نشاط

مصر على شفا الهاوية

٣ فبراير ٢٠١١
واشنطن
 
عندما دعت جماعات المعارضة المصرية إلى "يوم غضب" في 25 كانون الثاني/يناير، توقّع البعض أن تتصاعد الاحتجاجات إلى انتفاضة شاملة تهدد بتفكيك النظام السياسي القائم في مصر. فقد أعلن الرئيس المصري حسني مبارك أنه لن يترشح للرئاسة مرة أخرى في أيلول/سبتمبر، ولكن هل سيرضي ذلك المحتجين ويضع حداً للمظاهرات؟ وهل تؤدي هذه الأحداث في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة أكثر شفافية وديمقراطية في مصر؟ وكيف سيتأثر توازن القوى في الشرق الأوسط؟ وماذا سيعني هذا بالنسبة إلى علاقات الولايات المتحدة مع مصر وبلدان المنطقة؟ 
 
استضافت مؤسسة كارنيغي ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط نقاشاً مع بهي الدين حسن مدير "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" في القاهرة، ونيل هيكس، مستشار منظمة "هيومان رايتس فيرست"، بشأن الوضع الذي يتطور بسرعة في مصر. وانضم عمرو حمزاوي من مؤسسة كارنيغي إلى المحادثة عن طريق الهاتف الخلوي من القاهرة. وقد تولت ميشيل دن من مؤسسة كارنيغي إدارة النقاش.

تصاعد العنف

في خطاب متلفز ألقاه يوم 2 شباط/فبراير، أكد الرئيس مبارك أنه لن يترشح لولاية سادسة في منصبه. لكن المحتجين المناهضين للحكومة، الذين يشعرون بالإحباط بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والحريات السياسية المحدودة، لم يرضوا باللفتة التصالحية من جانب الرئيس. ففي غضون ساعات من الخطاب، اشتبك المتظاهرون بعنف مع موالين مسلحين للنظام قيل إن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم دفع لهم الأموال وحرّكهم.
  • الميليشيات المدعومة من الدولة: بعد وقت قصير من خطاب مبارك، احتشدت عصابات من الموالين للنظام في الإسكندرية والقاهرة، حيث واجهت بعنف حشود المحتجين المناهضين للحكومة بالعصي والسكاكين وقنابل المولوتوف. وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين المصريين أن هذه الميليشيات المسلحة عناصر مارقة غير منتمية إلى قوات أمن الدولة، فقد استشهدت دن بمزاعم واسعة الانتشار مفادها أن تلك الجماعات كانت تتصرف وفقاً لتعليمات من الحزب الحاكم نفسه. 

  • تواطؤ الجيش: قال بهي الدين حسن إنه على الرغم من نشر الجيش المصري في جميع أنحاء القاهرة والمدن الأخرى، امتنعت القوات المسلحة حتى الآن عن التدخل في هذه الاشتباكات العنيفة. وأصيب ما لايقل عن 1000 متظاهر منذ اندلاع أعمال العنف، وفقاً لحسن، في حين وقف أفراد الجيش على الحياد بشكل سلبي على هامش الصراع. 

  • الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان: ذكرت هيكس أن الشرطة العسكرية داهمت مكاتب منظمات عدة لحقوق الإنسان صباح يوم 3 شباط/فبراير، بما في ذلك مركز هشام مبارك للقانون الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، حيث قامت بالعديد من الاعتقالات. 

  • "كارثة إنسانية كبيرة": وصف حسن الوضع الحالي في القاهرة باعتباره "كارثة إنسانية كبيرة" فمن خلال اتخاذ موقف سلبي في مواجهة عنف البلطجية المستهتر، فشل الجيش في السيطرة على وسط فوضوي يتعرض فيه آلاف المدنيين إلى الأذى الجسدي. 

  • هل تستمر الاحتجاجات؟ دعت الجماعات المعارضة إلى مسيرة حاشدة تتجه إلى القصر الرئاسي في مصر الجديدة في القاهرة، من المتوقع أن تتم يوم 4 شباط/فبراير. وفقاً لحسن، فإن عشرات الآلاف من المحتجين ينامون خلال الليل في ميدان التحرير وليست لديهم نية في التفرق قبل المسيرة المزمعة. 

