المصدر: Getty
مقال

ماذا يحمل المستقبل للجزائر؟

كان انتخاب الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة متوقّعاً على نطاق واسع، لكن المسار الذي يمكن أن تسلكه الأحداث لايزال غير واضح المعالم. كيف ترسي النخبة السياسية أسس المرحلة الانتقالية؟

 نقاش صدى
نشرت في ١٦ أكتوبر ٢٠١٤

يُخيّم الالتباس والقلق على مستقبل الجزائر. ربما كان انتخاب الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة متوقّعاً على نطاق واسع، لكن المسار الذي يمكن أن تسلكه الأحداث لايزال غير واضح المعالم. فعلى الرغم من أن حلفاء بوتفليقة يتّجهون إلى الاحتفاظ بالسلطة بعد الإعلان عن تعديل حكومي الشهر الفائت، لايزال الالتباس يحيط بهوية الشخص الذي سيحل مكان الرئيس المتقدّم في السن. في ظل هذه الأجواء، أقرّت الحكومة قوانين تكبح نشاط الجمعيات الأهلية، وضاعت أيضاً الآمال التي عقدها الإصلاحيون على الإجراءات التي انطلقت في أيلول/سبتمبر الماضي والتي كانوا يأملون بأن تؤدّي إلى إصلاح الأجهزة الأمنية الجزائرية وتوقُّفها عن أداء دور الشرطة السياسية. في غضون ذلك، تواجه البلاد سلسلة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.

كيف ستدير الجزائر مرحلة مابعد بوتفليقة؟ وكيف ترسي النخبة السياسية أسس المرحلة الانتقالية؟ يلقي أربعة خبراء في الشؤون الجزائرية نظرة عميقة على التغييرات المرتقبة. ندعوكم إلى الانضمام إلى النقاش عبر مشاركتنا آراءكم في قسم التعليقات.

بوتفليقة والمرشحون المحتملون لخلافته

دالية غانم

داليا غانم يزبك، محللة بحثية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

قدّم التعديل الحكومي في الجزائر في 29 نيسان/أبريل الماضي، بعض المؤشرات عن المناورات السياسية التي تشهدها البلاد من أجل تسهيل المرحلة الانتقالية التي تلوح في الأفق. لكن يجب ألا يغيب عن بالنا أنه أياً تكن هوية الشخص الذي سيحل مكان بوتفليقة، سوف يتم اختياره من مجموعة من الأشخاص الذين أنتجتهم منظومة أبقت البلاد أسيرة حالة انتقالية مستمرة، حيث التناوُب والتجديد السياسي شبه معدومَين.

لقد احتفظ المستشارون المقرّبون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبينهم وزراء أساسيون، بحقائبهم في التشكيلة الحكومية الجديدة. وأعيد تعيين عبد المالك سلال في منصب رئيس الوزراء بعد تخلّيه عنه لفترة مؤقتة دامت أكثر من شهر تولّى خلالها إدارة الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة. وكذلك احتفظ وزير الداخلية الطيب بلعيز، ووزير الخارجية رمطان العمامرة، ووزير العدل الطيب لوح، ونائب وزير الدفاع الوطني الفريق أحمد قايد صالح، بمناصبهم.

في المقابل، غادر وزير المالية كريم جودي الحكومة واستُبدِل بمحمد جلاب المقرّب من الرئيس. وكذلك أقيلت شخصيات مهمة أخرى، مثل اللواء محمد تواتي، مستشار شؤون الدفاع والأمن، وسعيد بوشعير، مستشار الشؤون القانونية، ومحمد مقدم، المستشار الخاص لرئيس الجمهورية. أما الجنرال عثمان "بشير" طرطاق الذي غادر منصبه على رأس دائرة الأمن الداخلي في أيلول/سبتمبر الماضي، فقد ظهر من جديد مستشاراً خاصاً للشؤون الأمنية، في دليل إضافي عن الدور المعلوم الذي تؤدّيه أجهزة الاستخبارات في الرئاسة. علاوةً على ذلك، تعتقد مصادر داخل دائرة الاستعلام والأمن أن غالبية أعضاء الطاقم (نحو 70 في المئة) الذي يعمل بإدارة سلال مرتبطون برئيس الجمهورية ورئيس وزرائه السابق أحمد أويحيى - مايعني أن الحكومة ستكون داعمة بالكامل لهذا الأخير.1

