روبن م. ميلز، رئيس قسم الاستشارات في شركة "منار للطاقة"، ومؤلف "أسطورة أزمة النفط".

تمارس أسعار النفط تأثيراً على إيران في المدى القصير والمتوسط والطويل، ولو بطرق مختلفة. نظراً إلى أن سعر تعادل الميزانية بالنسبة إلى إيران يتراوح من 131 إلى 136 دولاراً لبرميل النفط1، يبدو أن إيران هي من الدول الأكثر عرضةً للتأثر بتراجع أسعار النفط. ويجب إعادة النظر في الموازنة التي وُضِعت للسنة المالية الجديدة التي تبدأ في آذار/مارس 2015، والتي حدّدت سعر تصدير برميل النفط بـ72 دولاراً، وذلك على ضوء سعر برميل النفط الحالي الذي تراجع إلى 50 دولاراً.

بيد أن الإيرادات النفطية الإيرانية تعاني من أزمة قبل وقت طويل من هبوط الأسعار في حزيران/يونيو الماضي. فقد تراجع الإنتاج النفطي من 3.58 ملايين برميل في اليوم في العام 2011 إلى 2.77 مليون برميل في اليوم في كانون الأول/ديسمبر 2014 بسبب العقوبات. حتى من دون العقوبات، كان من المحتوم أن يتراجع الإنتاج النفطي الإيراني بسبب التأثيرات المتراكمة الناجمة عن نضوج الحقول النفطية، ونقص الاستثمارات وسوء الإدارة في السابق.

والآن مع توافر النفط الرخيص في أماكن أخرى، تراجعت جاذبية إيران بالنسبة إلى العملاء الراغبين في تحدّي العقوبات. سوف تتقاضى إيران أسعاراً أقل مقابل النفط الذي تنجح في بيعه خلسةً، وفي الوقت نفسه ستتراجع القدرة الشرائية لإيراداتها المودَعة في حسابات في الهند والصين وبلدان أخرى، ولن يعود بإمكانها سوى مقايضتها بسلع وبضائع مستوردة من تلك البلدان. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي، تواجه إيران خطر أن تتسبّب أسعار النفط المنخفضة بتفاقم التدهور البطيء لقطاعها النفطي، فضلاً عن استمرار الركود الاقتصادي.

لكن نظراً إلى أن الدين الخارجي الإيراني هو في حدّه الأدنى، وبما أن الاقتصاد الإيراني يتمتع باكتفاء ذاتي إلى حد ما، إيران أقل هشاشة إزاء الأزمات الخارجية مثل انخفاض أسعار النفط، بالمقارنة مع روسيا أو فنزويلا. فالعملة الإيرانية، وعلى الرغم من نزعتها التضخّمية، جعلت الصادرات الإيرانية أكثر تنافسية. كما أن الإيرانيين، وعلى الرغم من استيائهم من الارتفاع المستمر في معدلات البطالة والتضخم، باتوا معتادين على المشقّات الاقتصادية. تتضمّن الموازنة الانكماشية للسنة المالية التي تبدأ في آذار/مارس 2015 خفوضات في الإنفاق إلى جانب زيادات في الإيرادات الضريبية وعائدات الخصخصة.

يمكن أيضاً التعويض عن أسعار النفط المنخفضة عبر زيادة الصادرات النفطية في حال تخفيف العقوبات تدريجاً بعد التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني خلال العام الجاري. لكن حتى هذه الصادرات لن تسمح بتحقيق العائدات الضائعة التي توقّعت إيران جنيها في منتصف العام الماضي. ومايزيد الأمور تعقيداً أنه من شأن زيادة الإنتاج الإيراني أن تتسبّب بمزيد من التراجع في أسعار النفط ولفترة أطول. وقد قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه بوضوح إن إيران ستسعى إلى استعادة حصّتها التي خسرتها في السوق، حتى لو "انفخض السعر إلى 20 دولاراً"، على حد تعبيره، الأمر الذي قد يمارس تأثيراً أكبر إذا اقترن مع الاستمرار في زيادة الإنتاج في العراق.

من شأن هذين العاملين مجتمعين أن يولّدا ديناميكية مثيرة للاهتمام داخل منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبيك). سوف تتحدّى إيران والعراق، وهما حليفتان سياسيتان تملكان الاحتياطيات التقليدية الأكبر والأدنى كلفة بعد السعودية، خصمهما في الرياض، مع العلم بأنه لطالما فازت السعودية في هذا التحدي على مر التاريخ، ولو دفعت ثمناً لذلك. لكن في الوقت نفسه، سوف تتنافس طهران وبغداد على حصة كل منهما في السوق.

بيد أن انخفاض أسعار النفط قد يصب بطريقة من الطرق في مصلحة إيران. من شأن إيران أن تسعى، بعد مرحلة العقوبات، إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية لإعادة بناء طاقتها الإنتاجية النفطية وزيادة إنتاجها من الغاز. لقد اكتسبت حقولها الشاسعة والمتدنية الكلفة جاذبية نسبية بالمقارنة مع المشاريع المرتفعة الكلفة لاستخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، أو استخراج النفط من أعماق المياه أو من القطب الشمالي. فعقد الاستثمار الذي تعمل إيران على صياغته حالياً وتُقدّم بموجبه للمستثمرين رسماً ثابتاً يبلغ بضعة دولارات، لم يكن جذّاباً عندما كان سعر برميل النفط مئة دولار، لكنه يبدو أكثر جاذبية مع تراجع سعر برميل النفط إلى 50 دولاراً لأنه يؤمّن مدخولاً أكثر ثباتاً.

لكن بغض النظر عن سعر النفط، تتمتع إيران بمزايا من شأنها أن تساعدها في المدى الأطول على التعافي من تباطؤ اقتصادي مطوَّل، خلافاً لمنافستها، السعودية، ذات الاقتصاد الأحادي. فإيران تتمتّع باقتصاد منوَّع نسبياً مع قاعدة صناعية كبيرة (ولو كانت متداعية)، وتملك احتياطي الغاز الأكبر أو ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، ولديها أعداد كبيرة من السكان كما أنهم مثقّفون، هذا فضلاً عن موقعها الاستراتيجي جداً بين الخليج الفارسي وبحر قزوين. علاوةً على ذلك، لاترزح إيران تحت وطأة التحديات الأمنية الشديدة كما هو الحال في العراق أو ليبيا أو نيجيريا.

واقع الحال هو أن إيران تشبه روسيا، في جوانب عدّة، أكثر مما تشبه السعودية: التهديد الذي يشكّله انخفاض أسعار النفط أكثر حدّة في المدى القصير، لكن التحكّم به أسهل في المدى الطويل. تبلغ حصة النفط في إجمالي الناتج المحلي الإيراني 30 في المئة، وهي بالتالي أقل منها في السعودية (45 في المئة)، والكويت (نحو 50 في المئة)، وقطر (50 في المئة). إذاً بدافع الحاجة إلى تنويع الاقتصاد بعيداً من الإيرادات النفطية، وعلى ضوء الانفتاح السياسي والاقتصادي من جديد، والخصخصة الفعلية لبعض مؤسسات الدولة، والقدرة على الوصول إلى الاستثمارات الأجنبية، قد تشهد إيران طفرة اقتصادية مشابهة لتلك التي أعقبت انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية التي دارت بين العامَين 1980 و1988 في عهد الرئيس رفسنجاني.


1. تقديرات سيتي غروب ووكالة رويترز وصندوق النقد الدولي.