 التفاوض على المرحلة الانتقالية في مصر

قبل دقائق من بدء المناقشة، ظهر نائب الرئيس المعين حديثاً، عمر سليمان، على شاشات التلفزيون لتقديم حزمة من التنازلات تهدف إلى استدراج المعارضة إلى إجراء مفاوضات مع النظام. ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت المعارضة على استعداد للتوصل إلى حل وسط مع مجلس الوزراء الحاكم أم لا، ولكن كيفية استجابة المعارضة لاقتراح سليمان ستحدد بلا شك مسار التغيير السياسي في مصر.
  • حزمة من التنازلات: في خطابه، حاول سليمان استرضاء المعارضة واعداً بالقيام بتعديلات دستورية في غضون 70 يوماً، وعقد انتخابات جديدة لاستبدال أعضاء البرلمان الذين فازوا بمقاعد في سباقات مزورة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وإجراء تحقيق رسمي في أعمال العنف التي ارتكبت ضد المحتجين. سليمان ذكر أيضاً بوضوح أنه لا الرئيس مبارك ولا نجله جمال سيكون مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر انعقادها في آب/أغسطس أو أيلول/سبتمبر 2011. وعلى الرغم من أن جماعات المعارضة طالبت بالإجماع بحل البرلمان المصري، فقد قال سليمان أن البرلمان الحالي يجب أن يظل سليماً لتنفيذ تعديلات جوهرية على المواد الدستورية 76 و 77 التي تتناول مدة الولاية الرئاسية والشروط المطلوبة للترشح في الوقت المناسب للانتخابات الرئاسية. وكحل وسط، عرض سليمان إجراء انتخابات جديدة لنحو 250 مقعداً في مجلس الشعب، لفصل النواب الذين شابت منافساتهم مزاعم بالتزوير في الخريف الماضي. 

  • دعوة للحوار: دعا سليمان أيضاً كل أطياف قوى المعارضة المصرية – الأحزاب العلمانية إضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة - إلى الدخول في مفاوضات مع النظام طوال الفترة الانتقالية التي تسبق عقد الانتخابات الرئاسية. لكن منذ اندلاع أعمال العنف في ميدان التحرير والإسكندرية، أعلنت جماعات المعارضة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد وحزب الغد، رفضها الدخول في حوار مع النظام حتى يوافق الرئيس مبارك على الاستقالة من منصبه. 

  • المعارضة المصرية المنقسمة: قال حسن أن المعارضة في مصر مجزأة وضعيفة، كما هو شائع في المجتمعات التي خضعت إلى قمع الدولة على مدى عقود. وأوضح أنه في حين أن المؤيدين لنظام مبارك يميلون إلى المبالغة في تقدير نفوذ جماعة الإخوان، إلا أنها تبقى القوة المعارضة الأكثر تنظيماً في الساحة السياسية المصرية. 

  • البحث عن قيادة المعارضة: لم تلتف الأحزاب والحركات المعارضة حتى الآن خلف زعيم واحد. وقد أشار حسن إلى أن محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل هو الشخصية العامة الوحيدة القادرة على خلق "إجماع الحد الأدنى". وأضاف: "إذا كان ثمة شخص واحد فقط يمكن أن يستمع إليه الشعب المصري، فسيكون البرادعي". 

  • خروج يحفظ ماء وجه مبارك: قال حمزاوي، الذي كان يتحدث على الهاتف الخليوي من القاهرة، إن العديد من المصريين يمكن أن يقبلوا الحل الوسط الذي وضعه نائب الرئيس سليمان. ووفقاً لحمزاوي، فإنه يبدو أن الرئيس مبارك وقّع على صفقة لحفظ ماء وجهه تسمح للرئيس الحالي، الذي أمضى في المنصب ثلاثين سنة، بقضاء ما تبقى من فترة ولايته في منصبه كرئيس صوري "فخري"، في حين يتم تفويض السلطات الرئاسية بالفعل لسليمان. في هذا السيناريو، يتحمل سليمان المسؤولية الأساسية عن إدارة الفترة الانتقالية التي تسبق الانتخابات الرئاسية. 

  • الروح المعنوية للمحتجين: لاحظ حمزاوي أن تصاعد العنف أثّر سلباً على روح المحتجين المعنوية ودافعهم، الذين قد يكونون مستعدين، في مواجهة الإرهاق البدني ونقص الطعام والبنزين، إلى قبول حل وسط "يعيد الوضع إلى نطاق السيطرة ويضع حداً للعنف". 

  • صفقة غير مقبولة: على الرغم من أن حمزاوي أبدى تفاؤلاً باحتمال أن يكون الشعب المصري مستعداً لقبول فكرة أن يقود سليمان حكومة مؤقتة، لم يكن حسن مقتنعاً بأن ترضى قوى المعارضة بلعب دور هامشي في العملية الانتقالية. وعلى الرغم من تأكيد سليمان بأن الانتخابات البرلمانية المتنازع عليها ستعاد في غضون أسابيع، فإن انتخاب أعضاء جدد لمجلس الشعب لا يغيّر تركيبة الحكومة الحاكمة، والتي ستبقي على احتكارها للسلطة التنفيذية حتى يتم انتخاب رئيس جديد على الأقل. 

