يكشف تقييم المشهد السياسي الراهن في لبنان انقسام مجلس النواب الذي انضمت إليه وجوه جديدة مدفوعةً بسعيها وراء هدف مشترك من أجل إنقاذ البلاد، لكنها تفتقر إلى خطة عمل متماسكة لتحقيقه. ومن الأحزاب التي فازت في الانتخابات الأخيرة حزب القوات اللبنانية، وهو حزب مسيحي يميني يستمد جذوره من حقبة الحرب الأهلية. الآن، بعد انتهاء الانتخابات، يسعى الحزب إلى تقديم نفسه في صورة جديدة كحركة وطنية قادرة على مد اليد إلى جميع اللبنانيين، وليس فقط إلى أبناء طائفتها.

في حوار مع سمير جعجعi، رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية، في مقر الحزب في معراب، تحدّث صراحةً عن نظرته إلى السبب الذي يقف خلف المشكلات التي يعاني منها لبنان. فهو يعتقد بصورة عامة أن حزب الله، مع ترسانته من الأسلحة الثقيلة الخارجة عن سيطرة الدولة، يتحمل مسؤولية الأزمة الحالية، معتبرًا أن الحزب ليس مدفوعًا بوطنيته بل بالتزام عقائدي بتحقيق أطماع إيران الاستراتيجية والإقليمية.

مما لا شك فيه أن التفرد بالقرار الذي يتمتع به الحزب على الصعيد العسكري هو من عوارض المشكلات الأوسع التي يعاني منها لبنان، والمتمثلة بالفساد المستشري وعدم احتكار الدولة لقرار الحرب والسلم. لقد أبدى لبنانيون كثر رفضهم للمنظومة الحالية، وصوّتوا لنواب جدد ينتمون إلى أحزاب مستقلة مثل حزب تقدم. ويضم البرلمان الآن 13 نائبًا ينتمون إلى جهات سياسية غير طائفية تهدف – في خطابها الرسمي على الأقل – إلى تنفيذ الأفكار الإصلاحية للحركة الاحتجاجية التي انطلقت في لبنان عام 2019.

لكن حزب القوات اللبنانية نال أيضًا 19 مقعدًا في الندوة البرلمانية، فحصد بذلك المستوى الأعلى من الدعم لدى المسيحيين. قبل الانتخابات، كان التيار الوطني الحر – الحليف المسيحي لحزب الله – برئاسة جبران باسيل يتباهى بامتلاكه أكبر قاعدة لتمثيل المسيحيين في مجلس النواب. انتُخِب ميشال عون من التيار الوطني الحر رئيسًا للجمهورية في عام 2016 بعد التوصل إلى اتفاق مع خصمه القديم سمير جعجع. كان يُفترَض أن يشكّل هذا الاتفاق السري المعروف بـ"اتفاق معراب" حجر الزاوية في استراتيجية وطنية جديدة لإنقاذ لبنان. ولكن بعد توقيع الاتفاق، تحوّلت الأمور تدريجًيا نحو الأسوأ. ردًا على سؤال عن الاتفاق، أقرّ جعجع بأن الخيارات كانت معدومة في تلك المرحلة، ولكنه نفى أن يكون التوقيع على الاتفاق قد تطلّب منه انعطافة كبيرة في معتقداته، مشيرًا إلى أنه كان مقتنعًا بالتزام عون بالتسوية.

في حزيران/يونيو الماضي، حذّر جعجع من أن "مواجهة كبرى" مع حزب الله تلوح في الأفق. فالمجال ضئيل أمام بناء توافق بين القوات اللبنانية وحزب الله، فالفريقان على طرفَي نقيض في مواقفهما السياسية المحلية والإقليمية. وردًا على سؤال بشأن إمكانية وضع الخلافات مع الحزب جانبًا من أجل إعطاء الأولوية لـ"تسيير الشؤون السياسية"، اكتفى جعجع بالإجابة: "لا أدري، أشك في ذلك".

لا تزال الديناميكيات على المستوى الإقليمي المسألة الخلافية الأبرز. لقد اعتمد لبنان الرسمي سياسة الحياد، لكنها لم تتبلور في الممارسة. يتردد هذا المصطلح كثيرًا على لسان المسؤولين السياسيين. فقد صرّح رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بأن لبنان متمسك بتبنّي سياسة الحياد في النزاعات العربية وتنفيذها، فيما شدد البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عام 2020، على وجوب تبنّي لبنان موقف "الحياد النشط" الذي يُزعَم أنه عُرِف به تاريخيًا. وكذلك دعا النائب القواتي ملحم رياشي، في مقابلة مع الكاتب، إلى اعتماد "الحياد الإيجابي"، مشيرًا إلى النموذج النمساوي ومعتبرًا أنه يجب على لبنان أن يبقى بمنأى عن الحروب الإقليمية التي تُخاض بالوكالة عن الآخرين، مع النهوض بدوره كعضو مسؤول في المجتمع الدولي.

حققت القوات اللبنانية، إلى جانب أفرقاء آخرين، نصرًا، ولكن إذا لم تتشكل جبهة موحدة حول قائمة من الأهداف المشتركة، فسوف يتحول سريعًا إلى نصر عقيم لا قيمة له. في حين تنبّه نواب القوات اللبنانية وحزب تقدم لهذا الخطر، ليس واضحًا كيف ستتشكّل جبهة موحدة على أرض الواقع. تفصلنا ثلاثة أشهر فقط عن الانتخابات الرئاسية، وقد نكون على موعد مع جولة جديدة من الفراغ شبيهة بالتعطيل الذي شهدته البلاد قبيل انتخاب عون. يجب قطع الطريق على هذا السيناريو حفاظًا على الاستقرار. يستحق الشعب اللبناني الذي عانى من الإهمال على أيدي حكوماته طوال سنوات، السلام والعدالة.

عدنان ناصر محلل مستقل لشؤون السياسة الخارجية تركز أبحاثه على الشرق الأوسط. خرّيج جامعة فلوريدا الدولية حيث درس العلاقات الدولية. يمكنكم متابعته على تويتر: Adnansoutlook29@

 

ملاحظة:

i  أجرى الكاتب المقابلة مع سمير جعجع بتاريخ 24 يونيو 2022، في المكتب الرئيس للقوات اللبنانية في معراب، لبنان.