المصدر: Getty
مقال

تركيا والمغامرة المحفوفة بالمخاطر في عفرين

التوغّل العسكري التركي في شمال سورية الخاضع للسيطرة الكردية يحمل خطر توتير العلاقات الدبلوماسية وتعريض تركيا لتهديدات إرهابية متزايدة.

 بينار تانك
نشرت في ١ فبراير ٢٠١٨

لطالما كان الهجوم التركي على عفرين الذي بدأ في 20 كانون الثاني/يناير متوقَّعاً. لكن في حين أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يأمل ربما بأن تساهم هذه الحملة العسكرية في حشد القومية المناهضة للأكراد على مشارف انتخابات 2019، يمكن أن تولّد أيضاً تداعيات دبلوماسية حادّة وتتسبّب بتعاظم المشاغل الأمنية التركية.

على المستوى الدبلوماسي، يُلقي التوغّل التركي في شمال سورية بوزره على العلاقات المتقلقلة أصلاً مع الولايات المتحدة، ويمارس ضغوطاً إضافية على العلاقات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). إحدى الشرارات التي أشعلت فتيل العملية التركية في عفرين إعلان الولايات المتحدة في 14 كانون الثاني/يناير أنها ستعمل على إنشاء قوة كردية من ثلاثين ألف عنصر من أجل بسط الأمن عند الحدود السورية مع تركيا والعراق في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد. هذه الخطوة كانت بمثابة "القطرة التي طفح معها الكيل"، على حد قول رئيس حزب الحركة القومية التركية، دولت بهجلي، كما أنها تعارضت مع التوقعات التركية بانحلال التحالف الكردي-الأميركي في سورية بعد هزيمة الدولة الإسلامية. تشدّد الولايات المتحدة على أنها ستستمر في دعم قوات الدفاع الوطني – التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مع جناحَيه العسكريين، وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة – فيما تصرّ تركيا على أنها ماضية قدماً في العملية العسكرية حتى بسط الأمن عند حدودها. 

علاوةً على ذلك، خطر اندلاع صدامات مباشرة بين الولايات المتحدة وتركيا حاضر دائماً. فعلى الرغم من أن أردوغان تحدّث في البداية عن عملية سريعة في عفرين، إلا أنه أعلن لاحقاً أن تركيا ستواصل تقدّمها شرقاً باتجاه بلدة منبج الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب. البلدة هي شوكة في خاصرة أردوغان منذ أخفقت تركيا في السيطرة عليها خلال عملية "درع الفرات"، عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها الخاصة إلى منبج في آذار/مارس 2017 لحماية حلفائها الأكراد. فمع أن الولايات المتحدة أبدت موافقتها في البداية على عملية "درع الفرات"، ظهر سوء تفاهم حول أهداف التوغل التركي ونطاقه، ما يشي باحتمال اندلاع مواجهة حالية في سورية بين الدولتَين الحليفتَين في إطار الناتو. في حين أن عفرين ليست جزءاً من منطقة عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ليس واضحاً إذا كان الطلب الأميركي بـ"ممارسة ضبط النفس" يعني أن الولايات المتحدة سوف تتدخّل في حال تقدّمت تركيا باتجاه منبج. في مختلف الأحوال، لا تنوي الولايات المتحدة الانسحاب من منبج، حيث تتبادل الدوريات الأميركية، بصورة منتظمة، إطلاق النيران مع الثوّار المدعومين من تركيا – ما يعزّز المخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة مع تركيا. وفي حين أن الناتو وافق على حق تركيا المشروع في حماية حدودها، إلا أنه من شأن تركيا أن يتعرّض لمزيد من الشجب والإدانة في حال اشتدّت الأزمة الإنسانية كثيراً بسبب التوغل التركي.