  • مشهد سياسي جديد: قال حمزاوي إنه مهما تكن الطريقة التي تختارها المعارضة للرد على عرض سليمان، يبقى هناك أمر واحد مؤكد يتمثل في أن المشهد السياسي المصري السابق تحوّل على نحو لارجعة فيه بسبب المطالب الشعبية للإصلاح. وقال حمزاوي "النظام القديم انتهى والصيغة القديمة انتهت". وأضاف أنه مهما تكن تشكيلة الحكومة المصرية المقبلة، فإنها ستكون مضطرة للاستجابة إلى مظالم الشعب الذي "استعاد الشارع للمرة الأولى منذ العام 1919"، عندما وضعت انتفاضة شعبية حداً لاحتلال بريطانيا العظمى الاستعماري لمصر والسودان. وعلاوة على ذلك، أضاف هيكس، فإن الحزب الحاكم يظهر علامات على التوتر والانقسام في مواجهة تصاعد الضغط الشعبي. فالانقسام بين الحرس القديم من الشخصيات العسكرية في الحزب الوطني الديمقراطي وجيل شاب من رجال الأعمال ذوي التفكير الليبرالي الجديد، هو الآن أكثر وضوحاً مما كان عليه قبل بدء الاحتجاجات. وتوقع هيكس أن يضطر الحزب للتعامل مع هذا الانقسام الداخلي في الأشهر المقبلة. 

السياسة الأميركية تجاه مصر 

منذ بداية الاحتجاجات في مصر، أعرب البيت الأبيض ووزارة الخارجية عن دعمهما القوي لعملية انتقالية تؤدي الى انتخابات حرة ونزيهة في مصر. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين صرحوا بشكل لالبس فيه أن عملية التغيير السياسي يجب أن تبدأ الآن، فإنهم امتنعوا عن التعليق صراحة حول ما إذا كان يمكن أن يُعهَد إلى الرئيس مبارك بالإشراف على هذه العملية أم لا. 
  • مراقبة وضع مائع: وفقاً لهيكس، فإن المسؤولين الأميركيين يسعون جاهدين لمواكبة الوضع الذي يتطور بسرعة في مصر. وقال "الإدارة متأخرة عن الأحداث، والكونغرس متأخر عن الإدارة".

  • مخاطر الدقة: أشارت دن إلى أن المسؤولين الأميركيين يخاطرون بإرباك الجمهور المصري والعالمي من خلال تسريب لغة غامضة إلى تصريحاتهم العلنية. وحث هيكس حكومة الولايات المتحدة على الدعوة بشكل صريح إلى تغيير سياسي هادف وفوري في مصر. وقال هيكس "لايمكن أن يكون هناك ... قبول صامت للسلطوية والديكتاتورية في مثل هذا الحليف الأساسي". 

  • منع العنف في 4 شباط/فبراير: حذر هيكس من احتمالات حدوث أعمال عنف واسعة النطاق إذا لم يتدخل الجيش المصري لمنع حصول مواجهة بين الموالين للنظام والمحتجين المناهضين للحكومة في التظاهرة الحاشدة التي يتوقع أن تجرى يوم 4 شباط/فبراير. وحث هيكس الإدارة الأميركية على "تبليغ القيادة العسكرية في مصر بعواقب التورط في إلحاق الأذى بالمدنيين". 

  • تقييم المساعدة العسكرية: وفقاً لهيكس، كان المسؤولون العسكريون الأميركيون على اتصال وثيق بنظرائهم المصريين منذ بدء الاحتجاجات. وبوصفها تتلقى أكثر من مليار دولار سنوياً من المساعدات العسكرية الأميركية، فمن المرجح أن تتجنب القوات المسلحة المصرية القيام بأي عمل قد يعرّض المساعدات الأميركية للخطر. وحث هيكس المسؤولين الأميركيين على استخدام جميع وسائل التأثير، بما في ذلك المساعدات العسكرية، بهدف "حثّ الجيش المصري على القيام بدور بنّاء في الحليلولة دون وقوع أعمال عنف".
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
event speakers

Bahey al-Din Hassan

Neil Hicks

ميشيل دنّ

باحثة أولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط

ميشيل دنّ هي باحثة أولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثها على التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وخصوصاً في مصر، وعلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.