تسبّبت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر – التي أعلنها من السعودية، وقد بنت هذه الأخيرة على كلام الحريري متّهمةً لبنان بشنّ حرب عليها، وموجِّهةً دعوة إلى رعاياها لمغادرة ذلك البلد الواقع على ساحل المتوسط – باشتداد المخاوف المبرَّرة من أن الأزمة قد تتصاعد وتتحول إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. تؤشّر استقالة الحريري إلى جهود متزايدة تبذلها الرياض من أجل التصدّي لحزب الله وتأليب عدد أكبر من اللبنانيين ضد التنظيم المدعوم من إيران الذي دخل في ائتلاف صعب مع الحريري ورئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر 2016 لإنهاء مأزقٍ استمر عامَين وتسبّب بالشغور في موقع الرئاسة الأولى. فيما تُرسّخ إيران مكاسبها في العراق وسورية – والتي تعزّزت مؤخراً من خلال النصر المشترك الذي حققه الجيش العربي السوري وحزب الله على تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور – وفيما تجد السعودية نفسها عالقة في مستنقع باهظ الكلفة في اليمن، اختارت الرياض سلوك مسار المواجهة مع طهران عبر استهداف حزب الله في لبنان.

تسعى الرياض إلى استخدام تأثيرها على الحريري من أجل إنهاء أي توازن في تقاسم السلطة في لبنان يُضفي شرعية على حزب الله. فالخطوة المثيرة للجدل التي أقدمت عليها بيروت عبر تعيين سفير لها في دمشق في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، والمساعي اللبنانية لترحيل مئات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم، وتصريح عون في 31 تشرين الأول/أكتوبر بأن "إيران موجودة ولها تأثيرها في الشرق الأوسط، ويجب أخذها في الاعتبار"، ساهمت كلها في تعزيز النظرة السعودية بأن لبنان يصطف أكثر من اللازم إلى جانب طهران.

شكّل القتال الذي تخوضه الميليشيات الشيعية المتعددة المدعومة من إيران ضد الدولة الإسلامية، مصدراَ إضافياً لتعزيز التأثير الإيراني في المشرق، والذي لن يكون سهلاً على السعودية كبحه. بعد سنوات من الاستثمار في العراق والشراكات الوثيقة مع القيادة الشيعية في العراق منذ العام 2003، التزمت طهران بفرض حضورها بقوة هناك – على النقيض من الحكومة السعودية التي انكفأت إلى حد كبير في العراق بعد وصول نظام نوري المالكي الموالي لإيران إلى السلطة.

لكن، وبدعم كامل من إدارة ترامب، ينخرط السعوديون من جديد في العراق. في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى الرياض، عقد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لقاء مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وقد شارك الاثنان في الاجتماع الافتتاحي لمجلس التنسيق بين السعودية والعراق. الهدف من تشكيل المجلس هو الاستثمار في إمكانات تحسين العلاقات بين الرياض وبغداد بعد إعادة افتتاح معبر عرعر الحدودي واستئناف الرحلات بين البلدَين في آب/أغسطس. في تشرين الأول/أكتوبر، بعد أربعة أيام من وصول وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر آل سبهان، إلى الرقة، توجّه وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في زيارة إلى بغداد، حيث دعا إلى تعزيز التعاون بين البلدَين في الخطاب العام الأول الذي يلقيه مسؤول سعودي في العاصمة العراقية منذ عقود عدّة.

في سورية أيضاً، حيث دعمَ السعوديون المعارضة التي فشلت في إطاحة الأسد، تأمل الرياض بأن تؤدّي دوراً في إعادة إعمار البلاد في المستقبل. لقد أعلن عبدالرحمن بن عبدالله الزامل، رئيس مجلس الغرف السعودية، في شباط/فبراير الماضي، أن الحرب الأهلية السورية ستنتهي في غضون عام وأن "تركيا والسعودية سوف تتولّيان إعادة إعمار سورية". في 17 تشرين الأول/أكتوبر، توجّه آل سبهان إلى الرقة بعيد قيام الميليشيات الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتحدة بطرد الدولة الإسلامية من المدينة السورية، حيث التقى المبعوث الخاص الأميركي بريت مكغورك لمناقشة الدور السعودي في إعادة إعمار الرقة.

