وسط الانطباع السائد بأن الإمارات العربية المتحدة أنجزت مهمتها في اليمن، يزداد السجال حول ما إذا كان الأوان قد حان لخفض أعداد الجنود الإماراتيين في ذلك البلد. تعتبر الإمارات أنها نجحت، من خلال تدخّلها في اليمن، في مساعدة الحلفاء المختلفين في جنوب البلاد في المعركة ضد تنظيم القاعدة، وفي احتواء توسّع الحوثيين المدعومين من إيران، على الرغم من سقوط أعداد غير مسبوقة من الضحايا في صفوف الجنود الإماراتيين. بيد أن هذا النجاح العسكري المتصوَّر لا يعني أن الإماراتيين ينوون مغادرة اليمن في وقت قريب. وفقاً لمحللين إماراتيين ، يثمّن ولي عهد أبوظبي، الأمير محمد بن زايد، حاكم الإمارات الفعلي، الانخراط العسكري والدبلوماسي مع السعوديين انطلاقاً من مصلحة إقليمية مشتركة في احتواء إيران، ولأنه يعتبر أن ذلك يتيح للإمارات ممارسة الحد الأقصى من التأثير على جدول الأعمال الداخلي السعودي الذي تأمل الإمارات بأن يشتمل على إجراءات لكبح التطرف الوهّابي. وما يزيد من احتمالات بقاء الإمارات في اليمن شعور الإماراتيين بأنهم هم – وليس السعودية أو القيادة السياسية الرسمية اليمنية المعترَف بها دولياً والتي تحظى بالدعم من السعودية – الوحيدون الذين يقومون بالعمل الفعلي في خوض الحرب وإعادة إعمار البنى التحتية.
لكن في حين تلتزم السعودية والإمارات بخوض الحرب في اليمن، يدعمٌ كل منهما أفرقاء محليين معيّنين يختلفون عن أولئك الذين يدعمهم الطرف الآخر. يقول إماراتيون مطّلعون على شؤون الأمن القومي إن اصطفاف الإمارات إلى جانب المقاتلين في جنوب اليمن يُمليه واقع أن الرئيس عبد ربه منصور هادي تنقصه الكفاءة، بحسب ما أظهرته الأحداث مراراً وتكراراً، ويقبع في مجمعه في الرياض، مع العلم بأن منتقدي الإمارات يقولون إنها تساهم، عن قصد أو غير قصد، في تعزيز مجموعات انفصالية مختلفة في جنوب اليمن تتسبب بدورها في إضعاف اليمن أكثر فأكثر. يحافظ السعوديون، على الرغم من سخطهم الشديد من هادي، على التزامهم بدعمه، وبالتالي بدعم التحالفات الإسلامية التي أنشأها نائبه، علي محسن الأحمر، القائد العسكري في عهد علي عبدالله صالح. يسدي الإماراتيون نصيحة إلى السعوديين بالعودة إلى دعم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، اعتقاداً منهم بأنه يمكن اللعب على وتر خلافاته المتعاظمة مع الحوثيين، حلفائه التكتيكيين، والمساهمة في تحوّلها إلى قطيعة دائمة بين الطرفَين.
ولّدت هذه الخلافات، أحياناً، تنافساً على النفوذ، وتسبّبت حتى باندلاع نزاعات. في شباط/فبراير، خاض الإماراتيون وحلفاؤهم اليمنيون معارك ضد مقاتلين يمنيين مدعومين من السعودية وموالين للرئيس الصوري عبد ربه منصور هادي للسيطرة على ميناء عدن، وقد حال هذا القتال دون تمكّن الإمارات من تنفيذ خطتها بالتقدّم شمالاً نحو تعز. ومنذ ذلك الوقت، تراجع خطر اندلاع مواجهات مماثلة، نظراً إلى الصعوبات العسكرية العملية التي تعترض قدرة الإمارات على التحرّك شمالاً انطلاقاً من قاعدتها في الجنوب. يخشى السعوديون، الذين لا ينشرون قوات برية في اليمن، أن تتمكّن الإمارات من انتزاع مواطئ قدم استراتيجية ومن تقويض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للمملكة، وتشتد هذه المخاوف بسبب دفاع الإماراتيين عن صالح والدور المتوسِّع تدريجاً الذي يؤدّونه في الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر. لقد استكملت الإمارات، من خلال تصدّيها للصواريخ التي يطلقها الحوثيون من على اليابسة باتجاه السفن الأميركية والإماراتية، الحضور الناشئ لسلاح البحرية التابع لهم في شرق أفريقيا، وتحديداً في إريتريا وجيبوتي وجمهورية أرض الصومال. يساهم الدور الناشئ لسلاح البحرية الإماراتي في إبقاء مضيق باب المندب الحيوي الذي يربط بين البحر الأحمر وبحر العرب، مفتوحاً أمام حركة المرور، بدعمٍ من الحضور العسكري الإماراتي في جزيرة سقطرى اليمنية.
