هل يمكن توضيح العلاقة بين الطابع المدني لحزب العدالة والتنمية ومرجعيته الإسلامية ؟

نشبهه بالاحزاب الديموقراطية المسيحية في أوربا التي تنطلق برامجها من القيم المسيحية لكنها تقدم برامج مدنية وتتحرك بآليات الفعل السياسي وتنطلق من قيم ومبادئ وتوجهات من منظور مسيحي، ولكنها في الأفعال والتطبيق لا تقوم بفعل ديني أو فعل تعتبره مقدسا وإنما فعل بشري يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية في المجتمع وفق برنامج وهو الشيء نفسه بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فهو حزب سياسي وطني مغربي مدني ولكنه ينطلق من المرجعية الإسلامية التي هي مرجعية الشعب المغربي ولا يمكن أن نتصور حزبا إلا ويأخذ بعين الاعتبار تاريخ ومبادئه الشعب المغربي.

 

برنامج الحزب لم يشر إلى تطبيق الشريعة ، ومع ذلك تصرون على مرجعيته الإسلامية .. كيف تفسرون ذلك ؟

الشريعة شهدت تطورا في معانيها ومضامينها عبر القرون، والشريعة في الأصل هي الدين فالمساواة بين الناس شريعة وتحقيق العدل والتنمية والعمل والإنتاج الجاد وتدبير شؤون المجتمع بنجاح جزء من الشريعة وهي تعني كل ما أتى به الدين من مبادئ وقيم وأحكام ، ومع الأسف الكثير من الناس قزّموا لفظ الشريعة إلى حد أنه أصبح عنوانا لبعض العقوبات الواردة في بعض النصوص وحينما يتحدث أحد عن الشريعة ينصرف ذهن الجميع إلى هذه العقوبات ومن الأفضل إن نستغني عن لفظ تختلف حوله المفاهيم وقد فصلنا ذلك في برنامج الحزب من دون الحاجة لاستخدام هذا الاسم ، كما تضمن البرنامج محاربة الرشوة والفساد والصفقات المشبوهة ، وهذا كله جزء من الشريعة .

 

ماذا لو تعارضت القوانين المدنية مع ما هو متعارف عليه في الشريعة... كيف سيتعامل الحزب مع هذه المشكلة؟

نحن نختلف مع مضمون العديد من القوانين لأسباب متعددة ، ليس لأنها تخالف النصوص ولكن لأنها أيضا غير ناجحة ولا تؤدي الأهداف المرجوة أو ليست في مصلحة البلاد فالإيمان الديني بشيء معين لا يجعله واجب التطبيق في المجتمع إن لم يحز على رضا وقبول المواطنين ، فالمسيحيون يؤمنون بعدم جواز الإجهاض مثلا أو زواج المثليين ويقاومون هذه التشريعات بآليات وقوانين مدنية وليس من خلال نصوص دينية وأحيانا ينتصرون وأحيانا يهزمون وهذه هي المعركة الديموقراطية .

أين هي القواعد الشعبية لحزب العدالة والتنمية وهل تركزون على النقابات ومنظمات المجتمع المدني ؟

جميع أعضاء الحزب ناشطون منذ عقود في الجمعيات الثقافية والفكرية والطوعية التي تعمل في المجال الاجتماعي بمختلف أنواعه كمحو الامية والخدمات الاجتماعية وهذه المجالات تشكل النواة الصلبة لأعضاء حزب العدالة والتنمية ومؤسسات المجتمع المدني هي مجال تواجدنا ، لأن العمل السياسي مستمد من العمل المدني. وأعضاؤنا ينتمون بالأساس للطبقة الوسطى ويوجدون في المدن عكس القرى والارياف التي يكون وجودنا فيها محدودا جدا ومتوسط أعمارهم بين 35 و 40 سنة ، وهم شباب بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى ولدينا منظمة شبابية وسيطة تستقطب الشباب باستمرار بالإضافة إلى جمعيات أخرى تعمل في المجال الشبابي والكشفي والطلابي في الجامعات ونحن موجودون بفاعلية في كل هذه المنظمات المدنية .