مما لاشك فيه أن "الخاسر" الأكبر في التعديل الحكومي هو عبد العزيز بلخادم الذي عُزِل من منصبه في 26 آب/أغسطس الماضي بعدما عمل مستشاراً خاصاً للرئيس طيلة نحو 15 عاماً. صحيح أن بوتفليقة كان يعتبر بلخادم ورقة رابحة في مواجهة الإسلاميين في الماضي، لكن إزاء التراجع الذي يشهده الإسلاميون حالياً في الجزائر، بات بالإمكان الاستغناء عن خدماته. أسوأ من ذلك، أصبح بلخادم ممنوعاً من المشاركة في أنشطة جبهة التحرير الوطني بعدما كان يتولّى منصب أمينها العام سابقاً، كما أنه لم يعد مرغوباً فيه في المجلس الشعبي الوطني، مايحول دون قدرته على خلافة بوتفليقة، مع العلم بأنه يحتفظ بطموحات سياسية ولايحاول إخفاءها.

أما "الرابح" فهو أحمد أويحيى الذي يعود إلى الساحة مجدداً وتكراراً، هذه المرة في منصب مدير مكتب الرئيس برتبة وزير دولة. إنه مسؤول عن المراجعة التي تجرى حالياً للدستور، وقد سبق له أن خاض هذه التجربة عندما كان رئيساً للوزراء في العام 2008 بهدف الإفساح في المجال أمام بوتفليقة للترشّح لولاية ثالثة. كما أنه طبّق سياسات صعبة، وغير شعبية في معظم الأحيان. تنعته الصحافة الجزائرية بـ"رجل العمل القذر"، وهي صفة يعتزّ بها، تماماً كما يعتز بانتمائه إلى الفريق الهامشي الجامح الذي ينادي بإبادة الإسلاميين. تكمن قوّته في حفاظه على ولائه للرئيس والدولة على الرغم من عزله من الوزارة في أيلول/سبتمبر 2012، وإقالته من قيادة حزبه، التجمع الوطني الديمقراطي. يبدو أن أويحيى هو الشخص الذي يميل صنّاع القرار خلف الكواليس إلى اختياره خلفاً لبوتفليقة، على الرغم من الشائعات التي تتداول اسمَي عبد القادر بن صالح وسعيد بوتفليقة كمرشّحَين محتملين لخلافة بتوفليقة. فقد وضعت الصحافة حداً لطموح بن صالح عندما زعمت أنه مجنّس وليس جزائري المولد - تفرض المادة 74 من الدستور الجزائري أن يكون الرئيس من الجنسية الجزائرية الأصلية. أما سعيد بوتفليقة فقد ذاع صيته بأنه "لص" بسبب تورّطه في العديد من قضايا الفساد.

أويحيى بديلٌ عن الرجلَين، ويُفيد من المكانة الخاصة التي يتمتّع بها في المؤسسة العسكرية الجزائرية. يحاول صنّاع القرار كسب الوقت كي يتقبّل الجزائريون فكرة أن الرجل الذي يقف وراء عدد من السياسات غير الشعبية، مثل خفض الأجور في العام 1995 وتطبيق برنامج التكييف الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي، قد يصبح رئيساً للجمهورية الجزائرية.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.


1. بالاستناد إلى مقابلات مع الكاتبة. 

دور دائرة الاستعلام والأمن

أرسلان شيخاوي

أرسلان شيخاوي هو الرئيس التنفيذي لمركز NSV الاستشاري الجزائري.

شهدت دائرة الاستعلام والأمن التابعة للجيش الجزائري، منذ إعادة هيكلتها في أيلول/سبتمبر 2013، موجة ثانية من الإصلاحات بعد الموجة الأولى في مطلع التسعينيات. لاتسعى هذه الإصلاحات إلى معالجة التهديدات الإقليمية المتنامية وحسب، إنما أيضاً إلى الاستجابة للتطورات الداخلية الراهنة. بيد أن هناك حاجة إلى مقاربة أكثر تقدّمية كي تتخلّى الدائرة عن وظيفتها التقليدية في أداء دور الشرطة السياسية وتتحوّل نحو العمل الاستخباراتي الحقيقي.

