بدّد الجمود في مجلس الأمن الدولي حتى الآن الآمال الدولية في إيجاد نهاية للأزمة السورية. ولذا يتعيّن على الولايات المتحدة وروسيا الآن إيجاد آلية عملية لتنفيذ عملية انتقال سياسي في سورية.

أسفر الصراع السوري، الذي مضى عليه قرابة سنتين إلى الآن، عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص، وجلب الدمار إلى البلاد وزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. غير  أن الجمود في مجلس الأمن الدولي بدّد الآمال الدولية حتى الآن في وضع حدّ للأزمة. في ورقة جديدة صادرة عن مركز كارنيغي، بعنوان "التحالف الافتراضي: السياسة الروسية تجاه سورية، يجادل ديمتري ترينين بأن سياسة روسيا تتيح فرصة كبيرة للتعاون الدولي للتوصّل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

وبهدف مناقشة النتائج التي توصّل إليها التقرير، استضاف مركز كارنيغي للشرق الأوسط السيد ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو، وجهاد الزين وهو كاتب عمود ومحرر بارز في صحيفة النهار في بيروت، ويزيد صايغ، الباحث الأول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. أدار الجلسة السيد بول سالم مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

النقاش

جادل ترينين في أن سياسة روسيا بشأن سورية تتعرّض إلى سوء الفهم. وقال إن هناك قصة أوفى حول سياسة روسيا تجاه سورية مما تقدمه وسائل الإعلام السائدة.

  • أسس السياسة الروسية: سلّط ترينين الضوء على أربع مستويات من حيث الأهمية، لسياسة روسيا تجاه سورية:
  1. القلق بشأن النظام العالمي: قال ترينين إن روسيا مهتمة أساساً في مسألة السيادة الوطنية. فموقف روسيا بشأن سورية يقوم على تجربتها في ليبيا، حيث شعر واضعو السياسات بأنهم خدعوا بسبب التدخل في نهاية المطاف بعد أن وافقت روسيا على الحملة التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو).
     
  2. القلق من الربيع العربي: على عكس الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، كانت روسيا في البداية أقلّ تفاؤلاً بشأن التطورات الإقليمية. وأضاف ترينين أن معظم المحللين الروس متفقون الآن على أن القوى الإسلامية هي أكبر المستفيدين من الربيع العربي، وهي النتيجة غير المرغوبة التي صاغت وجهة نظرهم تجاه الأزمة السورية.
     
  3. الجوانب العسكرية: سورية ليست سوقاً رئيسة للأسلحة أو حليفاً إستراتيجياً لروسيا، رغم وجود وجهات نظر شائعة توحي بخلاف ذلك. وقال ترينين إن روسيا أعفت دمشق بالفعل من ثمن مبيعات أسلحة بقيمة مليارات الدولارات، كما أن هناك مبالغة في أهمية القاعدة البحرية الروسية في سورية.
     
  4. تنامي الروحانية الأرثوذكسية: قال ترينين إن الكنيسة الأرثوذكسية والكرملين دخلا في تحالف حقيقي. وقد تسنّم الكرملين دور الزعيم الروحي للمسيحية، وأسهمت هذه السياسة في تعزيز القلق الروسي من العناصر الإسلامية في صفوف الثوار السوريين وتأثيرها على الأقلّيات المسيحية في المنطقة.
  • المسؤولية الدولية: أكد ترينين أن الجهات الفاعلة الدولية قد فشلت بشأن سورية، وأن كل دول العالم، بما فيها روسيا والولايات المتحدة، تتحمّل بعض المسؤولية. ومع أن سورية تسير بسرعة نحو التحوّل إلى دولة فاشلة، فقد دافع ترينين عن الحاجة للتوصل إلى تسوية على غرار اتفاق "دايتون" تشجّع جميع الأطراف على التوصّل إلى حلّ سياسي.

رأي مناقض

  • تحليل موضوعي: أشاد الزين بالمقاربة الشاملة للورقة في تناولها للسياسة الروسية وتقييمها الموضوعي لجميع وجهات النظر السياسية، بما في ذلك تلك التي اختلف معها ترينين.
     