تشاركون في الانتخابات منذ النصف الثاني من التسعينات .. ما هي رؤيتكم لهذه المشاركة على المستوى السياسي والعملي بالنسبة للحزب ؟

لا شك أن الاحتكاك المباشر والتجربة الواقعية في البرلمان والمجتمع لهما تأثير قوي على التطور الفكري والسياسي بالنسبة لمناضلي الحزب وأعضائه ، ومن الطبيعي انه كان اهتمام في البداية بالمبادئ العامة والتوجهات ومع مرور الوقت أصبح هناك خبرة وقدرة على إدراك التفاصيل وتقييم السياسات الحكومية واقتراح بدائل أكثر برغماتية وعملية ، وهذا تطور ونحن نأمل أن تزيد هذه الخبرات مستقبلا .

هل ترى أن هناك تناقضا بين تأييدكم للملكية في المغرب وبين تأييدكم للتحول الديموقراطي ؟ وهل تؤثر هذه القضية بالسلب على توجهات ناخبي حزب العدالة والتنمية ؟

الملكية في المغرب عليها إجماع في الشارع المغربي ومن القوى السياسية ونرى أن الملكية لا تتناقض مع الديموقراطية ، فهناك ملكيات كثيرة في الغرب ، ولكنها ديموقراطية، وعلينا أن نغير موقع الملكية داخل النظام السياسي ونطور العلاقة بين مختلف القوى الموجودة. الملكية في المغرب كانت فاعلة ضمن فاعلين آخرين في صناعة تطور المغرب المعاصر فمعركة الاستقلال قادها الملك محمد الخامس وقيادات سياسية أخرى ، وكان هناك تعاون بين الملكية والأطراف الأخرى الفاعلة لتحقيق الاستقلال وأعتقد أن المرحلة القادمة من التطور في المغرب سوف تحدث بتطوير العلاقة بين الملكية وكافة القوى الفاعلة ، ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في وجهات النظر إلى بعض الأمور كعلاقة الملك بالحكومة وعلاقة الحكومة بالبرلمان واستقلال القضاء ، والنقاش يعمق التطوير بين هذه الإطراف المدركة لأهمية الحوار ، فالمغرب به حرية للصحافة الآن وحرية سياسية ونتوقع تطوير الوضع السياسي إلى الأمام وبشكل إيجابي .

 

ما هو تأثير أحداث مايو 2003 على حزب العدالة والتنمية من وجهة نظركم وكيف تعاملتم معها ؟

بعد أحداث مايو برزت طبقة سياسية أغلبها يساريون حاولوا استغلال الفرصة للإضرار بحزب العدالة والتنمية وتشويهه واتهامه بالضلوع في الإرهاب ونحن نعرف خلفية هذه الاتهامات بحكم أن الحزب فاعل سياسي جديد وبرز فجأة وأصبح من الأحزاب الخمسة الكبار في الساحة السياسية المغربية ، وهذه الأحزاب كانت تريد أن تحتكر هذه الساحة السياسية فتعاملت مع الحزب بنوع من الغيرة والحزبية وإدراكا منا لدقة المرحلة حاولنا ألا ننزلق إلى الوقوع في ردود فعل أيا كان نوعها إلى أن تمر تلك الفترة التي كانت حساسة ودقيقة لكل أفراد الشعب المغربي وشاركنا مع الحكومة والأحزاب في حوار داخلي وبعد فترة من تلك المرحلة أدركت الدولة والأحزاب أن حزب العدالة والتنمية فاعل أساسي في مقاومة التطرف في المغرب. والتطرف في المجتمع المغربي ظاهرة معزولة في المغرب من الأساس والثقافة الدينية في المجتمع معتدلة ومتسامحة.

