المصدر: Getty
مقال

الانتخابات البلدية في تونس

ينظر أربعة خبراء في التبعات التي يمكن أن تترتب على الأحزاب السياسية، والقوى الأمنية، واللامركزية، والانتقال الديمقراطي، بعد أول انتخابات محلية حرة ونزيهة في تونس.

 نقاش نقاش صدى
نشرت في ١٠ مايو ٢٠١٨

في السادس من أيار/مايو، شهدت تونس أول انتخابات بلدية منذ الثورة في العام 2011، وأول انتخابات محلية حرة ونزيهة في تاريخ البلاد، والتي يؤمَل على نطاق واسع بأن تساهم في قيام سلطات محلية أكثر مشروعية وشفافية وذات سيطرة أكبر على التنمية المناطقية. غير أن نسبة الاقتراع في هذه الانتخابات التي قد يتبيّن أنها محورية، كانت متدنّية وسط مشاعر التململ، على مستوى البلاد، من الأحزاب السياسية التقليدية، وسياسات التقشف الاقتصادي التي تنتهجها الحكومة، وتعثُّر الجهود الآيلة إلى مكافحة الفساد وتطبيق اللامركزية، والصراعات داخل الأحزاب. فهل وضعت الانتخابات البلاد على السكة نحو تحقيق تقدّم في هذه المسائل، وما هي المؤشرات التي تحملها في ما يتعلق بمواقف الناخبين من السياسات الراهنة؟

ينظر أربعة خبراء في تبعات الانتخابات على الأحزاب السياسية، وقوى الأمن، واللامركزية، والانتقال الديمقراطي.

المستقلون يقطعون خطوة نحو الأمام

هيفاء مزالوات

هيفاء مزالوات، صحافية تونسية تكتب في موقع "إنكيفادا". لمتابعتها عبر تويتر HaifaMz@

أُرجِئت الانتخابات البلدية التونسية مراراً وتكراراً، خلال الأعوام السبعة الماضية، بسبب صعوبات متعددة داخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والتأخير الحكومي في وضع مجلة قانونية جديدة تنظّم عمل المجالس المحلية، والتي أقرّها البرلمان قبل عشرة أيام فقط من الانتخابات. وفي مؤشر لافت، جرى الترويج للانتخابات بأنها وسيلة لمنح سلطات ملموسة للمسؤولين المحليين، لا سيما في المناطق الفقيرة، وتوعية السكان على نموذج لامركزي جديد.

لكن، وبحسب ما توقّعته استطلاعات الرأي، كانت نسبة المقاطعة مرتفعة جداً. فوفقاً للنتائج الرسمية الأولية الصادرة عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بلغت نسبة الاقتراع 35.6 في المئة فقط من مجموع الناخبين المسجّلين. ثمة عوامل عدّة تقف خلف إحجام الناخبين عن الاقتراع، من أبرزها غياب الثقة بالعملية الانتخابية والحزبَين الأساسيين، النهضة ونداء تونس. ساهم هذا الموقف في تحقيق فائدة ضئيلة للقوى السياسية الأصغر حجماً، مثل التيار الديمقراطي أو الجبهة الشعبية، التي نالت مجمتعةً 13.42 في المئة من الأصوات.

لقد تمكّنت حركة النهضة، بفضل قاعدتها الناخبة الناشطة، من التغلّب على خصمها، نداء تونس، فاستحوذت على 29.68 في المئة من المقاعد، ونالت أكثرية من الأصوات في العاصمة تونس وفي صفاكس، المدينتَين الأكبر في البلاد. بيد أن الحركة الإسلامية فقدت زخمها وخسرت عدداً من ناخبيها منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة. كما أنها ستُضطرّ إلى بناء تحالفات في عدد كبير من المجالس البلدية، منها في العاصمة تونس، حيث لم تتمكّن من نيل أكثرية مطلقة.

يُظهر التراجع في نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب نداء تونس، والتي بلغت 22.17 في المئة – بالمقارنة مع 37.65 في المئة في الانتخابات التشريعية في العام 2014 - أن السياسات التي تنتهجها هذه القوّة السياسية المسيطِرة هي موضع انتقاد من عدد كبير من التونسيين. فالائتلاف الذي شكّله نداء تونس مع النهضة، وفشله في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فضلاً عن الانقسامات في صفوفه، دفعت بالناخبين إلى الابتعاد عن الحزب المسمّى "حداثي".

