المصدر: Getty
مقال

تفكك الإخوان المستمر في الأردن

يبذل الإخوان في الأردن، الذين تُمزّقهم النزاعات الداخلية المستفحلة، جهوداً دؤوبة لتجنّب العزلة في الداخل.

 طارق النعيمات
نشرت في ١٩ أكتوبر ٢٠١٨

شهدت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، خلال السنوات الأخيرة، متاعب جمّة، جزء منها كان سببه نزاعاتها الداخلية، وآخر يعود إلى توتر علاقتها مع الدولة الأردنية. خلافاً للسعودية والإمارات ومصر التي صنّفت الجماعة كياناً إرهابياً في آذار/مارس 2014، ينتهج الأردن طريقة أقل خشونة ساهمت في تهدئة حلفائه الخليجيين عبر إضعاف الإخوان تدريجاً من دون حظرهم في شكل كامل. فرغم من أن حظر جزئي يُطبَّق منذ العام 2015، ذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي هو قانوني – مثل مبادرة زمزم ومنظمات أخرى منشقّة طُرِدت من جماعة الإخوان. تواجه عمان ضغوطاً لحظر المجموعة بالكامل، بينما تُعطّل هذه النزاعات الداخلية قدرة الإخوان على تنظيم حملات داعِمة لقضاياهم أو على السعي إلى تحقيق الإصلاح السياسي.

تصاعدت الخلافات الإخوانية منذ حل مجلس الشورى وانتخاب مراقب عام جديد خلفاً لسالم الفلاحات في العام 2008. فقد اختلف "الحمائم" و"الصقور" حول بوصلة الجماعة، فتيار "الحمائم" - ومن أبرز رموزه والمقربين له من الوسط، القيادي الراحل اسحق الفرحان، وعبد اللطيف عربيات، وسالم الفلاحات ورحيل غرايبة - يدعو إلى الانفتاح السياسي وإعطاء الأولوية للعمل العام على الساحة المحلية لإرساء توازن في مقابل تركيز الجماعة التقليدي على القضية الفلسطينية. أما "الصقور" - ومن رموزهم القيادي الراحل محمد أبو فارس، وهمام سعيد، ومراد عضايلة وزكي بني ارشيد - فيتشاركون "الحمائم" الرأي حول أهمية المشاركة السياسية في الانتخابات، لكنهم في الوقت نفسه أقل مرونة منهم في الانفتاح على المكونات السياسية من نظام وأحزاب. وهم يفضّلون التركيز، بدلاً من ذلك، على التجنيد والتربية.

ومع أنه يُنظَر عادةً إلى الحمائم بأن سقف انتقاداتهم السياسية للنظام متدني، اقترح قياديان وسطيان في هذا الفريق، هما رحيل غبريل ونبيل الكوفحي، في العام 2010، واحدة من أجرأ المبادرات السياسية للجماعة، إذ نادت المبادرة صراحة بتقليص صلاحيات الملك الأردني لصالح حكومة مكونة من برلمان منتخب. في المقابل، كان تيار "الصقور" الذي يوصف عادةً بالإنغلاق والتشدد، هو من هندس فكرة "التحالف الوطني للإصلاح" الذي شكله الإسلاميون بالشراكة مع شخصيات مستقلة، واستطاع الحصول على 15 مقعداً من أصل 130 في الانتخابات النيابية عام 2016. المحاولة كانت ناجحة على الأقل في بناء تحالف مع شخصيات إخوانية خرجت من الجماعة منذ وقت طويل وتحظى بثقل عشائري مثل عبدالله العكايلة، وشخصيات نقابية مستقلة بارزة كنقيب المحامين السابق صالح العرموطي.

وسط هذه الخلافات بدأت وتيرة انشقاق قيادات الحمائم تتوالى، بدءاً بإطلاق البعض مبادرة زمزم في العام 2013 (والتي حصلت لاحقاً على ترخيص حزب سياسي في العام 2016)، والتي فصل أعضاؤها من جماعة الإخوان المسلمين. ثم في شباط/فبراير 2015، تقدّم المراقب العام الأسبق عبد المجيد الذنيبات بطلبٍ لتسجيل فرع جديد سُمّي بـ "جمعية جماعة الإخوان المسلمين" التي أتاح تشابُه اسمها مع المنظمة الأم للدولة بأن تسحب الترخيص القانوني من هذه الأخيرة. وقد تمكّنت مجموعة الذنيبات من الحصول على أهم مقار الجماعة وبعض من أصولها المالية، ما دفع ببعض الصقور إلى اتهام الذنيبات بالعمل مع الدولة لإضعاف جماعة الإخوان، وهو الأمر الذي نفاه الرجل. لكن الدولة لم ترد اجتراح حظر شامل لكل فروع الجماعة، فأبقت على ترخيص ذراع الإخوان السياسية، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي، وبات الحزب متنفس الجماعة السياسي والقانوني الوحيد، في الأثناء أنشأ المرقاب العام السابق سالم الفلاحات الذي ابتعد عن الجماعة، حزب "الشراكة والإنقاذ"، في العام 2016. 