 

ما هو موقف حزب العدالة من قانون مدونة الأحوال الشخصية ؟

أولا حزب العدالة لم يعترض على القانون وإنما عارض مشروعا أعده كاتب دولة في الحكومة وهو شيوعي سابق.. قضية خطيرة مثل قضية المرأة والأسرة لا يمكن أن ينفرد بمناقشتها طرف في الحكومة وبمعزل عن مختلف القوى السياسية وبإقصاء متعمد غير مقبول ، والمشروع غيب الحديث عن المرجعية الإسلامية والاستناد إليها وهذا لا يمكن قبوله في مشروع الأسرة خصوصا وهو أمر مرتبط بثقافة ونسيج المجتمع .. واعتبرنا أن علاج مشاكل المرأة يرتبط بعلاج مشاكل الأسرة ولا يمكن إدخال تغييرات في نسيج الأسرة دون الأخذ في الاعتبار جميع إفراد الأسرة. ولهذا قاومنا المشروع مقاومة شعبية واسعة جدا شاركت فيها تيارات متعددة وقاد الحزب مسيرة شعبية في 19 مارس عام 2000 حضرها نحو 600 ألف شخص وهي أكبر مسيرة في تاريخ المغرب منذ الاستقلال ، وطالبنا بتدخل الملك والملك شكل لجنة ، وعملت اللجنة لمدة 30 شهرا ، وأول عمل قامت به أنها طالبت الأحزاب السياسية وعدد كبير من منظمات المجتمع المدني وخصوصا العاملة في مجال المرأة والأسرة بتقديم أرائها ومشاريعها حول مدونة الأحوال الشخصية حول المواد القديمة وما تريد أن تعدل في هذا السياق ، وتقدمنا بمذكرة فيها رؤية الحزب حول تعديل المدونة . وكان هناك نقاش غني حول المدونة واستجابوا لطلبنا بتغيير الاسم من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة.

ما هو موقف الحزب من إصلاحات 2004 المتعلقة بقانون الأحزاب ؟

من إيجابيات القانون إنه خضع لنقاش عام سلمت نسخة أولية منه إلى جميع الأحزاب التي تقدمت بمقترحات لتطوير القانون ، أخذت الدولة ببعض هذه المقترحات ونوقش القانون في البرلمان ، وهو قانون جيد لأنه يشترط أن يكون هناك 200 عضو لتأسيس أي حزب وليس سبعة كما كان يحدث في الماضي بالإضافة إلى تدقيق إجراءات التأسيس كما يضمن القانون أن تكون الأحزاب ديموقراطية من الداخل لأنه فرض ذلك ضمن نصوصه بما في ذلك مواعيد انعقاد هيئات الأحزاب وصلاحيات الهيئات المنتخبة المسؤولة وكيفية وآليات انتخابها ونسبة الشباب والنساء في هذه الهيئات بالإضافة إلى اشتراط القانون للشفافية في الإدارة والمال وغيرها من الإجراءات المهمة. وفي هذا الصدد تم تكليف المجلس الأعلى للحسابات بالرقابة على مدخولات وإنفاق تلك الأحزاب وقنن الهبات التي تعطى للأحزاب السياسية لأن تمويل الأحزاب السياسية كان فيه فوضى كبيرة في السابق .

 

هل ترى أن الإصلاحات الحالية في المغرب والعالم العربي انعكاس للضغوط الأمريكية على الأنظمة؟

 

أعتقد أن التحولات الداخلية هي الأساس في التغيرات التي وقعت في المغرب نتيجة للتفاعل بين مختلف القوى السياسية ، بالإضافة إلى النضج في النظام السياسي المغربي ولا ننكر دور العوامل الخارجية لكن الإصلاح لا يفرض بالكامل من الخارج . وأظن أن السياسة الأمريكية فيها كثير من التردد والارتباك وأحيانا التناقض فيما يخص الدفع نحو الإصلاح السياسي فهي من جهة تنادى بدعم الديموقراطية والإصلاح السياسي ، لكن سلوكها السياسي يسبب حالة من الارتباك تعوق التوجه نحو الإصلاح. والولايات المتحدة دعمت لفترة أنظمة ديكتاتورية ومازالت حتى الآن تدعم حكومات ديكتاتورية في جنوب الصحراء التي تعاني الحروب الأهلية وقمع الحريات. وهذا الارتباك يحول دون تبلور ثقة في السياسة الأمريكية مستقبلا .وفي النهاية لا يمكن تحقيق المصالح الأمريكية على حساب مصالحنا ، ويحب البحث في نقطة التقاء عن المصالح المشتركة عن طريق الحوار المشترك.

 

أجرى الحديث عمرو حمزاوي، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي*