المصدر: Getty
مقال

نسوية الدولة في عُمان وتعزيز حقوق المرأة وتمكينها سياسيا

تناقش هذه المقابلة مع بدرية الشحي نائبة رئيس مجلس الدولة بسلطنة عمان ما إذا كانت نسوية الدولة في عمان تدعم حقوق النساء.

نشرت في ٢٣ مارس ٢٠٢٣

في 26 فبراير كان الحدث الملفت في عمان هو أن ترعى السيدة الأولى عهد البوسعيدي احتفال شـرطة عُمان السُّلطانية بتخريج دفعة من الشرطة النسائية بأكاديميّة السُّلطان قابوس لعلوم الشرطة. إذ أنها المرة الأولى التي تقوم فيها امرأة برعاية حدث عسكري. 

حاليا، في مجلس الوزراء العماني ثلاث وزيرات من بين 22 وزيرا، و12 امرأة عضوا بمجلس الدولة من بين 86 عضوا، إضافة إلى مقعدين تشغلهما امرأتان في مجلس الشورى من 86 مقعدا. تناقش هذا المقابلة مع بدرية الشحي نائبة رئيس مجلس الدولة بسلطنة عمان ما إذا كانت نسوية الدولة في عمان تدعم حقوق النساء عامة وتدفع إلى رفع نسب تمثيلهن في الحكومة وفي مناصب عامة عليا لايزال تمثيلهن فيها متدنيا. تعتقد الشحي أن بلادها كانت رائدة على دول أخرى في منطقة الخليج حيث كانت سلطنة عمان أول دولة خليجية تمنح النساء الحق في ممارسة حقوقهن السياسية في عام 1994، وهذا يعني أن القيادة السياسية تؤمن بدور المرأة وبقدرتها في تولي المناصب العليا، وتعتبر الشحي أن تأخر تمكين المرأة في مجالات مثل القضاء والمحافظات يأتي نتيجة لمراعاة الدولة، التي تؤمن بسياسة التدرج، لحساسية المجتمع تجاه قضايا تتعلق بالمرأة. 

هل يمكن أن يعزز تعيين نساء متعلمات تعليما عاليا، حتى وإن لم يحملن أجندة تتعلق بقضايا المرأة، في مراكز قيادية عليا حقوق المرأة ويدفع إلى تغيير اجتماعي يقدر قيادة المرأة بشكل عام؟ 

فعلا وجود نساء متعلمات تعليما عاليا ولديهن الوعي الكافي سيعمل على تغيير صورة المرأة النمطية في المجتمع. حتى لو لم تكن النساء المُعينات يقصدن دعم حقوق المرأة، فإن نجاحهن في عملهن سيعزز تمكين النساء. لدينا نساء كثر يسهمن في إخراج المرأة من الصور النمطية والمحرمات، وخاصة في المجتمعات المغلقة، حيث نسمع عبارات مثل "النساء ناقصات عقل ودين"، و "ما فلح قوم ولوا أمرهم امرأة" بعضها تفسيراتها خاطئة، والمجتمع ينظر إليها بسطحية جدا ويفسرها على أن المرأة غير قادرة على القيادة، لذلك من المهم عندما تصل المرأة إلى هذه المراكز القيادية أن تغير هذه الصورة عن النساء وتزيل عنهن هذه التهم. وبعد ذلك، وكلما انخرطت في العمل تأتي مرحلة دعم حقوق النساء. طبعا للتعليم والتحديث في البلاد دور أساسي في تغيير صورة المرأة واحترام دورها في المؤسسات السياسية العامة.

ولكن هل يحدث هذا التغيير فقط بسبب التعيينات الرسمية أو عن طريق ما يسمى بنسوية الدولة أو أنه ينبغي أن يكون نتيجة حركة اجتماعية سببها التحديث والتعليم وقناعة الناس؟

طبعا في السلطنة، ونتيجة للطبيعة المحافظة للمجتمع العماني كان لابد من أن تقوم السلطة السياسية في البلاد بدور لإخراج المرأة من الصورة التي تسود داخل المجتمع وإظهارها بالصورة اللائقة وأنها قادرة على التفكير والإسهام وزيادة وعي المجتمع والمشاركة في العملية التنموية أو الحركة الحقوقية والحياة البرلمانية طبعا. ولهذا كان لابد من إيجاد قنوات ووسائل لإظهار قدرات النساء، ليس عبر كوتا، ولكن عبر قرارات وسياسيات السلطة التي تقوم على تعزيز دور المرأة.