تنفي الإمارات أن تكون الخطة التي وضعتها في آذار/مارس 2017 للسيطرة على مدينة حديدة المرفئية عند البحر الأحمر عن طريق الاستعانة ببعض الهجمات الجوية السعودية، إنما وفي شكل أساسي بالقوات الخاصة الإماراتية على الأرض، مؤشراً عن محاولتها انتزاع مواطئ قدم استراتيجية في اليمن. بيد أن السعوديين يخشون، نظراً إلى ترددهم في نشر قوات برية على الأرض وإلى النفوذ العسكري والسياسي والمالي المثبَت الذي تتمتع به الإمارات في الجنوب، أن تخضع أراضٍ استراتيجية شمال اليمن أيضاً لسيطرة الإمارات بحكم الأمر الواقع. تؤكّد الإمارات على تفضيل القومية الإماراتية الأكثر عضلية التي ينتهجها محمد بن زايد على ورقة الضغط المالي التي هي من أدوات القوة الناعمة التي كانت تلجأ إليها تقليدياً. وليس هناك تململ شعبي واسع من هذه المقاربة على الرغم من سقوط 122 ضحية إماراتية في اليمن حتى تاريخه . يعتبر الإماراتيون أن تدخّلهم العسكري في اليمن شكّل عامل ردع لإيران وسواها من المعتدين المحتملين، عبر التشديد على أن الإمارات لا تشتري المعدات العسكرية وحسب، إنما يمكنها أيضاً استخدامها بفعالية. ويشكّك الإماراتيون، من جهتهم، في أن القوات البرية السعودية غير مستعدّة لعبور الحدود اليمنية إلا بأعداد محدودة ولهدفٍ أوحد هو الدفاع عن الأراضي السعودية، وفي أنها غير مستعدة للقيام بذلك من أجل المساعدة في القتال الذي يُفترَض أن يكون مشتركاً ضد الحوثيين المدعومين من إيران. سوف يتحرك لواء الطيران في الحرس الوطني السعودي جنوباً في أواخر العام 2017، ما يؤكّد نظرة الإماراتيين بأن حليفتهم تعطي الأمن الحدودي الأولوية وتقدّمه على القيام بمجازفات عسكرية للفوز في الحرب.
إلى جانب المقاربات العسكرية المختلفة التي تنتهجها كل من السعودية والإمارات، يشكّل اليمن أيضاً حلبة يبرز من خلالها الاختلاف في مقاربتهما للإسلام السياسي. لقد أيّدت الإمارات، بصورة شبه رسمية، العلمانية في السياسات الداخلية والخارجية لجميع الدول الإقليمية، وفق ما تكشف عنه تصريحات المندوب الإماراتي لدى الأمم المتحدة يوسف العتيبة، وبحسب ما ورد في مقال في صحيفة "الاتحاد" الحائزة على موافقة الدولة في أواخر آب/أغسطس الماضي. ويهدف ذلك، من جملة ما يهدف إليه، إلى وضع البلدان الأخرى في صورة أن الإمارات ترفض التشدد الإسلامي السياسي في الداخل والخارج. إلا أن هناك اقتناعاً حقيقياً لدى الإمارات بأنه من شأن اضطلاع رجال الدين بدور مستقل في شؤون الدولة أن يشجّع على التطرف ويهدّد الأمن الإقليمي. يعتقد محمد بن زايد أنه يستطيع، عبر الحفاظ على علاقات وثيقة مع السعوديين في اليمن، تشجيع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إجراء تغييرات في الميثاق الإسلامي السعودي.