المفاجأة الأكبر هي أن الانتخابات أفضت إلى تحقيق خرق من قبل قوائم المستقلين التي تمكّنت مجتمعةً من حصد 32.9 في المئة من أصوات الناخبين، فنالت بذلك العدد الأكبر من المقاعد. غير أن هذه النتيجة لا تكشف بالضرورة عن تفضيل المرشحين المستقلين على المستوى السياسي، بقدر ما تُظهر الاستياء من النهضة ونداء تونس. وعلى ضوء التباينات في أيديولوجيات هؤلاء المستقلين وبرامجهم، من الصعب التوقُّع إذا كانوا سيتمكّنون أم لا من تشكيل قوة معارِضة متماسكة.

قدرة المستقلين الحقيقية على التأثير في السياسات سوف تتوقّف على التحالفات التي سيشكّلونها في المجالس البلدية التي ستختلف تركيبتها الحزبية بحسب المحلة، وكذلك على الاستراتيجيات السياسية لحلفائهم المحليين في الانتخابات التشريعية في العام 2019. 

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لامركزية شكليّة

ملاك لكحل

ملاك لكحل، صحافية في موقع "نواة" وباحثة في العلوم السياسية.

شهدت تونس انتخاباتها المحلية الأولى بعد إطاحة بن علي. بيد أن اللامبالاة كانت ملموسة إلى حد كبير في أوساط الرأي العام، مع بلوغ نسبة الاقتراع 35.6 في المئة فقط من الناخبين المسجّلين.

كان الهدف من هذه الانتخابات أن تشكّل خطوة أولى نحو مبادرة إصلاحية من الممكن جداً أن تكون الأهم في الحوكمة التونسية منذ الاستقلال: اللامركزية. الفكرة هي أنه في حال أتيحت للمجتمعات المحلية فرصة تقرير مصيرها، فسوف تكون لديها حظوظ أفضل للتطوّر وتوليد الثروات.

لطالما عانت المناطق الأقل تطوراً من أن صنّاع القرارات هم عادةً من الساحل ويُقيمون في الساحل، ولذلك ليسوا مطّلعين عن كثب أو لا يسعون للاطلاع عن كثب على احتياجات المناطق. بيد أن تنظيم انتخابات محلية لن يُعوِّض عن مئات السنين من التنمية غير العادلة إذا لم يترافق مع إرادة سياسية واضحة لتغيير الطريقة التي بُنيت بها الدولة التونسية سياسياً واقتصادياً وثقافياً – إنما من الواضح أن هذه الإرادة غائبة عن طريقة تعاطي السلطات مع التحركات الاجتماعية الأخيرة التي تطالب بإعادة توزيع الثروات بطريقة أكثر إنصافاً.

تُقدّم بلدتا الكامور وجمنة مثالَين واضحين جداً عن عدم استعداد السلطات للتغيير. فقد شهدت محافظة تطاوين احتجاجات من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو 2017. وفي خطوة لافتة، أوقف المحتجّون الإنتاج في منشأة النفط والغاز في الكامور جنوب مدينة تطاوين، مطالبين بتخصيص خُمس الأرباح لتنمية المحافظة حيث نسبة البطالة هي الأعلى في البلاد. وقد فسّر السياسيون والمعلّقون هذه المطالب بأنها تهديدٌ للوحدة الوطنية، على الرغم من أن الدستور ينص على أنه ينبغي على الحكومة ممارسة "التمييز الإيجابي" في توزيع الثروات من أجل تحقيق تنمية أكثر عدلاً. ونفهم موقفهم في شكل أفضل انطلاقاً من أن الخطاب الرسمي ردّد، على امتداد أكثر من ستين عاماً، أن الموارد هي ملكٌ "للشعب التونسي" بالتساوي، وأن التنمية لا تتحقق إلا عن طريق "الوحدة" – على الرغم من أن هذه السردية استُخدِمت ذريعة لتبرير السياسات القائمة على إعطاء الأفضلية للمناطق الساحلية وإٍسكات الأطراف على امتداد عقود من الزمن.