بدرية الشحي

بوصفك نائبة منتخبة لرئيس مجلس الدولة ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للمجلس أن تكون امرأة في مركز قيادي متقدم في مجلس رفيع كمجلس الدولة؟ وما الذي يشير إليه هذا الانتخاب من قبل زملاء لك، أغلبهم ذكور، عن نظرة المجتمع العماني للمرأة؟

طبعا في مجلس الدولة، وبسبب وجود أعضاء ذوي خبرة في مجالات حكومية متعددة: عسكرية وتعليمية واقتصادية وكذلك من القطاع الخاص ممن عملوا مع نساء وعرفوا قدراتهن، وبعضهم قد يكون انطباعه عن نساء من أفراد عائلته جيدا، ولاحظوا تميزهن، هؤلاء يمثلون مجموعة متنوعة من الخبرات ومستويات الوعي المرتفع، ولهذا هو أسهل بالنسبة للمرأة التعامل معهم، وكذلك من المتوقع أن يقدروا المرأة أكثر. ومع ذلك من الضرورة أن تثبت المرأة نفسها وسط كل هذه الخبرات والمؤهلات التي يحملها زملاؤها الرجال، وتحوز على الثقة عبر صنع تاريخ عملي يثبت أنها قادرة على اتخاذ القرارات، وأن يكون لها صوت في مساندة أعمال المجلس ومساندة أعضائه. هذا الصوت وهذه القدرة ضرورية لتقدير المرأة في مجتمع متعلم وواع بدورها.

هل تعتقدين أن تمكين النساء من القيادة السياسية بأشكالها المختلفة في الحكومة أو المجالس المعينة والمنتخبة هي مسؤولية الحكومة فقط، أم أنها مسؤولية اجتماعية؟ وكيف؟

مسؤولية تمكين المرأة تأتي من الجانبين، كما ذكرت نبدأ في الأساس في كسر محرمات المجتمع عبر تمكين يأتي من السلطة أو الحكومة، وبعد ما تثبت المرأة مؤهلاتها في عدة مجالات تأتي لاحقا المسؤولية الاجتماعية، بعد التخلص من المحرمات التي تحيط بالمرأة يصبح من الضروري أن يقوم المجتمع  بمسؤوليته، خصوصا الفئات المثقفة والمتعلمة والمُمَكَنة، التي عليها دور أكبر، في دعم المرأة وهذا يبدأ من تعزيز الوعي ومن تبيان الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتمكين المرأة وكذلك على مستوى الأسرة; سواء على المستويات التعليمية أو الثقافية أو توجهات الأبناء. علينا أن نوضح كم هو مثمر أن تكون المرأة مُمَثَلة ومُمَكَنة في جميع المجالات وأن يحدث ذلك بوعي تام بأهمية دورها. 

كيف تنظرين إلى نسوية الدولة، هل تؤدي إلى تعزيز حقوق النساء بشكل عام أو أنها لا تساعد على ذلك؟

أظن أن للدولة في عُمان اهتماما كبيرا بتمكين المرأة. إذا نظرنا إلى نسوية الدولة نجد أن الدولة بدأت بالتعليم، والاهتمام بتعليم البنات والنساء، وبعد ذلك بدأت في تمكينهن في الوظائف والمراكز المختلفة والحقول المتنوعة، ولكن حدث هذا تدريجيا مراعاة لحساسية المجتمع ودرجات تقبله لوجود المرأة في هذه المجالات والمناصب. وعبر الأزمنة في عمان لم تكن المرأة غائبة تماما فقد كانت موجودة في الحقل وفي حلقات التعليم. الآن هناك مجالات فتحت أبوابها للمرأة وكانت هذه المهام والمجالات في السابق منوطة بالكامل للرجال. هذا لا يعني أن المرأة الآن حاضرة في كل المجالات التي ينبغي أن تكون فيها. هناك مجالات نتطلع أن تكون فيها نساء مثل القضاء والمحافظات، ولكني أعتقد أنها مسألة وقت فقط. أعتقد أن هذا التدرج صحي جدا للمجتمعات ولا ينبغي أن يكون إجباريا. نحن نرى أن المرأة قد ثبتت أقدامها وطورت إمكانياتها خطوة بعد خطوة.

هل تعتقدين أن النساء اللاتي في مراكز صنع القرار حاليا سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس الدولة والشورى وهيئات أخرى يحملن أي مسؤولية تجاه تحسين أوضاع النساء وحقوقهن؟

أعتقد أن مسؤولية تحسين أوضاع النساء وحقوقهن موجودة في وعي كل امرأة وصلت إلى موقع اتخاذ القرار. أعتقد أن واحدا من الأشياء التي توجد لدى النساء، ليس فقط في عُمان وإنما لدى أي امرأة في العالم تصل إلى موقع صنع القرار، هو الوعي باتخاذ قرارات تتعلق بتحسين أوضاع النساء. قلت سابقا أن المرأة القيادية تبدأ أولا بتغيير وتحسين صورة المرأة وتثبت أنها قادرة على القيادة، وثانيا تحاول أن تُمَكن غيرها من النساء.

