المصدر: Getty
مقال

إخضاع النقابات العمالية المصرية

تبذل الحكومة المصرية قصارى جهدها لوضع النقابات العمالية المستقلة تحت سيطرة النظام من جديد.

 جوسيبي أكونشيا
نشرت في ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦

ينقلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على النقابات التي ساعدته في الوصول إلى السلطة. لقد صوّبت السلطات أنظارها نحو الاتحاد المصري للنقابات المستقلة الذي يشكّل مظلة واسعة للنقابات العمالية غير الحكومية. وتسعى إلى وضع هذه النقابات المستقلة من جديد تحت مظلة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الذي تديره الحكومة، وإلى تحجيم توقّعات العمّال بالحصول على حقوق أفضل في العمل في شكل عام. إذا كانت الدولة قد قضت على الاحتجاجات التي ينظّمها الشباب والإسلاميون والمجتمع الأهلي المصري من خلال قمعها للتيارات المعارِضة، لاتزال الإضرابات والاحتجاجات العمالية تثير قلق السلطات المصرية.

أحيلت دعوى قضائية رفعها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر غداة الانتفاضات في العام 2011 للمطالبة بحظر النقابات المستقلة (بما في ذلك مجموعات صغيرة أخرى تدافع عن حقوق العمال)، واصفاً إياها بأنها "غير شرعية" و"غير مشروعة"، إلى المحكمة الدستورية العليا في حزيران/يونيو الماضي، ويُتوقَّع أن تتم مناقشتها خلال الأشهر المقبلة. في حال جرى تثبيت القرار، سوف يعني ذلك نهاية النقابات غير الحكومية التي هي من القلّة المتبقية من الأفرقاء المستقلّين في المجتمع الأهلي. قال عضو في الاتحاد المصري للنقابات المستقلة في المحلة الكبرى: "وجودنا مهدَّد بسبب محاولة الدولة حظر العمل النقابي المستقل". غير أن ذلك لن يؤذن بانتهاء الحركة العمالية المصرية.

أصبح الاتحاد المصري للنقابات المستقلة الذي انبثق عن تحرّك العمّال خلال إضرابات المحلة في العام 2006، والذي حاز على ترخيص من وزير القوى العاملة السابق أحمد البرعي في العام 2011، من أهم قوى المعارضة خلال انتفاضات 2011. علّق عضو في الاتحاد من المحلة الكبرى: "بدا أن الإنجاز الأهم في ثورة 2011 هو أننا تمكّنا من الدفاع بصورة أفضل عن حقوق العمّال". خلال عهد الحكومة المؤقتة بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 2013-2014، وافق الجيش المصري في البداية على وجود الاتحاد المصري للنقابات المستقلة وعلى موقعه خارج النقابات الخاضعة لسيطرة الدولة أي خارج نطاق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وذلك بهدف استيعاب المعارضة اليسارية المتنامية. لكن في الدورات الانتخابية الست التي أجريت بين العامَين 2011 و2015، تبدّدت آمال العمّال في المحلة الكبرى بمأسسة تحرّكهم العمالي الوليد، وذلك بسبب تدخّل النخبة العسكرية والسياسية. فالانتخابات التي أجريت على عجل لم تمنح العمّال المحليين وقتاً كافياً لهيكلة روابطهم مع الأحزاب السياسية الإسلامية واليسارية التي كانت لاتزال حديثة العهد، ومأسسة لجانهم المستقلة داخل المصانع.

مع ذلك، وعلى الرغم من الانقسام وغياب القيادة المتماسكة، تمكّنت النقابات من تقديم دعم مهم للسيسي. يتولّى بعض قادتها مهمات على الصعيدَين الوطني والمحلي، ويقدّمون دعماً غير مشروط لرئاسة السيسي. ومن هؤلاء القياديين كمال أبو عيطة، رئيس نقابة الضرائب العقارية سابقاً الذي كان وزيراً للقوى العاملة حتى آذار/مارس 2014.

استغلّ السيسي المعارضة المتنامية لسياسات الإخوان المسلمين الاقتصادية النيوليبرالية في أوساط العمّال في دلتا النيل من أجل الارتقاء إلى السلطة. في المرحلة الواقعة بين شباط/فبراير وآذار/مارس 2013، نُظِّمت تحركات عمالية بصورة يومية في مصر، وقد وصل عددها إلى نحو 350 إلى 461 إضراباً واحتجاجاً عمّالياً. لكن الجيش اختطف هذه الموجة الجديدة من الإضرابات نحو أواخر عهد مرسي، وبدأ العسكر والاستخبارات المدنية بالتسلل إلى اجتماعات الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، ودار الخدمات النقابية والعمالية، وسواها من المجموعات المعارِضة، سعياً لوضع أنشطتها تحت سيطرة الدولة الشديدة1.

