ألحقت حرب صيف 2006 بين حزب الله وإسرائيل دمارا فظيعا بلبنان. 1200 قتيل (ثلثهم أطفال)/ 4000 جريح، 160000 وحدة سكنية دمرت أو تضررت، أكثر من 80 جسرا دمر ومئات المصانع والأشغال تحطمت. أرجعت لبنان اقتصاديا سنوات إلى الوراء، كلفت ما يقرب من 7 بلايين دولار أمريكي، أو 30 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي. في الوقت نفسه خلق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بعض الإمكانات لدفع الإصلاح السياسي.

فبنشر الجيش اللبناني إلى الجنوب وإعادة سيطرته على نقاط العبور مع سورية ( وكذلك طرق الدخول البحرية والجوية إلى البلاد)، استعاد لبنان واحدا من أحجار الزاوية للسيادة: السيطرة على الحدود. مع ذلك، فالدولة لا تملك بعد احتكارا للسلطة. سيستبقي حزب الله أسلحته واستقلاله في الوقت الراهن، وما زال يسيطر على الضواحي الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى في سهل البقاع. يكرر القرار 1701 "أهمية نشر سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية" والحاجة إلى "نزع سلاح الجماعات المسلحة جميعا" لكنه يترك هذه المهام للحكومة اللبنانية. فقط إذا نفذ1701 بالكامل ـ بما في ذلك انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وإعادة الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية ـ ستكون الحكومة في وضع يسمح لها بمناقشة حزب الله في موضوع نزع سلاحه أو على الأقل إدماج وحداته في القوات المسلحة. في تلك الأثناء سيكون التحدي الرئيسي الذي يواجه الحكومة هو بناء قوات الجيش والقوات الأمنية لتؤدي بنجاح مسؤوليتها الوطنية المستجدة والاستفادة من الفرصة المتاحة.

على المستوى الاقتصادي، تواجه الحكومة مهمتين جسيمتين: قيادة جهد كفؤ وشفاف في الإغاثة السريعة للمحتاجين، وحسن ادارة عملية إعادة البناء والاعمار. إنها لا تستطيع تكرار تجربة إعادة الإعمار في تسعينات القرن الماضي، التي كانت موبوءة بالقيود البيروقراطية والهدر والفساد. هذا مجال رئيسي للإصلاح يتطلع إليه كثيرون داخل البلد، كما يتطلع إليها كثيرون في مجتمع المانحين الدوليين. لم توضح الحكومة بعد كيف ستختلف آليات جهدها في إعادة الإعمار عن الأساليب السابقة.
 
أبرزت الحرب بشدة عددا من المسائل السياسية. فالأداء القوي لحزب الله كقوة مقاتلة وكموزع كفؤ لمعونة ما بعد الحرب، وضع ضغطا على الحكومة كي تأخذ الإصلاح بجدية أكبر وأن تبني دولة موثوقة وكفؤة وقوية تلغي الحاجة إلى حزب الله. فعلى رأس البرنامج السياسي الآن الحاجة إلى قانون انتخابي جديد ( اقترحت اللجنة الوطنية لقانون الانتخاب التي عينتها الحكومة مشروعا في شهر يونيو)، وقانونا للامركزية الإدارية، وتقوية المجلس الدستوري والسلطة القضائية، وغير ذلك من الإصلاحات المؤسساتية.

لقد استوعب رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري التوترات الطائفية بكفاءة، لكن الحرب أبرزت الحاجة إلى مشاركة شيعية أعمق في النظام. يتطلب تغيير من هذا القبيل التزاما من القادة داخل الطائفة الشيعية، كما إلى عمل على ما يطلبون من إصلاحات سياسية . لقد طالت مطالبة الشيعة بمؤسسة تشريعية ذات مجلسين، حيث لا تكون المقاعد في الغرفة الدنيا مقررة سلفا على أساس الطائفة، حتى يمكن أن تنعكس أعدادهم المتزايدة في حصة أكبر من السلطة التشريعية. كما طالبوا بأن يشغل شيعي المنصب الرئيسي لوزير المالية، حيث لم يحدث ذلك منذ 1992. لا يجوز أن يكرر الزعماء السُّنة الذين بيدهم السلطة الآن الغلطة التي ارتكبها الموارنة قبل 1975 ـ عندما اعتقدوا أنهم يستطيعون تجنب الشراكة الكاملة مع الطوائف الأخرى.

واجه لبنان الحرب منقسما ما بين ما يسمى جماعة 14 آذار(التي سميت على تاريخ أكبر مسيرة ضد سورية في 2005) والتي تتمتع بأكثرية في البرلمان ومجموعة 8 آذار(التي سميت على المسيرة المؤيدة لسورية التي نظمها حزب الله) والتي تمثل المعارضة التي يقودها حزب الله والزعيم المسيحي ميشال عون، وفي أعقاب الحرب أخذت هذه المعارضة تدعو إلى حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تشرك عون في الحكومة وتزيد من تمثيل حزب الله. رفضت حكومة السنيورة ، قائلة بأنها تتمتع بأغلبية في البرلمان وأنها قامت بعمل جيد أثناء الحرب وبعدها. على أي حال، سيكون على الحكومة في وقت ما أن تمد يدها إلى تلك الجماعات المعارضة، التي تمثل الأغلبية داخل الطوائف المسيحية والشيعية. وتحتاج الجماعات المعارضة بدورها أن تخفف من لهجتها كي تجد أرضا مشتركة مع ائتلاف الأغلبية.
 
من المحتمل أن تتصادم تلك المسائل السياسية في وقت مبكر من العام المقبل. فولاية رئيس الجمهورية الحالي تنتهي في خريف 2007 وستواجه القوى السياسية تحدي محاولة الاتفاق على رئيس جديد يستطيع إقامة جسر بين الانقسامات الراهنة وأن يسهم في بناء دولة لبنانية أكثر اتحادا، وأكثر استقلالا.

بول سالم مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.