 قد نفتقد هذا التصور أثناء الانتخابات، ولكن هذا يحتاج إلى الكثير من الوعي لدى المرشحات والناخبات والإيمان بأننا لن نصعد إلا معا ولن نتمكن من تمكين أنفسنا إلا عندما نمسك بأيدي بعضنا البعض. طبعا، طبيعة المجتمعات والطبيعة التنافسية للانتخابات، وكيف تنظر المرأة إلى قيادة المرأة تلعب دورا في مدى تقدم ونجاح عملية تمكين النساء سياسيا. لكن أعتقد أن أي امرأة وصلت إلى مركز صنع القرار فهي عن وعي وإدراك وتعليم ستسعى إلى تمكين الأخريات لتمكن نفسها أيضا تمكينا مستداما. 

هل تعتقدين أن وجود سيدة أولى فاعلة في الحياة العامة قد يؤدي تمكين النساء سياسيا بشكل أكبر في عُمان؟

طبعا وجود السيدة الجليلة عهد البوسعيدي محفز للنساء في السلطنة، وظهورها وتمكينها للمرأة أمر مشرف جدا، ويراه المجتمع شيئا مميزا. منذ فترة طويلة لم تكن هناك مثل هذه المبادرات المتعددة والمستمرة. لقد كانت هناك في السابق مبادرات السيدة ميزون والدة السلطان الراحل قابوس، ولكن حاليا في هذا الوقت يوجد زخم أكبر وأسرع. هذه الدعم النفسي بوجود السيدة الجليلة يعطي شعورا بالثقة للمرأة. لو تلاحظين أصبحت النساء في عمان أكثر ظهورا في المناسبات العامة، أتمنى أن يعني هذا الحضور وعيا بأهمية استدراك حقوق المرأة. من حسن الحظ، أننا نلاحظ أن مبادرات النساء زادت مع ظهور ونشاط السيدة الجليلة عهد، خاصة في الأعمال الخيرية والمبادرات النسائية والمؤسسات الاجتماعية. أتمنى أن تمتد هذه المبادرات إلى المؤسسات الأخرى التي تحتاج فيها المرأة إلى تمكين. 

كيف تقيمين تمكين النساء في سلطنة عمان عامة؟

 أعتقد أن التمكين معنا بدأ في مراحل متقدمة، وكنا في بعض المجالات الرواد في منطقة الخليج. بدأنا عندما كانت بعض مجتمعات الخليج أكثر تأخرا فيما يتعلق بأوضاع المرأة وحقوقها ودورها، وهذا يدل على الرؤية العامة للسلطنة فيما يتعلق بالنساء، ويدل على استقلالية السلطنة في سياساتها تجاه المرأة. أتمنى أن نحافظ على هذه الوتيرة وأن نزيد عليها، ولاسيما أن هناك حركة عالمية متنامية تدعو إلى تمكين النساء وإعطائهن الفرص المتساوية، وتدعو إلى إشراكها في العمل التنموي، وتوضح مدى تأثير ذلك على اقتصاد البلاد وعلى سمعة البلاد. في ظل وجود مؤسسات دولية تركز على أوضاع النساء وحقوقهن، نحتاج، في عُمان، أن نسارع إلى إشراك النساء في مجالات جديدة وزيادة تمثيلهن في المجالات الأخرى. مثلا تم إشراك العمانيات في المجالين العسكري والسياسي، ولكن نحتاج أن يكون عدد النساء أكبر في هذين المجالين، وأن تُفتح لهن مجالات أخرى مثل توليهن شؤون المحافظات والقضاء. أنا واثقة من أن العمانيات سوف ينجحن في أي مجال لأنهن يتؤدين أعمالهن بطريقة عالية الجودة ومُحسنة للأداء الكلي.

خلاصة

يلاحظ أن الحدث الأبرز فيما يتعلق بالمرأة منذ تولي السلطان هيثم الحكم في السلطنة، هو نشاط السيدة الأولى عهد البوسعيدي وتأسيسها مؤسسة خيرية تركز فيها على دعم النساء والأطفال والمعاقين. لكن يبقى تمثيل النساء في مختلف مؤسسات الدولة متدنيا كما لم تعدل حتى الآن قوانين غير منصفة للمرأة، مثل قانون الجنسية الذي لا يمنح أبناء العمانيات من غير العمانيين الجنسية العمانية. قد يدفع وجود نساء مؤهلات في مناصب قيادية ومعنيات بتحسين أوضاع النساء، إضافة إلى حضور السيدة الأولى في الحياة العامة واهتمامها بقضايا المرأة إلى اكتساب النساء مزيدا من الحقوق، وكما قالت الشحي:" أتمنى أن يعني هذا الحضور وعيا بأهمية استدراك حقوق المرأة."

رفيعة الطالعي رئيسة تحرير (صدى) مطبوعة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. لمتابعتها على تويتر: @raltalei.

ملاحظة

 المصدر لصور المقال: وكالة الأنباء العمانية

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.