على الرغم من استغلال معارضة الحركة العمّالية لمرسي من أجل إيصال السيسي إلى السلطة، واصل هذا الأخير، بعد تسلّمه منصبه، سياسة رأسمالية الدولة، متجاهلاً صرخات المتظاهرين الذين طالبوا بالعدالة الاجتماعية. تابعت الحكومة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وحددّت في 11 آذار/مارس 2015 سقفاً للضرائب على الدخل المفروضة على الشريحة ذات الإيرادات الأعلى، بلغ 22.5 في المئة – وقد لقيت جميع هذه الخطوات معارضة من فئات واسعة من الحركة العمّالية. في 28 نيسان/أبريل 2015، حظرت المحكمة الإدارية العليا حق العمّال في الإضراب، وأرغمت عدداً كبيراً من المسؤولين العماليين على التقاعد عبر اتّهامهم بالمشاركة في الاحتجاجات. يُشار في هذا السياق إلى أن أقوى الاحتجاجات العمالية التي شهدتها البلاد بعد استيلاء الجيش على السلطة نُظِّمت بين آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2015، غداة إقرار المسودّة الأولى لقانون الخدمة المدنية. نتيجةً لذلك، وعلى الرغم من الدعم الأولي الذي قدّمه بعض قادة الاتحاد المصري للنقابات المستقلة لعبد الفتاح السيسي، بدأ العمال في المحلة يوجّهون انتقادات لسياساته الاقتصادية. وقد علّق أحد العمال: "الاقتصاد السياسي الذي يعتمده السيسي هو الأكثر نيوليبرالية في تاريخ مصر".

حالَ استهداف الحكومة للاتحاد المصري للنقابات المستقلة وأعضائه دون تمكُّن الاتحاد من أن "يتطوّر ويتحوّل إلى هيكلية أكثر تنظيماً"، بحسب تعبير أحد هؤلاء الأعضاء. بيد أن الاتحاد لايزال يحتفظ بالدعم على المستوى المحلي، ويستمر في تنظيم إضرابات جديدة، على غرار سلسلة الإضرابات التي انطلقت في كانون الثاني/يناير 2014، في مصانع شركة السويس للصلب، ومصانع النسيج في المنوفية والمحلة الكبرى، ومصنع بتشينو للمعدات الكهربائية في القاهرة، وشركة الإسكندرية للإطارات – بيريللي. بحسب "مؤشر الديمقراطية"، وهي مؤسسة مصرية غير حكومية، نُظِّم 1117 احتجاجاً عمالياً في العام 2015 و493 من كانون الثاني/يناير إلى نيسان/أبريل 2016 ومايؤشّر إلى مستوى مرتفع من التعبئة العمالية بصورة متواصلة. 

حتى على المستوى الوطني، وعلى الرغم من القمع المتزايد للمنظمات غير الحكومية ومجموعات المعارضة، عقدَ الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، في كانون الأول/ديسمبر 2015، اجتماعه الأكبر منذ استيلاء العسكر على السلطة في العام 2013. وقد جاء الاجتماع رداً على إصدار الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وثيقة يعرض فيها نيّته التصدّي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة وتهميشه، فرأى هذا الأخير في الأمر دليلاً إضافياً على نيّة الحكومة إخضاع النقابات المستقلة لسيطرة الدولة. وقد ناقش العمّال تشكيل لجنة لتمثيل حقوقهم وإطلاق حملة وطنية لدعم حريات النقابات العمالية، فضلاً عن تنظيم عدد من المؤتمرات الإقليمية وإضرابات جديدة. 

على الرغم من قمع الإسلاميين، والتوقيفات التي تطال النشطاء العلمانيين والتهديدات التي يتعرّضون لها، وخيبة الأمل التي أصيب بها الشباب، ومخاوف المنظمات غير الحكومية من سيطرة الدولة على أنشطتها، لايزال الاتحاد المصري للنقابات المستقلة مواظِباً على العمل، من خلال تنظيم الإضرابات والاحتجاجات العمالية تحت الإشراف الشديد للنظام. غير أن السيطرة الحكومية المتزايدة تسبّبت بتقويض استقلالية تلك النقابات العمالية، فحوّلتها من حركة عمّالية اجتماعية مناهضة للنظام إلى منظمات غير حكومية تدافع عن حقوق العمال، ولافارق يُذكَر بينها وبين المنظمات ذات الطابع الحكومي. على الرغم من غياب المساحة المتاحة أمام المعارضة في النظام العسكري المصري، يواصل العمال النقابيون، إلى جانب النشطاء اليساريين والعلمانيين، جهودهم – ولو في الخفاء – من أجل بناء حركة جديدة مناهضة للنظام بوحيٍ من "الروح الاجتماعية" لانتفاضات 2011.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

جوسيبي أكونشيا صحافي وباحث إيطالي يركّز في كتاباته على الشرق الأوسط. يمكنكم متابعته على تويتر: @stradedellest​


1. بالاستناد إلى مقابلات مع عمال نقابيين في المحلة أجريت بين 2013 و2016.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.