قرّر سكان جمنة، وهي قرية صغيرة واقعة جنوب غرب تونس، احتلال الواحة المملوكة من الدولة في العام 2011، والاهتمام بزراعتها بأنفسهم، فأنشأوا جمعية حماية واحات جمنة بهدف إدارة المشاريع الزراعية والإنمائية في القرية. وقد سجّلت الأرباح التي يجنونها من إنتاج البلح زيادة كبيرة، ما أتاح لهم بناء منشآت جديدة في القرية، مثل ملعب رياضي وقاعة تدريس. لكن على الرغم من التأثير الإيجابي، جُمِّد الحساب المصرفي العائد لجمعية حماية واحات جمنة في تشرين الأول/أكتوبر 2016 بقرار من السلطات التونسية التي اعتبرت أنه لا يحق لهم زراعة الأرض. وقد أُعطِيت الأولوية للسيادة والوعد الانتخابي الأساسي الذي قطعه الرئيس الباجي قائد السبسي بإعادة فرض "هيبة الدولة"، وذلك على حساب التنمية اللامركزية والمكتفية ذاتياً.

لقد درجت السلطات التونسية، منذ وقت طويل، على تلبية المطالب السياسية للمقرِضين الدوليين عن طريق الإصلاحات التشريعية، من دون أن تُغيِّر الكثير في تصرّفاتها على الأرض. عند النظر إلى رود الفعل على المبادرات والمطالب الساعية إلى تطبيق الحوكمة اللامركزية، من الممكن أن تكون هذه الانتخابات والمجالس التي ستنبثق عنها مجرد مجموعة إضافية من الإصلاحات "الشكلية" الموجودة فقط على الورق.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية

القوى الأمنية والتوازن بين السياسة والحياد

شاران غريوال

شاران غريوال طالب دكتوراه في مادة السياسة في جامعة برنستون. لمتابعته عبر تويتر sh_grewal@

في 29 نيسان/أبريل، صوّت العسكر وقوى الأمن الداخلي في الانتخابات البلدية في تونس. إنه حدث تاريخي، لأنها المرة الأولى في تاريخ تونس التي يُسمَح فيها لهذه الفئة بالإدلاء بأصواتها في الانتخابات. في حين أن نسبة التسجيل والاقتراع كانت أكثر تدنّياً بالمقارنة مع النسبة لدى المدنيين، إلا أن عملية التصويت تمّت بسلاسة. 

كان الرئيس التونسي المؤسِّس، حبيب بورقيبة، قد منع عناصر الجيش والحرس الوطني من التصويت، خوفاً من أن يؤدّي التدخل في السياسة الانتخابية إلى تسييس هذه القوى، وبالتالي تسهيل حدوث انقلاب. وكان لخلفه زين العابدين بن علي الرأي نفسه، وقد وسّع نطاق الحظر ليشمل ما تبقّى من قوى الأمن الداخلي. لكن في العام 2017، قرّر البرلمان، بدفعٍ من النقابات الأمنية والأحزاب العلمانية التي كانت تأمل بكسب أصوات الجيش والعناصر الأمنيين، منح العسكر وقوى الأمن حق الاقتراع في الانتخابات البلدية للعام 2018.

ومن أجل الحفاظ على حياد العناصر الأمنيين واحترام وظائفهم، فرضت هيئة الانتخابات في تونس العديد من القيود على اقتراعهم، بالتشاور مع وزارتَي الدفاع والداخلية. صوّتت قوى الأمن قبل أسبوع من اقتراع المدنيين، كي يُتاح لها بسط الأمن الكامل في انتخابات 6 أيار/مايو. ولم يُسمَح لهم بالمشاركة في أي جزء من الحملة الانتخابية، بما في ذلك حضور اجتماعات حزبية – على الرغم من أن بعض الأحزاب السياسية، مثل حزب نداء تونس، ظلّت تبذل محاولات لاستقطاب أصواتهم. ومن أجل الحؤول دون اطّلاع الرأي العام على أسماء العناصر الأمنيين الذين تسجّلوا وأدلوا بأصواتهم، لم تُنشَر قوائم بأسماء الناخبين المسجّلين خارج مراكز الاقتراع، ولم يُطلَب من الناخبين من قوى الأمن تغميس أصابعهم بالحبر، ولم يُسمَح بإجراء مقابلات إعلامية ولا استطلاعات للآراء عند الخروج من مراكز الاقتراع. وخُلِطت صناديق الاقتراع مع الصناديق حيث أدلى المدنيون بأصواتهم، قبل عملية الفرز كي لا يكون بالإمكان معرفة ما أفضت إليه نتائج اقتراع القوى الأمنية.