جاءت زيارة آل سبهان إلى الرقة وزيارة الفالح إلى بغداد، والاجتماع الأول لمجلس التنسيق بين السعودية والعراق، في أعقاب زيارة قام بها الإمام الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى كل من السعودية والإمارات في تموز/يوليو وآب/أغسطس على التوالي. وكانت للزيارتَين أصداء جيدة لدى القادة السعوديين والإماراتيين، الذين رحّبوا بالدعوات التي وجّهها الصدر لحل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق – تنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه الميليشيات بأنها تشكّل تهديداً خطيراً لأمنها، لأنها تمتلك كمّاً هائلاً من الأسلحة، وتتواجد على مقربة من الحدود السعودية-العراقية. علاوةً على ذلك، يتّهم المسؤولون في مجلس التعاون الخليجي هذه التنظيمات بتسليح المقاتلين الشيعة في الأراضي العراقية وتدريبهم لشنّ هجمات في البحرين وأماكن أخرى في الخليج الفارسي. من وجهة النظر السعودية والإماراتية، تتيح علاقات الصدر المتشنّجة مع إيران، وتشديده على القومية العراقية التي يُقدّمها على السياسة المذهبية، فرصةً للكتلة التي تقودها السعودية والإمارات من أجل حمل بغداد من جديد على الانضمام إلى الحظيرة العربية. يعتقد المسؤولون السعوديون أنه عبر إضعاف حلفاء طهران في المشرق، تستطيع الرياض أن تتصدّى بقوّة للتأثير الإيراني هناك.

على ضوء القرار الذي اتخذه ترامب بعدم المصادقة على خطة العمل المشتركة الشاملة، ما يهدّد بانهيار الاتفاق النووي مع إيران، والخطاب الذي ألقاه في 13 تشرين الأول/أكتوبر حول التصدّي بحزم أكبر للسلوك الإيراني في المنطقة، يعوّل السعوديون على الحصول على دعم أقوى من البيت الأبيض الذي يرى في حزب الله تهديداً لإسرائيل إنما أيضاً للمصالح الأميركية الحيوية في المنطقة. تسلّط المزاعم بأن حزب الله يحافظ على وجود على الأرض في البحرين، فضلاً عن الاتهامات السعودية بأن التنظيم اللبناني ضالعٌ في عملية إطلاق الحوثيين صاروخاً باتجاه المملكة في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر – والذي اعترضته نظم الدفاع السعودية فوق العاصمة – الضوء على السياق الذي تعتبر المملكة من خلاله أيضاً أن حزب الله يشكّل تهديداً مباشراً لأمن دول مجلس التعاون الخليجي. إلى جانب العقوبات التي فرضها المشترعون الأميركيون على حزب الله في تشرين الأول/أكتوبر، والتحية التي وجّهها ترامب إلى 241 جندياً أميركياً لقوا مصرعهم في لبنان في العام 1983، تركّز القيادة الأميركية بصورة متزايدة على التصدّي لحزب الله عن طريق العقوبات، والتي يُحتمَل أن تتبعها لاحقاً مواجهة عسكرية في سورية أو في مكان آخر.

غير أن الجهود التي بذلها أعداء حزب الله في السابق لإضعافه لم تتكلّل بالنجاح، ما يطرح بطبيعة الحال تساؤلات حول مدى قدرة السعوديين على التصدّي بسهولة لنفوذ الحزب في المشرق، لا سيما على ضوء حجم تورّط المملكة في المستنقع اليمني. فضلاً عن ذلك، يُظهر رد فعل تيلرسون على الأزمة اللبنانية – حيث حذّر في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري من "استخدام لبنان ساحةً لنزاعات بالوكالة" – أن ترامب وأعضاء إدارته والمؤسسة الدبلوماسية والدفاعية الأميركية لا يسيرون على الموجة نفسها مع السعودية، تماماً كما كان الحال خلال حصار قطر في حزيران/يونيو. يبدو أن هناك انقساماً في واشنطن بين مَن يؤيّدون إطلاق يد السعودية من أجل التصدّي للنفوذ الإيراني وفقاً لشروط الرياض، ومَن يعتقدون أنه في حين ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الضغط لكبح النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، تنطوي التكتيكات التي تلجأ إليها المملكة – مثل التحركات الأخيرة ضد لبنان – على مجازفة وقدر كبير من المخاطر.

في غضون ذلك، يمارس السعوديون أيضاً، بحسب التقارير، ضغوطاً على إسرائيل للتحرك ضد حزب الله، ما يثير شبح اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط. يبدو أن ترسانة الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها حزب الله شكّلت رادعاً لإسرائيل وحالت دون شنّها من جديد حرباً على لبنان بعد حرب 2006. لكن إذا تحرّكت تل أبيب ضد حزب الله في لبنان، غالب الظن أن عدداً متزايداً من اللبنانيين من الطائفتَين السنّية والمسيحية سوف يدعم التنظيم الشيعي في دفاعه عن الأمن القومي اللبناني – والمحاولة السعودية لإضعاف شرعية حزب الله في لبنان قد ترتد في نهاية المطاف بنتائج عكسية. لكن، وبغض النظر عن تمنّيات اللبنانيين، سوف تستمر الرياض في ممارسة ضغوط على لبنان للاختيار بينها وبين حزب الله – وامتداداً إيران.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

ثيودور كاراسيك كبير المستشارين في شركة Gulf State Analytics، وجيورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي للشركة. لمتابعتهما عبر تويتر: TKarasik@ وGiorgioCafiero@