لقد كشفت الهجمات الإرهابية في مصنع الغاز في تيقنتورين (جنوب شرق الجزائر) في كانون الثاني/يناير 2013، عن الحاجة إلى التعجيل في إصلاح أجهزة الاستخبارات وتحسين فعالية الجيش. وقد استندت الإصلاحات إلى ثلاثة عوامل. العامل الأول هو التحوّل على مستوى الأجيال مع انتقال قيادة دائرة الاستعلام والأمن إلى العنصر الشاب والسماح لجيل مابعد الاستقلال بتسلّم زمام الأمور. العامل الثاني هو إعادة التنظيم الهيكلية من أجل إعادة التركيز على النشاطات الأساسية والتهديدات الجديدة. أخيراً، تسعى جهود التحديث إلى جعل أجهزة الاستخبارات تتوقّف عن العمل كـ"شرطة سرية" وتتحوّل أكثر نحو أداء الوظائف الفعلية لوكالات الاستخبارات بغية التكيّف مع التهديدات الإقليمية القائمة والانتقال السياسي الداخلي.

إلى جانب هذه الإصلاحات، تبذل الرئاسة، بموجب اتفاق بالتراضي، جهوداً دؤوبة لإظهار أن دائرة الاستعلام والأمن أصبحت أكثر شفافية، وأنها تنأى بنفسها شيئاً فشيئاً عن التدخّل في السياسة. نصَّ المرسوم الرئاسي 14-183 الصادر في 11 حزيران/يونيو على إنشاء مصلحة التحقيق القضائي على أن تكون خاضعة لسلطة دائرة الاستعلام والأمن والمدّعي العام في القسم الجنائي في محكمة الاستئناف، ومهمّتها إجراء تحقيقات حول التهديدات للأمن القومي (الإرهاب، والتخريب، والجريمة المنظّمة، والفساد). علاوةً على ذلك، نصّ المرسوم على أنه يُمنَع على مصلحة التحقيق القضائي التدخّل في الشؤون التي لاصلة لها بمهامها المحدّدة الواردة في المرسوم المذكور، مثل الشؤون السياسية. يُعتبَر نشر مرسوم حول المسائل الخاصة بدائرة الاستعلام والأمن وعرضه على الملأ مؤشراً عن المحاولات التي تُبذَل من أجل إضفاء مزيد من الشفافية على عمل الدائرة.

على الرغم من أن الجيش انسحب نظرياً من المشهد السياسي منذ أواخر الثمانينيات، مازال على دائرة الاستعلام والأمن أن تقطع روابطها العضوية والهرمية مع وزارة الدفاع. وحدها المقاربة التقدّمية كفيلة بتحقيق ذلك. يجب إصلاح النموذج البنيوي المركزي الشبيه بالنموذج السوفياتي لضمان عدم تدخّله في الحكم السياسي المدني.

تحاول الرئاسة تكييف العقائد العسكرية والأمنية في البلاد مع عقيدتها في السياسة الخارجية. في مايختص بالأمن، ليس أكيداً بعد إذا كان يمكن تحقيق التحسين في الحكم المؤسساتي من دون الإخلال بالاستقرار. التحدّي الأساسي في المستقبل هو الانتقال من فن الحكم إلى فن القيادة.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

تشديد القيود على المجتمع المدني

كوسيلا زرقين

كوسيلا زرقين محامٍ مقيم في عنابة وعضو في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (LADDH)، وفي شبكة المحامين للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر (RADDH).

أُقِرّت سلسلة من الإجراءات والقوانين الجديدة في مطلع العام 2012 للحؤول دون وصول الانتفاضات العربية التي اندلعت في العام 2011، إلى الجزائر بعدما طالت عدداً من الدول العربية.

على الرغم من أن هذه التشريعات وُصِفت بأنها تساهم في تعزيز الديمقراطية، إلا أنها تسبّبت في الواقع بتقييد الحريات وانتهاك الالتزامات الدولية التي قطعتها الجزائر، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة.