أثارت هذه القيود ردود فعل متفاوتة لدى الجيش والقوى الأمنية. ففي حين أعرب عميد متقاعد عن تفاؤله لأن القيود "تتيح الحفاظ على حياد الجيش"1، وجد آخرون أنها "مهينة". وقد علّق العميد المتقاعد محمد المزوغي، رئيس جمعية قدماء ضباط الجيش: "إما لم يكن يجب السماح للجيش بالتصويت قبل اكتمال الانتقال إلى الديمقراطية، وإما كان يجب السماح لهم بالتصويت مع منحهم كامل الحقوق التي يتمتع بها باقي الناخبين".2

وقد شهدت قوى الأمن الداخلي انقساماً مماثلاً. ففي حين شجّع الاتحاد الوطني لنقابات قوى الأمن التونسي الضباط على الإدلاء بأصواتهم على الرغم من هذه القيود، حضّت النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي أعضاءها على المقاطعة. وفي هذا الإطار، شرح شكري حمادة، المتحدث باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، أن حق التصويت الذي حصلوا عليه هو حقٌّ "مشروط": إذا لم يكن بإمكانهم المشاركة في الحملة، "فكيف لهم أن يعرفوا لمَن يصوّتون وما هي برامجهم الانتخابية؟" كذلك اعتبرت النقابة أنه على العناصر الأمنيين أن يحافظوا على حيادهم عبر الامتناع عن التصويت، مع أنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن السياسيين لا يستحقّون أصواتهم لأنهم لم يُقرّوا بعد مشروع قانون "زجر الاعتداء على القوات المسلحة". في محصّلة الأرقام، ومن أصل 111152 عسكرياً وعنصراً أمنياً، تسجّل 33 في المئة فقط للتصويت، و12 في المئة فقط من المسجّلين (أي 4 في المئة من مجموع العناصر)، أدلوا بأصواتهم. تعكس نسبة الاقتراع المتدنّية، من جملة ما تعكسه، الحياد التاريخي لهذه الفئة من التونسيين، واستياءها من القيود الآنفة الذكر - وقلّة اهتمامها عموماً بالانتخابات البلدية، شأنها في ذلك شأن الناخبين المدنيين.

لكن وفي حين أن نسبة الاقتراع كانت متدنّية، تمّت عملية التصويت بسلاسة، مع خروقات قليلة للقيود. ومع إرساء هذه السابقة، من الممكن أن تضغط النقابات الأمنية من أجل الحصول على حق التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة – إنما هذه المرة مع المطالبة بحقوق متساوية مع حقوق الناخبين المدنيين.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.


1. مراسلات شخصية، 27 نيسان/أبريل 2018.
2. مراسلات شخصية، 26 نيسان/أبريل 2018.

تدعيم الديمقراطية

أمير الصفاقسي

أمير الصفاقسي، زميل فولبرايت في الجامعة الأميركية ومستشار في شؤون السياسات العامة. لمتابعته عبر تويتر @EmirSX

على الرغم من تدنّي نسبة الاقتراع التي بلغت 35.6 في المئة (بالمقارنة مع 69 في المئة في الانتخابات التشريعية في العام 2014)، كانت نتائج الانتخابات البلدية التي أجريت في تونس في السادس من أيار/مايو، إيجابية في الإجمال. فقد حقّق الشباب والنساء تمثيلاً واسعاً، وظهر قادة محليون على رأس قوائم مستقلة وغير حزبية، وتمت مراعاة قواعد النزاهة والشفافية حتى ولو سُجِّلت حوادث طفيفة، وتولّت منظمات أهلية محلية مراقبة الانتخابات. وهذا يُحيي الآمال بأن النموذج "الناجح" الوحيد في الربيع العربي قادر على تدعيم الديمقراطية على الرغم من المناخ السياسي الصعب والأوضاع الاقتصادية الخانقة.