كذلك تفرض هذه الخطوة تعقيدات في العلاقات التركية مع روسيا التي تسعى راهناً إلى التوصل إلى اتفاق، عن طريق المفاوضات، بين الأكراد والنظام السوري وفق ما ورد في الاقتراح الروسي لعقد مؤتمر للحوار الوطني السوري في سوتشي. لقد عمدت روسيا، وهي حليفة تركيا الأساسية في سورية، إلى فتح المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية لشن هجومها على عفرين، مدّعيةً أنها تتبنّى سياسة عدم التدخل، كما أنها اختارت تصويب سهام اللوم نحو الولايات المتحدة بسبب قيامها بتسليح القوات الكردية. قد يساهم ذلك في تهدئة التشنّجات التي ظهرت في كانون الأول/ديسمبر الماضي بين تركيا وروسيا على خلفية الأحداث في محافظة إدلب، حيث شنّ الجيش السوري عمليات ضد المجموعات الجهادية بدعم من سلاح الجو الروسي، مستهدِفاً أيضاً، وفق ما أُشيع، مجموعات أكثر اعتدالاً مدعومة من تركيا. لكن روسيا كانت قد عقدت اتفاقها الخاص مع الأكراد، والذي أنشأت موسكو بموجبه قاعدة عسكرية في عفرين في آذار/مارس 2017 مقابل تأمينها الحماية للأكراد في مواجهة تركيا. يأتي التحوّل في الموقف الروسي في أعقاب الجهود التي بذلتها موسكو على امتداد فترة طويلة لإقناع الأكراد بالتخلي عن السيطرة على أمنهم وحدودهم إلى النظام السوري مع الإبقاء على شكل من أشكال الحكم الذاتي. لم توافق وحدات حماية الشعب/وحدات حماية المرأة على هذا الاقتراح الذي كان ليساهم في تعزيز السيادة السورية. وفقاً لقادة أكراد، الهدف الأبعد وراء القرار الروسي السماح لتركيا بدخول عفرين، هو دفع الأكراد نحو "أحضان نظام الأسد"، وبالتالي وضع حد، في الظاهر، لتبعيتهم للولايات المتحدة.

لم يستطع حزب العدالة والتنمية الحاكم أن يتقبّل موافقة المجتمع الدولي بحكم الأمر الواقع على الحكم الذاتي في شمال سوريا، الذي يعرفه الأكراد باسم روج آفا. منذ العام 2012، تتمتع روج آفا فعلياً بحكم ذاتي، وتخضع لشكل من أشكال الديمقراطية المتّحدية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة. يتولّى هؤلاء حكم ثلاث مقاطعات – الجزيرة وعفرين وكوباني – حيث يعيش نحو خمسة ملايين كردي وعربي وسرياني وتركماني. في آذار/مارس 2016، عمد حزب الاتحاد الديمقراطي إلى تغيير اسم المنطقة ليصبح النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سورية، والهدف منه هو إرساء حكم ذاتي قانوني في الشمال داخل سورية اتحادية لامركزية. كان من المقرر تنظيم انتخابات نيابية في روج آفا في كانون الثاني/يناير، إنما جرى تأجيرها (إلى أجل غير مسمّى)، بسبب العملية في عفرين.

تستشفّ الدولة التركية في الاعتراف الدولي القانوني بالحكم الذاتي لحزب الاتحاد الديمقراطي داخل سورية اتّحادية، تهديداً وجودياً يتسبّب بإضعاف جهودها الآيلة إلى هزم حزب العمال الكردستاني المرتبط بحزب الاتحاد الديمقراطي والذي يتخذ من تركيا مقراً له، وتصنّفه تركيا والولايات المتحدة في خانة التنظيمات الإرهابية. بيد أن التهديد يشكّل أيضاً أداة مؤاتية يستخدمها الرئيس الشعبوي رجب طيب أردوغان الذي سيسعى للفوز بولاية جديدة في العام 2019. يعتبر أردوغان أن موقع الأكراد المعزَّز هو بمثابة إذلال علني له، لا سيما وأن المعارضة الفعلية الوحيدة لحكمه كانت خلال انتخابات 2015 عندما خسر حزب العدالة والتنمية الأكثرية في الحكومة لأول مرة منذ العام 2002 بسبب المكاسب التي حقّقها حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد.

