقارير التي أكدت النتائج التي توصلت إليها محكمة العدل الدولية. منذ ذلك الحين، زعمت إسرائيل أن ثلاثين شخصا آخرين من موظفي الأونروا شاركوا في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن الجيش الإسرائيلي عثر على شبكة من الأنفاق تمتد تحت مقر الوكالة في غزة. رد لازاريني على هذه الاتهامات الأخيرة بالإشارة إلى أن الموظفين غادروا المقر في 12 أكتوبر، وأن الوكالة ليست لديها القدرة على مراقبة الأنشطة تحت الأرض.
على المدى القصير، سيحدث تخفيض التمويل للأونروا أثراً إنسانياً مدمراً في غزة. في حين عينت الأمم المتحدة وزيرة خارجية فرنسية سابقة لقيادة تحقيق مستقل في مزاعم إسرائيل؛ فقد تستأنف الدول المانحة مساعداتها بعد صدور تقرير مؤقت في مارس/آذار. ولكن بحلول ذلك الوقت، قد يكون الأوان فات، فمن المرجح أن تضطر الأونروا إلى تعليق عملياتها بنهاية فبراير/شباط، ليس فقط في غزة، بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي غزة، وكما أشار تاكنبرج، فإن الأونروا "لا غنى عنها" باعتبارها الوكالة الوحيدة في القطاع التي تمتلك البنية التحتية والموظفين لمساعدة السكان بأكملهم الذين هم على حافة المجاعة. وبهذا المعنى، وكما أشار كثير من المحللين، فإن تعليق المانحين للمساعدات يشكل عقابًا جماعيًا لملايين اللاجئين الفلسطينيين. ونظراً لأمر محكمة العدل الدولية بأن تسمح إسرائيل بتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة في غزة، وهو ما لا يمكن القيام به إلا بالتعاون مع الأونروا، فقد تجد الدول المانحة نفسها في انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية.
علاوة على ذلك، على المدى الطويل، قد يؤدي الهجوم الإسرائيلي على الأونروا إلى عواقب وخيمة على الحكم في غزة في سيناريو "اليوم التالي". فمن خلال برامج التعليم والتدريب المهني، ومراكز الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، وخطط تحسين البنية التحتية، وقدرات الاستجابة لحالات الطوارئ، تدير الأونروا ما أطلق عليه البعض "شبه حكومة" في جميع أنحاء مناطق عملياتها. وفي غزة وحدها، كانت الوكالة تدير 183 مدرسة قبل الحرب، تخدم نحو 300 ألف طفل فلسطيني، وكان المدير المحلي للأونروا يُعرف باسم "محافظ" غزة. تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الأونروا وتحافظ على التنسيق الوثيق معها، حيث إن الوكالة تقدم الخدمات الحكومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي كانت إسرائيل نفسها، باعتبارها القوة المحتلة، ستكون مسؤولة عنها لولا ذلك. في الواقع، ظهرت الاتهامات ضد موظفي الأونروا لأول مرة خلال اجتماع شهري روتيني بين لازاريني وأحد كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين، وفي كل عام، تشارك الأونروا إسرائيل قائمةً بجميع موظفيها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولهذا السبب كان بعض القادة العسكريين الإسرائيليين حذرين من جهود حكومتهم لوقف تمويل الأونروا وإغلاقها دون بديل عملي. (من عجيب المفارقات أن أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين ألمح مؤخراً إلى أن الوكالة ساعدت في تسهيل الحرب التي تشنها إسرائيل، لأنه بدونها فإن الكارثة الإنسانية التي ستترتب على ذلك سوف "تجبر إسرائيل على وقف قتالها ضد حماس.")
لكن إلى جانب تقديم الخدمات، تلعب الأونروا دورا سياسيا مهما: فهي وكالة دولية ساهم الفلسطينيون أنفسهم في تشكيلها وتشغيلها منذ إنشائها في عام 1949. في السنوات الأولى للأونروا، أجبر اللاجئون الفلسطينيون الوكالة على التخلي عن خطط إعادة التوطين وإعادة توجيه تمويلها نحو التعليم. وكما تقول المؤرخة آن عرفان، برزت مدارس الأونروا بوصفها مساحات رئيسة لتطوير ونقل القومية الفلسطينية، في حين خدمت المناهج المدرسية وبطاقات التسجيل في الأونروا اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الشتات بوصفها رمزاً لتجربتهم المشتركة. وأكثر من 99 في المئة من موظفي الوكالة هم من السكان المحليين في مناطق عملياتها، ومعظمهم من اللاجئين الفلسطينيين. وبطبيعة الحال، فقد أشارت الأونروا منذ فترة طويلة إلى الالتزام الدولي بحق العودة للفلسطينيين على النحو المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194. وعلى حد تعبير عرفان، ينبغي أن تُفهم الأونروا على أنها "هيئة هجينة، وليست مؤسسة من أعلى إلى أسفل"، وأنها بمثابة الممثل الصريح للاجئين الفلسطينيين على الساحة الدولية.
وبسبب الوظيفة السياسية للأونروا، ليس فقط كهيئة شبه حكومية، ولكن كوكالة شبه فلسطينية، فقد وجدت الوكالة نفسها في مرمى السياسيين الإسرائيليين، يعود ذلك إلى وقت طويل قبل ظهور الادعاءات الأخيرة. الآن تتهم الحكومة الإسرائيلية الأونروا بأنها "منظمة واجهة لحماس"، في إشارة ضمنية إلى ضرورة تفكيكها بالكامل، على الرغم من تحذيرات القادة العسكريين الإسرائيليين. في وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوفد من سفراء الأمم المتحدة إن "مهمة الأونروا يجب أن تنتهي"، في حين أوضح وزير خارجية إسرائيل كاتس نيته أن الأونروا "لن تكون جزءا من اليوم التالي". بشكل ما، فإن نتنياهو وكاتس على حق: أي سيناريو لليوم التالي، ليس فقط فيما يتعلق بالحرب الحالية، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني برمته، سيشهد إنشاء دولة فلسطينية و/أو عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم، وهي قرارات من شأنها أن تنهي مهمة الأونروا. لكن الحكومة الإسرائيلية والجمهور اليهودي الإسرائيلي ربما قد أصبحا أبعد، من أي وقت مضى، عن قبول أي من هذين الشرطين. ما يعنيه نتنياهو وكاتس على الأرجح هو أنهما يعتقدان أن الأونروا لا يمكن أن تستمر في الوجود بوصفها مظهراً من مظاهر الهوية الفلسطينية والحكم الذاتي. كما أنهم لا يرون أي حاجة لإيجاد بديل لها: فبينما يضغط الجيش الإسرائيلي على ملايين الفلسطينيين في رفح، ما يخلق الظروف الملائمة لـ "الهجرة الطوعية" إلى خارج غزة، فمن الواضح بشكل متزايد أن رؤية إسرائيل لليوم التالي لغزة هي ليست رؤية مغادرة الأونروا من الأراضي الفلسطينية فحسب، بل مغادرة جميع الفلسطينيين أيضًا.
جوناثان أدلر هو محرر اللغة الإنجليزية المساعد في صدى وزميل هيرفورد في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. نُشرت كتاباته في مجلة نيو لاينز، +972، ومجلة ميدل إيست آي، وغيرها. لمتابعته على أكس JRAdler4@.