اللافت هو ظهور جيل جديد من القادة الشباب، الذين كان عددٌ كبير منهم منخرطاً بنشاط في منظمات المجتمع المدني. فاز الشباب دون سن الـ35 بنسبة 37.57 في المئة من المقاعد (وفاز الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 35 إلى 45 عاماً بنسبة 25.87 في المئة). يُظهر العدد المرتفع من الشباب الذين انتُخِبوا في المجالس المحلية، زيادة بناء القدرات والدعم استجابةً للمطالب التي رفعتها منظمات المساعدات الدولية والمنظمات الأهلية من أجل توفير أرض خصبة للشباب تفتح أمامهم أبواب المشاركة السياسية. لكن المفارقة أـنه على الرغم من التمثيل الشبابي المرتفع، كانت نسبة الاقتراع متدنّية في أوساط الشباب، وقد أعرب المراقبون عن مخاوفهم بشأن عدم إقبال الشباب على الاقتراع.

علاوةً على ذلك، فازت النساء بـ47 في المئة من مقاعد المجالس البلدية – مع أنهن كنّ يشكّلن، وفقاً لإحصاءات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، 29.7 في المئة فقط من رؤساء القوائم الانتخابية التي يجب أن تضم حصصاً معيّنة من الرجال والنساء. وتُساهم هذه النتائج أيضاً في تسلّم النساء أدواراً قيادية في المجالس المحلية. وقد أعربت سعاد عبد الرحيم، رئيسة قائمة النهضة في انتخابات المجلس البلدي في العاصمة تونس، عن استعدادها لتولّي منصب رئيسة البلدية بعد فوزها في الانتخابات، ما أثار بعض السجال، ليس فقط لأن "شيخ المدينة" يصبح تقليدياً رئيس بلدية العاصمة، إنما أيضاً لأن عبد الرحيم تواجه انتقادات لاذعة على خلفية موقفها القائل بعدم جواز حصول الأمهات العازبات على مساعدات اجتماعية.

ومن المنتصرين الكبار الآخرين في هذه الانتخابات قوائم المستقلين التي حصدت 2367 مقعداً (32.9 في المئة من الأصوات). على الرغم من أن هذه القوائم فازت بأكثرية المقاعد، غالب الظن أنها لا تعبّر في شكل وافٍ عن جاذبية المرشحين المستقلين وقدرتهم على الاستقطاب. لقد توقّعت النهضة، على وجه الخصوص، هذا السيناريو، واستغلّته بذكاء عبر فتح قوائمها أمام المستقلين والقادة المحليين للترشّح تحت رايتها والإفادة من دعمها المالي واللوجستي من أجل تنظيم حملاتهم. وقد عادت هذه الخطة بثمارها على النهضة التي حلّت في المرتبة الثانية مع 2135 مقعداً (29.68 في المئة من الأصوات).

إنما ينبغي على الأحزاب السياسية الرئيسة التعاطي بجدّية مع تدنّي نسبة الاقتراع، وما أظهره الناخبون من تفضيل للمرشحين غير الحزبيين. من الممكن اعتبار الانتخابات البلدية بمثابة محك اختبار للانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستجرى في العام 2019. يبدو أن البلاد هي في الحضيض اقتصادياً، مع بلوغ التضخم مستويات قياسية، وتسجيل الدينار تراجعاً مستمراً في قيمته، ما يتسبّب بالحد من الاستثمارات ومن استحداث الوظائف. إذا لم تتحقق المعافاة الاقتصادية، سوف يؤدّي الاستياء من الوضع القائم إلى تعاظم اللامبالاة لدى الناخبين، وسوف تجد الديمقراطية التونسية صعوبة أكبر في الاستمرار وتثبيت دعائمها.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.