أبدت معظم القوى السياسية تأييدها لحزب العدالة والتنمية في عملية عفرين، وشاركته غضبه من استعداد المجتمع الدولي لدعم الحكم الذاتي الكردي. وقد أثنى دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية المنتمية إلى اليمين، على الجهود التي تُبذَل في إطار العملية العسكرية من أجل إلحاق الهزيمة بوحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، وصوّب سهام انتقاداته الأكثر حدّة نحو الولايات المتحدة، متسائلاً كيف يمكن أن تكون دولة زميلة في الناتو "صديقة وعدوّة" في الوقت نفسه. وشدّد رئيس الوزراء التركي بينالي يلدريم، مراراً وتكراراً، خلال مؤتمر صحافي متلفز في 20 كانون الثاني/يناير، على أن الهدف من التوغل التركي، الذي يحمل، في تعبير ملطّف، اسم "غصن الزيتون"، هو إنقاذ السكان المحليين الذين يعيشون تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وعلى أنه لا يجب أن يُنظَر إليه بأنه عملية ضد الشعب الكردي. كما أنه زعمَ أن مقاتلي الدولة الإسلامية – الذين طُرِدوا كما أشيع من الرقة على أيدي القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة – باتوا يتمركزون الآن في عفرين الخاضعة لسيطرة الأكراد. حتى حزب الشعب الجمهوري المعارِض، الذي رفع سابقاً لواء الدبلوماسية، أشار إلى أنه ليست لديه "أي اعتراضات" على عملية عفرين، إذ وجد أنه من الصعب أن يعارض في العلن خطاب الأحزاب الأخرى عن محاربة الإرهاب.

لكن حملة عفرين، وإلى جانب الضغوط التي تلقي بها على العلاقات الديبلوماسية التركية، تحمل في طياتها أيضاً خطر تفاقم المشاغل الأمنية التي استخدمها حزب العدالة والتنمية لتبرير العملية العسكرية. فعلى المستوى الداخلي، يحمل التوغل التركي خطر تجدد اشتعال نيران الإرهاب الكردي الخامد تحت الرماد. على الرغم من التركيز الرسمي للحكومة التركية على أن الهدف من التوغل هو إحلال السلام، تمرّ العلاقات التركية-الكردية بأسوأ مراحلها بعدما باءت عملية السلام التي انطلقت مع حزب العمال الكردستاني في العام 2012، بالفشل، وبعدما أسفرت العمليات العسكرية في جنوب شرق تركيا عن مقتل نحو مئتَي مدني كردي في العام 2015. تستمر تركيا في سجن قادة حزب الشعوب الديمقراطي الشرعي الموالي للأكراد. وقد حذّر مراد كاراييلان، عضو اللجنة التنفيذية في حزب العمال الكردستاني، في مقابلة عبر قناة "ستيرك تي في" في 20 كانون الثاني/يناير، من أنه سيُنظَر إلى الهجوم على عفرين بأنه هجوم على جميع الأكراد، متوعِّداً بأن حزبه لن يبقى مكتوف اليدَين.

نتيجةً لذلك، وعلى الرغم من أن مقاتلي وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في عفرين، الذين تُقدَّر أعدادهم بـ8000 إلى 10000 عنصر، يخوضون مواجهة مع ثاني أكبر جيش في الناتو والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، إلا أن أنقرة قد تجد أن دخول عفرين أسهل بكثير من فرض سيطرتها وبسط السلام والازدهار. يعاني الجيش التركي، على الرغم من قوّته النارية، من الإضعاف بسبب زجّ عدد كبير من كبار ضباطه في السجون إبان المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد أردوغان في العام 2016. 

إذاً قد تُحقّق المغامرة المحفوفة بالمخاطر النتائج التي يتوخّاها أردوغان: إضعاف العلاقات بين الأكراد والولايات المتحدة، وسحق تجربة روج آفا. وفي تركيا، قد تمنح المخاوف على الأمن الداخلي أردوغان تبريراً إضافياً لإطالة أمد حال الطوارئ المعمول به منذ الانقلاب الفاشل في العام 2016، ولترسيخ صورته في موقع الرجل القوي إقليمياً على مشارف الانتخابات الرئاسية في العام 2019. يستطيع أردوغان، عن طريق عملية عفرين، استغلال الخوف العميق والعابر للأحزاب من النزعة التحرّرية الوحدوية لدى الأكراد. لكن، وفي حين أن الهدف المعلَن هو حماية تركيا من الأعمال الإرهابية الكردية، قد يكون التأثير معاكساً تماماً. 

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

بينار تانك باحثة في معهد بحوث السلام-أوسلو (PRIO). لمتابعتها عبر تويتر: PinarTank1@

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.