بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الثورات العربية ضد الأنظمة الدكتاتورية وغياب العدالة والحكم الرشيد، تبدو العملية التحولية متعثرة، باستثناء تونس. وتواجه هذه العملية تحديات عدة من قوى متمسكة بالوضع القائم لحماية مصالحها، وأخرى راديكالية مثل "داعش" تستخدم مفهومها الخاطئ للدين، في محاولة لإرجاع العالم العربي عدة قرون للوراء. يجري كل ذلك بينما تواجه العديد من الدول العربية تحديات اقتصادية جمة أيضاً؛ فلا النظام الريعي قابل للاستمرار، بل أدى لمعدلات عالية من عجز الموازنة والدين العام تنذر بعواقب وخيمة سيتحملها الجيل المقبل، ولا السياسات التي تعتمد اقتصادات السوق بالمطلق من دون مواكبتها بتطوير نظم مراقبة حقيقية حلت المشكلة، بل زادت الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة وفاقمت مشكلة الفساد.

ضمن هذه المعطيات، من حق المواطن العربي أن يسأل: إلى أين نحن سائرون؟ وما هي السياسات المطلوبة للخروج من هذه الأزمة والوصول لبر الأمان؟ لن يجري هذا بالعنتريات وإنكار الحقائق، ولا بالاستسلام لمستقبل نحكم عليه بالمظلم من دون أن نعمل على الأرض لتطويره.
أجزم أن غالبية الناس تريد مجتمعات تعددية مسالمة متسامحة عادلة ومزدهرة. مثل هذه المجتمعات لا تتحقق بمجرد الحلم بها، ولا تتحقق أيضاً من دون كلفة.

مروان المعشّر
مروان المعشّر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الدبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والاتصالات.
More >

مطلوب منا جميعا أن نسأل إن كنا مستعدين لتحمل الكلف المطلوبة للوصول لمجتمعات مزدهرة، أم أننا مكتفون بالمراقبة أو التحسر أو الاستسلام. هناك مواضيع عديدة اعتبرناها أو اعتُبرت لنا من المحرمات، فتحاشينا الخوض فيها حتى انتهينا إلى وضع باتت فيه قلة متخلفة من الناس، مثل "داعش"، قادرة على خلق الذعر لدى أغلبية الناس. مطلوب اليوم أن نناقش المواضيع كافة وبصراحة متناهية، فقد قتلتنا الضبابية و"بوس اللحى" و"الطبطبة" على الأمور.

مشروع أن نسأل اليوم إن كنا مستعدين للخوض في موضوع الإصلاح الثقافي والتقوقع الذي رافق التعليم الديني في المائة سنة الماضية. كيف منع الاجتهاد الديني فعليا، حتى أوصلنا هذا التقوقع لأمثال أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي؟ أليس نظامنا التعليمي مسؤولا عن ذلك؟ وهل يُخلق مثل هذا الفكر التكفيري بين ليلة وضحاها؟ لا نستطيع اعتبار هذا النقاش من المحرمات إن أردنا خط طريق جديدة تحترم النقد والتمحيص والديانات الأخرى، وتدرك استحالة احتكار الحقيقة في عالم اليوم. ما دور مؤسسات كالأزهر والنجف في ذلك؟ أولسنا أصحاب "رسالة عمان" التي تعترف بالمذاهب السنية والشيعية وغيرها، فما بالنا ننتفض لأقل اختلاف عما نؤمن به نحن؟ 

مشروع أن نسأل اليوم إن كنا مستعدين لإصلاح سياسي حقيقي يؤدي إلى تشارك السلطة، وتطوير بيئة حاضنة جديدة لا تشعر بالتهميش؛ أم أننا نعتقد أنه ما يزال بالإمكان إطلاق الوعود ودغدغة العواطف من دون ترجمة ذلك على الأرض خطوات حقيقية وملموسة؟ العالم تغير، وعالمنا تغير أكثر، وما نزال نريد معالجة تحديات اليوم بسياسات الأمس.

مشروع أن نسأل اليوم إن كنا مستعدين لدفع الكلفة الاقتصادية التي تقودنا في النهاية إلى اقتصاد مستدام ذاتي النمو، أم أننا نعتقد أن بوسعنا الاستمرار في الاعتماد على المصادر الخارجية إلى أبد الآبدين، أو تسويف المشكلة للجيل المقبل؟

مشروع أن نسأل إن كنا نصر على تقسيم أنفسنا بناء على هوياتنا الفرعية، وقد رأينا أين أدت هذه السياسات من اقتتال داخلي في لبنان وسورية والعراق، أم أننا مستعدون لبناء مجتمعات اندماجية تعددية، تشكل حواضن للإبداع والابتكار بدلا من العنف والاقتتال؟

مشروع أن نسأل؛ فلا محرمات بعد اليوم، إن كانت لفلفة الأمور ستقودنا إلى فكر وحضارة "داعش". هل نمتلك مشروعا فكريا حضاريا لمجابهة أمثال "داعش"؟ وهل نحن مستعدون لتطوير مثل هذا الفكر، أم سنواصل دفن رؤوسنا في الرمل والتغني بعنتريات زائفة، وتخوين كل من يطرح فكرا مختلفا؟

إن لم نكن مستعدين لمواجهة هذه الأسئلة والعمل لحلها، فلا نلومن غيرنا على ما يحل بنا.

نُشِرت هذه المقالة في الغد.