وقد استغلّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم البلاد لولاية رابعة الحاجة إلى الإصلاح من أجل إغلاق المساحة المتوافرة في المشهد السياسي وأمام المجموعات الأهلية، وبالتالي تشديد الرقابة على المجتمع الجزائري. ومن هذه الإجراءات قانون الجمعيات (12-06) وقانون الأحزاب السياسية (12-04).

ينص قانون الجمعيات على أن العلم والخبر لم يعد كافياً لإنشاء منظمة أهلية، وأن التسجيل يخضع للموافقة المسبقة من السلطات. واقع الحال هو أن هذا التشريع يعمد في بعض جوانبه إلى تقنين ممارسة كانت السلطات تطبّقها في الأصل على نطاق واسع، بما يؤدّي إلى تعزيز نفوذ السلطات ويعوق استقلالية الجمعيات الأهلية وتنظيمها بطريقة حيادية. بمقتضى القانون الجديد، تستطيع السلطات الآن رفض تسجيل الجمعيات التي تعتبر أنها "مخالفة للثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة وأحكام القوانين والتنظيمات المعمول بها". ويفرض القانون أيضاً قيوداً شديدة على تمويل المنظمات الأهلية والعضوية فيها، من جملة قيود أخرى. من شأن هذه التدابير المشدّدة والالتباس في مفهوم الامتثال المنصوص عليه في القانون أن تتيح للسلطات منع تشكيل جمعيات، بما فيها المجموعات التي تدافع عن الحقوق الأساسية.

أما قانون الأحزاب السياسية فيتضمّن 84 مادّة ويساهم في تعزيز نفوذ النظام (لاسيما وزارة الداخلية) في التعاطي مع الأحزاب السياسية. فمن الخطوة الأولى لتشكيل الحزب إلى تنظيمه الداخلي، باتت وزارة الداخلية تتمتّع بصلاحيات واسعة تمنحها رقابة شديدة على الأحزاب السياسية. علاوةً على ذلك، يتيح القانون للوزارة الاحتفاظ بسيطرة مهمة على إجراءات حل الجمعيات وفرض الحظر أو القيود.

يُظهر هذان القانون بما لايرقى إليه الشك أن النظام يريد تقييد المجتمع المدني ومختلف أشكال المعارضة السلمية. وبالأهمية نفسها، تشير هذه الإجراءات التشريعية إلى أن الرئيس بوتفليقة سيستمر في تطبيق أسلوبه التقليدي في إدارة النتائج بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل التي تعاني منها الجزائر - وبالتالي تجنُّب الإصلاح الضروري جداً لمنظومة الحكم في البلاد.

لن تساهم مقاربة بوتفليقة سوى في تشجيع ظهور تيارات المقاومة التي تعمل خارج الدولة بدلاً من كبحها. ومما لاشك فيه أنها ستجنح نحو التشدّد.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

العوائق السياسية أمام الإصلاح الاقتصادي

مراد أوشيشي

مراد أوشيشي أستاذ مادة الاقتصاد في جامعة بجاية في الجزائر ومؤلف "الأسس السياسية للاقتصاد الريعي في الجزائر" (2014).

شهد الاقتصاد الجزائري إجراءات مهمة لإعادة الهيكلة والإصلاح منذ ثمانينات القرن الماضي. لكن بعد انقضاء أكثر من عقدَين، لم يعرف الأداء الاقتصادي تغييراً يُذكَر. بالفعل، وعلى الرغم من أن البلاد تتمتّع بدرجة من الاستقرار المالي - لاسيما بفضل الإيرادات النفطية - لايزال الاقتصاد يعاني من الركود.

من الواضح أن صانعي السياسات لم يخضعوا لا للضغوط الداخلية ولا للشروط والتوصيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي من أجل دفع الاقتصاد في اتّجاه مختلف. هذا التناقض بين تراكم الثروات (التي نجحت البلاد في تحقيقه بفضل إيراداتها النفطية الكبيرة واحتياطياتها من العملات الأجنبية) والأداء الاقتصادي الرديء هو من عوارض الخيارات السيئة في السياسات. يجب أن يشكّل تحليل المنظومة السياسية وقيودها وتناقضاتها نقطة الانطلاق لأي نقاش عن المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري وتلك التي يمكن أن تؤثّر في العملية الانتقالية في البلاد.

