في 22 يناير/كانون الثاني، دشن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف "جامعة النيل" رسميا. هذه الجامعة ذات التقنيات المتطوّرة جداً، تقع في "القرية الذكية"على بعد عشرين كيلومتراً شمال غرب القاهرة، وهي أوّل جامعة خاصة مصرية تركّز على الدراسات العليا والأبحاث.
ومنذ العام 1996، أنشئت أكثر من عشر جامعات خاصّة، وقد اختبرت في البداية أربع منها المعطيات على الأرض. وفي عام 2002 تدفّقت الجامعات الفرنسية والألمانية إلى مصر. وهذه الجامعات حاليا لا تتنافس فقط مع الجامعة الأميركية المرموقة في القاهرة التي تأسّست عام 1919، إنّما أيضاً مع الجامعات البريطانية والكندية. بالإضافة إلى ذلك توجد جامعة روسية وأخرى صينية قيد الإنشاء.
طفرة الجامعات الخاصة في مصر تشكل أحد الجوانب المتعدّدة للعولمة التي تؤثّر في التعليم العالي في العالم العربي. حيث تعتمد بلدان عدّة في المنطقة – تصنف بأنّها مقاومة لنزعات التجانس الدولي – على الخبرة الأجنبية لتشييد جامعات جديدة وكذلك لتحديث أنظمة التعليم العالي الرسمي بها. ومنذ عام 2002، تطبّق مصر "برنامج تعزيز التعليم العالي" المموَّل من البنك الدولي في جامعاتها الرسمية الخمس عشرة ومعاهدها التقنية البالغ عددها 51. وتعتبر"الوكالة الوطنية للتصديق والتقويم" المنشأة بحسب النموذج الأنغلوسكسوني، أحد المشاريع الأساسية في البرنامج. كما شرع المغرب في إصلاح جامعاته الرسمية في السنة الأكاديمية 2003-2004 عبر تطبيق برنامج الشهادات الأوروبي (إجازة، ديبلوم، دكتوراه). وينوي المغرب وبدعم من الحكومة الفرنسية والبنك الدولي، تكييف جامعاته مع المعايير الدولية.
ولا تهدف الجهود الرامية إلى تحديث الجامعات من خلال التعاون الدولي، إلى تحقيق مساع أكاديمية واقتصادية وحسب، وإنّما ـ وبشكل لايخفى ـ ترمي لتحقيقّ بُعد سياسي واضح .
يحتلّ التعليم العالي رأس جدول الأعمال المتعلّق بإصلاح الأنظمة السلطوية في المنطقة. وتدعو منظّمات مثل الاتّحاد الأوروبي و"منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة" (اليونسكو) والبنك الدولي، إلى إنشاء جامعات غير مركزية ومنفتحة على البيئة الدولية، وقادرة على تدريب الخرّيجين لدخول سوق العمل.
و بهدف تحفيز مشاركة أعضاء هيئة التدريس والإدارة والتخفيف من قبضة الدولة على الجامعات، يطلب المانحون من الحكومة إشراك أصحاب الشأن في عمليّة صنع القرارات. وقد أنشئت في المغرب ومصر، لجان خبراء للتوصّل إلى اتفاق حول المسائل الإصلاحية الحسّاسة. وفي الوقت الذي يبدو فيه أنّ دافع المانحين وراء ترويج تطوير الجامعات يتمثل أساسا في تشجيع التنمية الاقتصادية، وتالياً في ثني الأشخاص عن الهجرة إلى أوروبا، تكون الأهداف المعلَنة لذلك هي الدمقرطة وتحسين الحكم.
وخلافاً للإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها المجتمع الدولي أحياناً، فإن القادة العرب هم من يسعى غالباً للحصول على الخبرة الأجنبية في الإصلاح التربوي، لمساعدتهم في تطبيق إصلاحات غير شعبية وتخطّي المقاومة الداخلية لها. ففي عام 1995، طلب ملك المغرب الحسن الثاني من البنك الدولي تزويده بتقرير عن مسائل الإصلاح الاجتماعي. وقد استخدم هذا التقرير لاحقاً لتطويق موقف مجلس النوّاب من التعليم المجاني، وفرْض قرار يقضي بتحصيل رسوم تسجيل.
كما نظّم وزير التعليم العالي المصري، مفيد شهاب، مؤتمراً وطنياً لحشد الدعم لبرنامج إصلاحي سيموّله البنك الدولي. حيث ينقل البرنامج مجال التركيز في إصلاح التعليم العالي من توسيع نطاق الإفادة من هذا التعليم إلى تحسين النوعيّة.
وفي حين تستمرّ المنظّمات الدولية في ممارسة ضغوط لتطبيق استراتيجيات شاملة لإصلاح القطاع التربوي، تعتمد مصر والمغرب حتّى الآن مقاربات انتقائية تضيف طبقات جديدة إلى النظام التربوي بدلاً من إصلاحه كليا. علاوةً على ذلك، تولد الجهود الإصلاحية في بيئة سلطوية تشوّهاً حاداً في نقل النماذج الأجنبية.
وبينما يستغل صانعو القرار في المغرب ومصر التعاون مع البنك الدولي ومانحين آخرين للإقلاع عن بعض الأنماط القديمة مثل التعليم الجامعي المجاني، تظلّ أنماط أخرى مثل الإدارة المركزية للجامعات وعدم تمتّعها بالاستقلالية الذاتية ثابتة كما هي.
في المغرب مثلا تطبق بعض الخطوات الإصلاحية، مثل عدم تسييس اختيار عمداء الجامعات، في صورة جزئية. وتستند الآلية الجديدة التي يعتمدها المغرب لاختيار هؤلاء العمداء إلى درجة معيَّنة من المنافسة بينما يُترَك الخيار الأخير للملك. كما أن الجهود الرامية إلى تحسين نوعيّة التعليم تركّز أكثر على الكليات التي تعاني أقلّ من غيرها من الأزمة الأساسية المتمثِّلة باكتظاظ الأعداد، مثل:كليات الصيدلة والطب والعلوم والهندسة. فحتّى الآن، لم تُخصَّص موارد لإصلاح كلّيتي المحاماة والتجارة اللتين تضمّان العدد الأكبر من الطلاّب.
إلى جانب المقاربة الانتقائية للإصلاحات، ينتمي المستفيدون من الإصلاح والتعاون الدولي إلى طبقة اجتماعية مقتصرة على فئة معيَّنة. على سبيل المثال، تخلق الطفرة الحالية في الجامعات الخاصة في مصر فرصاً للمصريين المهتمين بالنشاط الخيري كي يستثمروا في قطاع التعليم ويَظهروا في صورة مروِّجي "مجتمع المعرفة" الذي تتحدّث عنه "تقارير التنمية البشرية العربية" الصادرة عن "برنامج الأمم المتّحدة للتنمية". ونتائج هذه الاستثمارات متاحة فقط لعدد ضئيل من الطلاّب الذين يستطيعون تسديد تكاليف التعليم الخاص. ويُفيد منها أيضاً سياسيّو النخبة حيث تؤمّن لهم اللجان وحلقات العمل والأسفار والمؤتمرات الكثيرة التي تنظّمها المنظّمات الدولية، منبراً مهماً يقدّمون أنفسهم من خلاله روّاداً حقيقيين للإصلاح.

فلوريان كوستال زميل أبحاث في "مركز الدراسات والتوثيق الاقتصادي والقانوني والاجتماعي" في القاهرة.