دفع توسّع الانقسامات بالبعض في صفوف الإخوان المسلمين إلى وصف الوضع بـ"انهيار منظومة القيم" داخل جماعة لطالما ركّزت على أن مبادئها الإسلامية تجعلها عابرة للأصول والمنابت، وممثلة للجميع، لا سيما الإخوان من أصول شرق أردنية، والإخوان من أصول فلسطينية. وقد حمّل كثيرون من الإخوان الطبقة القيادية في الجماعة مسؤولية الإنزلاق إلى شقاق يحمل أبعاد شخصية وإقليمية وفكرية.1

وقد برزت اتهامات بشأن دور حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في إذكاء الخلاف الإخواني ومساندة "الصقور" ودعمهم مالياً، بحسب ما يعتقد بعض قيادات الوسط و"الحمائم". وهذه الاتهامات عكست مشكلة الثقة بين قيادات الإخوان، فلطالما اشتكى الطرفان من شيوع ممارسات "الكولسة والشللية". على سبيل المثال، اتهم قادة من الحمائم نظراءهم من الصقور باستغلال اسم "حماس" وما تحظى به من احترام في الجماعة، للتصويت لهم باعتبارهم يمثلون مشروع الحركة، وذهبت بعض القيادات الحمائمية للقول إن حماس سعت للتأثير على الانتخابات الداخلية للإخوان، بدعم انتخاب شخصيات محسوبة عليها، أمين عام حزب جبهة العمل سابقا، زكي بني إرشيد. في المقابل اتهمت قيادات صقورية الحمائم بأنهم يريدون إغراق الجماعة في عمل محلي وإهمال قضية فلسطين بوصفها قضية مركزية في بلد يُشكل اللاجئون الفلسطينيون جزءا معتبرا فيه. 

وبغض النظر عن مدى دقة الإدعاءات بالتدخل الفعلي لحركة حماس في القرار الإخواني، غالب الظن أن هذا التدخل محدود. حماس ليست قادرة على رعاية جناح على حساب آخر داخل الجماعة من دون أن تجازف بإثارة التشنّجات مع عمان. بدلاً من ذلك، تريد الحفاظ على ما جرى من تقارب محدود مع النظام الأردني لإرساء توازن في مقابل تدهور علاقاتها مع مصر وسورية ودول الخليج.

تسعى المجموعات المنشقة، لا سيما في صفوف الحمائم، جاهدة كي تحتفظ بمكانة لها. أما "جمعية الجماعة" التي يتزعمها الذنيبات فآثرت الابتعاد عن المجال السياسي والتركيز على البعد الدعوي، لا سيما للتعويض عن قلة العنصر الشبابي فيها. يركز كل من مبادرة زمزم وحزب الشراكة والإنقاذ على مبادئ الحياة المدنية والديموقراطية، ولا يبرزان الشعارات الإسلامية كهوية على غرار حالة الإخوان، كما يشكل المستقلون جزءاً من تركيبتهما. إلا أن كلَيهما يواجهان تحدّي إقناع المجتمعات المحلية بجدوى المشاركة السياسية بعدما ترسخت نظرة سلبية جراء حظر الأحزاب، طوال عقود، مفادها بأن الأحزاب انتهازية وغير قادرة على صنع التغيير السياسي. وقد برز ذلك جلياً لدى "زمزم" من خلال تجربته الانتخابية في العام 2016، حيث لم يستطع أن يحقق إنجازاً يذكر بالحصول على مقاعد في البرلمان أو تشكيل كتلة فيه.

كما أن الدعوة إلى المشاركة السياسية لا تُقدّم مساراً واضحاً نحو الأمام. لطالما كانت جماعة الإخوان كياناً دعوياً وحزباً سياسياً في الوقت ذاته، ما أتاح لها تاريخياً استقطاب الأفراد المهتمين بالمسائل الأوسع نطاقاً مثل القضية الفلسطينية، أو الأشخاص الأكثر اهتماماً بالجانب الروحي الدعوي. عقب انحسار نفوذ التيارات القومية واليسارية في نهاية الثمانينيات، تمكّن الإخوان، من خلال العمل الخيري والدعوي، من حصد نحو ربع مقاعد مجلس النواب في انتخابات عام 1989. على الرغم من أن الإخوان انتهجوا مقاربة غير تصادمية مع النظام الملكي، بدأت الدولة شنّ حملة مشدّدة ضد نشطائهم، تخوفاً من نفوذهم على المساجد والنقابات والجمعيات. نتيجةً لذلك، عمدوا إلى خفض نشاطهم الدعوي لثني الدولة عن اتخاذ تدابير أكثر تشدداً من أجل قمع هذه الأنشطة.

بيد أن الجماعة تعتبر أيضاً أن قدرتها على المساهمة في السياسة محدودة، لأن الدولة تراجعت عن الفرص السياسية التي أتاحتها سابقاً للإخوان من أجل دخول الحياة السياسة. لقد تحوّل الوجود الإخواني في البرلمان الأردني، من طموح لخلق كتلة مؤثرة تستطيع إنجاز قوانين وتمريرها، إلى مجرد محاولة إخوانية تسعى لتجنب الوقوع في فخ العزلة.

على الرغم من "شعرة معاوية" التي بقيت بين الدولة والجماعة، إلا أن التضييق عليها مرشح للزيادة، نظراً لأن الخلافات الإخوانية لم تنتهِ بعد. وهذا ليس موجَّهاً بالضرورة ضد الإخوان فقط، لأن السلوك السياسي للنظام يوحي أن هدفه عدم السماح لأي حزب سياسي بالنمو واكتساب شعبية واسعة. بيد أن السياسة العدائية الإقصائية التي تنتهجها دول الإقليم ضد الجماعة قد تشجع تياراً متشدداً داخل أجهزة الدولة على انتهاج مقاربة خشنة تجاه ما تبقى من مؤسسات الإخوان.

طارق النعيمات صحافي وباحث أردني متخصص بالحركات الإسلامية. لمتابعته عبر تويتر: TareqAlnaimat@


1. مقابلات أجراها الكاتب مع قياديين وأعضاء في جماعة الإخوان.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.