يتبع الاقتصاد الجزائري إلى درجة كبيرة توجيهات الدولة وليس قوى السوق الحرة. لقد سعت المنظومة الإدارية السياسية التي أنشئت بعد استقلال الجزائر في العام 1962 إلى إرساء مثال أعلى يوطوبي مستوحى من اقتصاد السوق. وأملت الحكومة بتفادي اللامساواة التي تتسبّب بها السوق، لذلك كان من الضروري مراقبة الإنتاج وتوزيع السلع والخدمات عن كثب وفرض تنظيمات مشدّدة عليهما. لكن النموذج الذي لايزال سائداً حتى يومنا هذا لم يحل دون حدوث اللامساواة، لابل ساهم في تفاقمها. فقد غذّى هذا الاقتصاد الريعي الفقر والهدر والفساد، وأحبط النمو الاقتصادي العضوي الذي لايستند إلى الإيرادات النفطية.

علاوةً على ذلك، تسبّب هذا النموذج الريعي في شكل أساسي بالإبقاء على المنظومة السلطوية في البلاد. فمادام هناك رابطٌ لاينفصم بين السياسة والاقتصاد في الجزائر، ستبقى العوائق قائمة أمام التغيير. الحكومة الجزائرية مسكونة بهاجس السيطرة على كل مستويات السلطة بما في ذلك الاقتصاد، مايحول دون تمكّنها من اتّخاذ الخيارات الصحيحة في مجالات التنمية الاقتصادية والتحرير الاقتصادي والنمو.

على الصعيد السياسي، حمى النظام الجزائري نفسه من ظهور قوى سياسية منافسة ومجتمع مدني يتمتع باستقلال ذاتي عبر فرض حظر مباشر على مختلف أشكال النشاط السياسي التي تحدث خارج أجهزة الدولة. وليس انتشار الفضائح - لاسيما في القطاع المالي والأسواق العامة - والحرمان من التمثيل السياسي والنقابي الحر، وحظر التظاهرات العامة، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، سوى خير دليل على الانهيار السياسي الذي تعاني منه البلاد.

بيد أن عوامل عدّة ربما تقدّم بارقة أمل. أولها هو إمكانية ظهور قطاع خاص يتمتّع باستقلال ذاتي؛ فالتحرير الاقتصادي الجزئي قد يُفسح في المجال أمام ظهور نخبة اقتصادية في القطاع الخاص وربما في القطاع غير النظامي أيضاً، والتي من شأنها أن تدرك بدورها أن مستقبلها يتوقّف على تغيير السياسات الاقتصادية. العامل الثاني هو الضغوط التي يمكن أن يمارسها الشركاء الأجانب من أجل التغيير. فقد تُقرّر البلدان الغربية - بما فيها تلك التي تشكّل الاتحاد الأوروبي - الضغط على الجزائر لتأدية دور أكبر مما قامت به حتى الآن، وقد تدفع باتجاه اعتماد خطة إنمائية أكثر قوة وفعالية. أما العامل الثالث فيتمثّل في صعود النقابات المستقلة التي تشكّل حالياً جزءاً من المجتمع المدني الجزائري، والتي يمكن أن تنمو مع مرور الوقت وتصبح ذات تأثير.

أخيراً، خلافاً لما يقوله بعض المحلّلين، ليس المجتمع الجزائري محصّناً من الاضطرابات التي تتفشّى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فثورة الياسمين في تونس، وسقوط مبارك ومن ثم مرسي في مصر، وإطاحة النظام الليبي عن طريق العنف، والنزاع السوري، كلها أحداث تُظهر بوضوح أن التطلّعات إلى حياة أفضل تشكّل واقعاً سوسيولوجياً أساسياً بالنسبة إلى شعوب هذه المنطقة. وليس بإمكان المجتمع الجزائري أن يبقى إلى ما لانهاية على هامش هذه التطوّرات التاريخية.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.