  • علاقة إستراتيجية: كما اعترض الزين على توصيف ترينين للعلاقات الروسية - السورية باعتبارها "تحالف افتراضي". وقال الزين، مستشهداً بالدعم العسكري والعملياتي الروسي للحكومة السورية، إن روسيا وسورية قد دخلتا في علاقة استراتيجية، وهو عكس ما تقوله الورقة تماماً.

طريق إلى الأمام

  • الحد الأدنى من المصالح الإستراتيجية: اتّفق صايغ مع حجّة ترينين بأن سورية ليست ضرورية للمصالح الإستراتيجية لروسيا، وكذلك زعمه بأنه لا الولايات المتحدة ولا روسيا لديها نزاع دولي كبير على سورية. وأبرز صايغ نقاط عدة رئيسة:
     
  • سورية ليست فيتنام: قال صايغ إن الصراع السوري لن ينتهي على غرار تورّط الولايات المتحدة في فيتنام. فلن تكون هناك أي صور للمستشار الروسي الوحيد المتبقي وهو يغادر سورية، كما كان الحال مع الولايات المتحدة في العام 1975.
     
  • بقاء محتمل للنظام: قال صايغ إنه بينما ستستمر سلطة النظام البعثي بالتآكل، فإن انهيار النظام أمر غير محتمل. بدلاً من ذلك، فإن النتيجة الأكثر احتمالا هي بروز "قوة ثالثة" تتألف من البعثيين وشخصيات معارضة. وأضاف صايغ أن الولايات المتحدة وروسيا سترحّبان بهذه النتيجة.
     
  • ينبغي إعادة إشراك روسيا: اتّفق صايغ مع ترينين بأنه يجب إشراك روسيا بشكل مختلف. ومع ذلك، ولأن الحكومة السورية الحالية لن تبقى على الأرجح في شكلها الحالي نفسه، فإنه يجب على روسيا أيضا أن تقبل هذه النتيجة المنقوصة من أجل مصالحها.
     
  • إيجاد حل سلمي: شكك صايغ فيما إذا كان اتفاق على غرار "اتفاق دايتون" أو "اتفاق الطائف" مثالياً، بالنظر إلى أن كلا التسويتين استندتا إلى الهويات الطائفية أو المذهبية. وأعرب عن القلق من أن العنف هو الذي سيحدّد النتيجة في سورية بدلاً من الاعتدال والمشاركة، بالنظر إلى أنه لا الولايات المتحدة ولا روسيا لديها مصالح كبرى في سورية.

ردّ ترينين 

  • علاقة الزبون: أوضح ترينين أن سياسة روسيا تجاه سورية هي أقرب إلى علاقة زبون أكثر  منها تحالفاً حقيقياً، ومن هنا كان استخدامه لمصطلح "التحالف الافتراضي". وبينما أكّد ترينين أن روسيا تقدّم الدعم الاستراتيجي للحكومة السورية، فإنه يرى في ذلك تقييماً محسوباً مفاده أن الحكومة الحالية هي أفضل بديل لانهيار النظام أو لحكم الإسلاميين، وليس دليلاً على وجود تحالف.
     
  • المصالح الجوهرية: أضاف ترينين أن دعم الحكومة السورية، بالنسبة لروسيا، يتعلق بحماية مصالحها الجوهرية أكثر منه هيمنة جيوسياسية في الشرق الأوسط، كما كان الحال خلال الحرب الباردة.

واختتم ترينين ملاحظاته بالتأكيد على أن الولايات المتحدة وروسيا نأتا بنفسيهما كثيراً عن الأزمة السورية، وأن كلا الطرفين مسؤولان جزئياً عن استمرار العنف. وكرر وجهة نظره القائلة إن روسيا لاتريد الإبقاء على النظام، وإنما منع بروز بديل أسوأ في سورية، مع أن السياسات الخارجية الروسية والأميركية فشلت في تفادي تلك النتيجة حتى الآن.