لقد شجّعت الإمارات السعوديين مراراً وتكراراً على التخلي عن حزب الإصلاح، الذي يُعتبَر بمثابة الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين. يُشار في هذا الصدد إلى أن حزب الإصلاح بات يحظى من جديد بالقبول السعودي في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، على الرغم من العداء المتزايد التي تكنّه القيادة السعودية للإخوان المسلمين في شكل عام، لجملة أسباب منها أن قاعدته الداعِمة عشائرية إلى حد كبير وتتميز بطابعها اليمني، ما يجعله مختلفاً عن التنظيمات الحزبية السياسية التابعة للإخوان في أماكن أخرى في العالم العربي. لكن الإماراتيين لا يكترثون لعوامل التمايز هذه، ويرفضون العمل مع الإصلاح على أي أساسٍ كان. بدلاً من ذلك، يعتبرون أن صالح هو الشخصية السياسية اليمنية الوحيدة التي تتمتع بالرعاية العشائرية والكاريزما والفطرة السليمة كي تتمكن البلاد من استعادة شيء من تمامية أراضيها. ويبدو أنه لا مانع لدى الإمارات من تقبّل التناقض الذي يتجلّى من خلال قيام صالح، شأنه في ذلك شأن حليفه العسكري السابق علي محسن الأحمر، باستخدام الإسلاميين من مختلف الأطياف تحقيقاً لمآربه السياسية، فهي ترى في ذلك دليلاً على المهارات التكتيكية للرئيس اليمني السابق وليس على قناعاته الاستراتيجية.
كذلك يعتقد الإماراتيون أنه يمكن بسهولة دفع التحالف محض التكتيكي القائم راهناً بين صالح والحوثيين، والذي يتعرّض لانتكاسات ومشاحنات بصورة منتظمة، نحو الانهيار، وأنه من شأن إرسال الأموال والأسلحة إلى صالح أن يشجّعه على سحق الحوثيين، ويساهم حتماً في تقويض المصالح الإيرانية في اليمن. أما السعوديون من جهتهم فيستمرون في المحاججة بأن صالح تخطّى الحدود بطريقة لا عودة عنها، بعدما اضطُرّوا طوال عقود إلى التعامل معه خوفاً من البديل. ينظر الإماراتيون بصورة متزايدة إلى نجل صالح، أحمد علي صالح – الذي كان يتولّى قيادة فرقة في الحرس الجمهوري النافذ في عهد والده، ويُعتقَد على نطاق واسع أنه يقيم في أبوظبي، رغماً عن إرادته كما يقول البعض – كمشروع شخصية قيادية يمنية وطنية، أو أقلّه شمالية، مدعومة من الإمارات، مع العلم بأن لا أحد يدّعي أنه سيكون متحرراً من سلطة والده. بالنسبة إلى الإمارات، وحدها عائلة صالح تملك حظوظاً بجمع شمل الفصائل العشائرية والسياسية المتناحرة – بما في ذلك قبائل حاشد في الشمال التي استخدمها السعوديون في السابق لدعم حزب الإصلاح – ضمن إطار يُشبِه ولو قليلاً كياناً متكاملاً ومتماسكاً. ويتعاظم الشعور بالمأزق في اليمن، نظراً إلى أن السعوديين لا يزالون يفتقرون، على ما يبدو، إلى بديل واقعي، في حين أن هادي هو مجرد رمز دولي للشرعية من دون سلطة سياسية أو عسكرية فعلية على الأرض.
بيد أن الإمارات توافق أيضاً على أن السعوديين وحدهم يستطيعون في نهاية المطاف إطلاق تغيير استراتيجي في التحالفات السياسية. في هذه الأجواء، غالب الظن أن الإمارات سوف تستمر في ترسيخ دورها في الجنوب وفي البحر الأحمر، أملاً بأن تتمكن، في خضم ذلك، من زيادة تأثيرها إلى أقصى حد في التطورات السياسية في اليمن، وبصورة غير مباشرة، في السعودية. وعليه، سوف يستمر خطر حدوث خلافات في الرأي بين الإمارات والسعودية التي ينظر إليها الإماراتيون بأنها الفاعل السياسي الأول والذي لا غنى عنه في الشؤون اليمنية، إنما أيضاً وفي الوقت نفسه بأنها طرف عسكري حذر يفضّل الهجمات الجوية على الالتزام جدّياً بتحقيق تغييرات على الأرض.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
نيل بارتريك محرّر ومساهم أساسي في "السياسة الخارجية السعودية: النزاع والتعاون" (Saudi Arabian Foreign Policy: Conflict & Cooperation) (آي بي توريس، 2016). لمتابعته عبر تويتر: neilpartrick@
1. مقابلات مع محللين إماراتيين، أبوظبي ودبي، 1-4 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
2. مقابلة مع محلل إماراتي متخصص في شؤون الأمن القومي، دبي، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
3. مقابلة مع محلل إماراتي متخصص في شؤون الأمن القومي، دبي، 3 تشرين الأول/أكتوبر 2017.