المصدر: Getty
مقال

المؤتمر الاقتصادي وصياغة السياسات في مصر

توصيات المؤتمر تبدو واعدة، ولاسيما أنها سياسات قد بدأ تنفيذها قبل الإعلان عنها.

 أنتوني قسطنطين
نشرت في ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٢

أقيم المؤتمر الاقتصادي في القاهرة من 23 - 25 تشرين الأول/ أكتوبر بهدف رسم خارطة الطريق لمستقبل الاقتصاد المصري. وعلى الرغم من أن المؤتمر قد أسفر عن قائمة واعدة من التوصيات في مجالات سياسة عدة، فإن قدرة الحكومة على تنفيذ هذه القائمة الطويلة في الأشهر المقبلة غير مؤكدة. مهد المؤتمر بشكل أساسي الطريق نحو إصلاح اقتصادي واعد لكنه مُكلف، وصعب، ومرهق. وتحتاج السياسات المطروحة إلى وقت وموارد قد تكون غير متاحة بسبب ما تتطلبه شروط الإصلاح. بالإضافة إلى ذلك، لا يطرح المؤتمر أفكارا جديدة، حيث نوقش عدد من التوصيات من قبل في مؤتمر مشابه عام 2015.

تحديات الإصلاح الاقتصادي

تُعد السياسات المالية والنقدية من أكثر السياسات إلحاحًا التي نوقشت خلال المؤتمر. تناولت هذه التوصيات أهمية خفض نسبة الدَين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإصدار مؤشر جديد للجنيه المصري. يشكل هذا أهمية خاصة ولاسيما في ظل تأثر مصر بالأزمة الأوكرانية، التي تسببت في هروب رؤوس أموال بأكثر من 20 مليار دولار وخفضت بشدة مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية للبلاد. كما أدت الحرب، ومعدلات التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة إلى زيادة فاتورة الواردات المصرية بشكل كبير لأنها مُستورد كبير للقمح من أوكرانيا، وكما تعتمد مصر بشكل كبير على النفط المستورد. بالإضافة إلى ذلك، خفضت مصر ديونها قصيرة الأجل (من نسبة الاحتياطي) من 50.5% إلى حوالي 30.7% لكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الأموال الساخنة لإعادة بناء الاحتياطيات. والجدير بالذكر أنه بعد أيام قليلة من المؤتمر، في 27 تشرين الأول /أكتوبر، توصلت مصر إلى صفقة بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي مصحوبة بنظام سعر صرف مرن أدى إلى هبوط الجنيه المصري من 19.74 جنيهه دولار في 26 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 24.45 جنيه دولار في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر.

أيضاً، تشير توصيات المؤتمر إلى استعداد الدولة المصرية وحكومتها للإصلاح الاقتصادي. فالمقترح المتعلق بمؤشر العملة، على سبيل المثال، يُعد مقترحا جديدا في مصر. إذ تخطط الحكومة لاستخدام الذهب والعملات الأخرى بدلاً من الدولار الأمريكي في المؤشر الجديد. وكما أوضح محافظ البنك المركزي حسن عبد الله أنه لا ينبغي أن تعتمد العملة المصرية على الدولار الأمريكي فقط، لأن مصر ليست دولة غنية بالنفط، وبالتالي لا يمكنها ربط سعر صرف عملتها بالدولار. في الواقع لا يعتبر وجود مؤشر عملة بديل فكرة جديدة؛ فقد قامت عدد من البلدان بتحويل عملاتها الاحتياطية نحو مصادر جديدة في السنوات القليلة الماضية. وفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن ثلاثة أرباع التحول من الدولار الأمريكي في المحافظ الاحتياطية، ذهب إلى عملات مثل الدولار الأسترالي و الدولار الكندي والكورونا السويدية والوون الكوري الجنوبي، بينما كان ربع التحول اتجه نحو  الرنمينبي الصيني.

وشملت التوصيات الأخرى أربع مجموعات، التي أكدت على الحاجة إلى تعزيز دور القطاع المالي غير المصرفي، والقطاع الخاص، والقطاعات الاقتصادية ذات الأولوية مثل الزراعة، والصحة، والتعليم، والعقارات، وتطوير قطاع التصنيع.

تحديات التنفيذ

أعلنت الحكومة المصرية عن مجالس من شأنها أن تضمن تنفيذ التوصيات، ورغم ذلك فلا يوجد ضمان على أن الدولة ستستمر في متابعة عمل المجالس لتحقيق غايات التوصيات.. وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي تعقد فيها الحكومة مؤتمراً اقتصادياً لمناقشة الإصلاح الاقتصادي غير أنه يعد الأكثر تفصيلا وشفافية مقارنة بالمؤتمرات التي عقدت سابقا، مثل مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري  الذي عقد في أذار/مارس 2015. ومع ذلك ، فإن اهتمام الحكومة، الذي يبدو جديدا، بالتواصل المفتوح يتجلى في حقيقة أن المؤتمر عُقد بالتزامن مع الحوار الوطني الجديد الذي يضم أعضاء من المعارضة مثل حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق في عامي 2012 و2014، وجميلة إسماعيل، الرئيسة السابقة لحزب الدستور (الدستور). وشهدت هذه الفعالية اهتمام الحكومة بالإجابة على الأسئلة التي طرحها بعض المشاركين في هذا الحوار. علاوة على ذلك، شهد المؤتمر الاقتصادي مشاركة أحزاب المعارضة والمسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص والخبراء الفنيين. أخيرًا، تم بث المؤتمر بالكامل، على الأرجح في محاولة من الحكومة لطمأنة المواطنين بشأن التوقعات الاقتصادية للبلاد.

في النهاية، حاول المؤتمر إثبات أن الحكومة المصرية تسعى إلى صياغة سياسة اقتصادية لجميع المصريين، مع مراعاة مصالح العديد من أطراف المجتمع. ومع ذلك، فمن غير الواضح سبب الحاجة إلى عقد مؤتمر من الأساس، حيث تم عقده قبل أربعة أيام فقط من تعويم الجنيه. وبالتالي، يبدو أن المؤتمر كان وسيلة مفيدة لتبرير تبني سياسات قيد الإعداد بالفعل - سياسات من المحتمل أن تكون مكلفة بالنسبة لعموم المصريين.

أنتوني قسطنطين خبير اقتصادي سياسي من خلال التدريب الذي يركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حصل مؤخرًا على درجة الماجستير في الدراسات العربية من جامعة جورج تاون. لمتابعته على تويتر AntonyAshrafC@.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.