يحمل هجوم تنظيم الدولة الأخير على سجن الصناعة في حي غويران بمحافظة الحسكة السورية، في 20 من كانون الثاني/ يناير 2022، رسائل تتجاوز حدود هذا البلد، تؤكد على أن التنظيم لا يزال يتمتع بقدرات قتالية وتمويلية وإعلامية كبيرة. كما أكد هذا الهجوم، الذي جاء بعد سلسلة طويلة من الهجمات متعددة الأشكال في سوريا والجارة العراق، على أن التنظيم لم يعد يسير في الوقت الحالي ضمن منهجية "الخلافة المكانية ومشروعها السياسي" التي كان عليها منذ عام 2014، وحتى مقتل زعيميه السابقين أبو بكر البغدادي وأبو إبراهيم القرشي.

تظهر لنا قراءة تحركاته المتصاعدة شكلا جديدا بات يتبعه، ملامحه تشبه ما كان عليه التنظيم قبل العام 2010، ويعتمد على تكتيكاته القتالية التقليدية السابقة عبر هجمات الاستنزاف وحروب العصابات. نفذت خلايا تنظيم الدولة هجوماً واسعاً على سجن الصناعة، الذي يحوي مئات الأسرى من عناصر التنظيم من مختلف الجنسيات، فدك السجن بسيارتين ملغّمتين، وهاجمه من الخارج والداخل وفق خطة بدت لا حقا أنها كانت مدروسة قبل أشهر.

قال التنظيم في بيانه عن حصيلة الهجوم إنه تمكن من "تحرير عدد من الأسرى"، لكن قوات سوريا الديمقراطية/ قسد المدعومة من التحالف الدولي نفت ذلك، وقالت إنها قتلت نحو 370 أسيرا حاولوا الفرار خلال الاشتباكات التي استمرت أكثر من أسبوع، حتى تمكنت قسد من استعادة السيطرة على السجن بشكل كامل في 31 كانون الثاني/ يناير 2022. أظهر الهجوم استمرارية امتلاك التنظيم للخبرة المنظمة على الرغم من فقدانه السيطرة على الأرض، إذ خسر آخر بقعة كانت تحت نفوذ "خلافته" في منطقة الباغوز  في آذار/ مارس 2019، حينها، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هزيمة التنظيم.

منذ ذلك الوقت بات التنظيم يعمل على شكل فروع تحتكم لقرار مركزي واحد، التي تكيّفت مع التطورات الميدانية خاصة في سوريا، وأبدت خلايا التنظيم غير المسيطرة على الأرض مرونة بإعادة هيكلة نفسها تنظيميا على الصعيد العسكري، والأمني، والإداري، والإعلامي.

عودة دون سيطرة

اليوم يعود التنظيم في سوريا بدون سيطرة على مكان محدد، فيضرب في البادية السورية وفي أطراف الحواضر، ويهاجم داخل المدن، ولديه خلايا تنتشر بمعظم الجغرافية السورية، وما زالت أهدافه ذاتها لم تتغير، فهو لا يوفر من هجومه قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها والجنود الروس وقوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية وفصائل المعارضة السورية، في بعض الأحيان.

يعلم التنظيم أن السيطرة المكانية تقوي مشروعه، لكنه وجد، في الوقت الحالي، العمل يتمثل في أن يكون غير مرئي، وينطبق هذا القياس على كل مكان يوجد فيه فروع للتنظيم حاليا، مثل العراق التي تتمركز فيه، بدون أدنى شك القيادة المركزية بحكم التاريخ المتجذر للتنظيم في هذا البلد، إلى ليبيا ونيجيريا وغربي إفريقيا وتونس ومصر واليمن، وغيرها.

أشار تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى أن تنظيم الدولة أعاد ترتيب صفوفه ليظهر من جديد في سوريا، وأكد التقرير على أن التنظيم عزز قدراته المسلحة في العراق. يبدو أن تنظيم الدولة يعتمد على أسباب موضوعية وجذرية تهيئ له إعادة بناء نفسه وتجنيد المزيد من المقاتلين. وفي هذا السياق، سبق وأن قدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن، امتلاك التنظيم مبالغ تصل إلى 300 مليون دولار، بقيت معه بعد زوال "الخلافة" في العراق وسوريا، وتوقع ازديادا في هجماته.

ولعل عدد عملياته التي تنشرها وكالة أعماق المقربة منه تؤكد المعلومات حول امتلاكه نحو 30 ألف مقاتل، منهم 10 آلاف في سوريا والعراق، وفق تقدير الأمم المتحدة. وأكد محللون مختصون بالجماعات الجهادية أن القضاء على التنظيم لن يتحقق بالقضاء على مشروع "الخلافة"، وهو ما يتحقق اليوم على أرض الواقع، فالتنظيم تحول إلى جسم عسكري غير مكاني، تأقلم مع واقعه الجديد، ويبدي قابلية للبقاء في ظل كل الظروف التي قد تواجهه، وينتشر  على مساحات جغرافية واسعة.

في سوريا والعراق يوجد التنظيم بمناطق مختلفة، ويتعامل مع أطراف عدة، ولكل منطقة يطبق استراتيجية خاصة، ونفوذه بازدياد في هذين البلدين اللذين شهدا صعود نجم مشروع "الخلافة" وأفوله مع مقتل زُعمائه الأوائل.

 

تيم الحاج، صحفي تحقيقات ومعد ملفا ت في العمق تختص بالشأن السوري، لمتابعته على تويتر @taim_alhajj وعلى فيسبوك: Taim Alhajj