المصدر: Getty
مقال

مملكة كرة القدم

بينما تستثمر السعودية في لاعبين دوليين رفيعي المستوى، لا بدّ من التساؤل كيف يمكن أن يتحسّن الدوري المحلي؟

 عصام القيسي
نشرت في ٢١ سبتمبر ٢٠٢٣

لطالما كانت الاستثمارات الأجنبية في الأندية الأوروبية لكرة القدم موجودة. ولا شكّ أن كرة القدم الأوروبية، عند أعلى مستوياتها، تعدّ الرياضة الأكثر شعبية على مستوى العالم، ناهيك عن كونها صناعة مربحة للغاية. وهذا ما يجعلها نقطة جذب للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، سواء من الولايات المتحدة أو الخليج العربي أو شرق آسيا.

خلال العقد الفائت، شهدت الاستثمارات الخليجية العربية في كرة القدم الأوروبية ارتفاعًا إلى مستويات غير مسبوقة، ما أسهم في تشكيل بعض من أقوى الفرق في القارة. وتشمل نادي مانشستر سيتي، الذي حقق إنجازات رائعة منها الفوز بالدوري الإنكليزي الممتاز خمس مرات خلال السنوات الست الماضية وبدوري أبطال أوروبا العام الماضي، أو نادي باريس سان جيرمان، الذي سيطر على الدوري الفرنسي إذ فاز بالبطولة تسع مرات خلال المواسم الأحد عشر الماضية. الجدير بالذكر أن المستثمرين الإماراتيين اشتروا نادي مانشستر سيتي في أيلول/سبتمبر من العام 2008، في حين استحوذت قطر على نادي باريس سان جيرمان في العام 2011.

وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2021 ، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة 80 في المئة في نادي نيوكاسل يونايتد . واللافت أن النادي الإنكليزي تأهّل، في أعقاب هذه الخطوة، للدوري الممتاز في العام 2023 بعد انقطاع دام عقدَين. وبات تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى كرة القدم الأوروبية اتجاهًا سائدًا على نحو مطّرد، على الرغم من أن ذلك لا يزال يثير احتجاجات في بعض الأوساط (آخرها بطولة الدوري الإسباني الدرجة الأولى )، التي تنتقد الإجحاف المتصور الناجم عن الاستثمارات الهائلة المتدفقة من الدول النفطية.

لكن ما لم يكن في حسبان كرة القدم الأوروبية هو أن الدول الخليجية، ولا سيما السعودية، تطمح إلى ضمّ لاعبين دوليين إلى أندية بلدانهم.

بعد النجاح الباهر الذي حققته بطولة كأس العالم للعام 2022، الذي استضافته، على عكس كل التوقعات، دولة قطر الصغيرة جغرافيًا وديموغرافيًا، وجّهت المملكة العربية السعودية تركيزها نحو جذب نجوم كرة القدم الدوليين، الذين يلعب معظمهم في أوروبا، إلى الدوري السعودي لكرة القدم. وفي فترة الانتقالات الصيفية للعام 2023 وحدها، بلغت استثمارات أندية كرة القدم السعودية رقمًا ضخمًا وصل إلى 957 مليون دولار، لتحلّ في المرتبة الثانية بعد أندية الدوري الإنكليزي الممتاز، التي أنفقت 1.39 مليار دولار. وتمثّلت الأهداف الأساسية للاستثمارات السعودية غير المسبوقة في تعزيز المكانة الدولية للمملكة وإشعال الحماس الوطني لأكثر الرياضات المحبوبة في البلاد، على الرغم من أن استثماراتها لم تقتصر على كرة القدم فحسب. فقد أطلقت المملكة مؤخرًا بطولة لمحترفي الغولف، كانت تهدف في البداية إلى منافسة بطولة رابطة لاعبي الغولف المحترفين الأميركية، قبل دمج الاثنتَين في وقت لاحق.

على مدى سنوات، اعتاد نجوم كرة القدم اختتام مسيرتهم المهنية في دوريات تقدّم معيار منافسة أقل من دوريات الدرجة الأولى الأوروبية، لكن لقاء أجور أعلى. وتُعدّ هذه الخطوة بمثابة سعي لجني تعويضات كبيرة، أي أشبه بـ"يوم دفع" أخير إن جاز التعبير، في المحطة الأخيرة من مسيرتهم الكروية (بهدف الترويج لرياضة كرة القدم في هذه الدول). لكن اللافت في حالة المملكة، أن النجوم الذين تزيد أعمارهم عن 30 عامًا ليسوا وحدهم من انجذبوا إلى الدوري السعودي. فكريستيانو رونالدو، الذي يقترب الآن من نهاية مسيرته، مهّد الطريق للإقدام على هذه الخطوة، وأصبح الرياضي الأعلى دخلًا في العالم. علاوةً على ذلك، اختار عدد كبير من اللاعبين، الذين لا يزالون قادرين على التفوق في أعلى مستويات كرة القدم الأوروبية، توقيع عقود مربحة مقدّمة في السعودية.

لنأخذ على سبيل المثال التشكيلة الرسمية لنادي ليفربول التي فاز بها بدوري أبطال أوروبا للعام 2019، فقد كان أفضل فريق في العالم في ذلك العام، وفاز لاحقًا بكأس العالم للأندية. لقد انتقل خمسة لاعبين من أصل 11 لاعبًا من هذا الفريق إلى الدوري السعودي للمحترفين هذا الصيف. وبما أن لاعبي كرة القدم يحافظون في يومنا هذا على لياقتهم البدنية بعد تجاوزهم الثلاثين من العمر (مثلًا، فاز لوكا مودريتش، البالغ من العمر 38 عامًا والذي لا يزال يلعب مع نادي ريال مدريد، بجائزة أفضل لاعب في العالم عن عمر 33 عامًا في العام 2018)، من الممكن أن يواصل لاعبون مثل روبرتو فيرمينو (31 عامًا) وساديو ماني (31 عامًا) وجورجينيو فينالدوم (32 عامًا) وفابينيو تافاريز (29 عامًا) وقائد نادي ليفربول السابق جوردان هندرسون (33 عامًا)، التألق في أعلى مستويات كرة القدم الأوروبية لمواسم عدّة أخرى.

مع ذلك، لا ينظر جميع لاعبي كرة القدم إلى الدوري السعودي للمحترفين بالجدية نفسها. فعلى سبيل المثال، انتقد توني كروس، الفائز بدوري أبطال أوروبا أربع مرات مع نادي ريال مدريد والفائز بكأس العالم مع المنتخب الألماني، مؤخرًا انتقال اللاعب الإسباني الشاب غابري فيغا إلى النادي الأهلي السعودي، واصفًا ذلك بأنه أمر "محرج". يعتقد كروس، إلى جانب الكثير من اللاعبين الآخرين الذين ما زالوا يشاركون بشكل نشط في أعلى مستويات كرة القدم الأوروبية، أن الدوري السعودي للمحترفين يُعتبر في المقام الأول وجهة تقاعد للاعبين الذين تنافسوا سابقًا على أعلى المستويات. وبالتالي، يجادلون بأن نزاهة الرياضة تتعرض للخطر عندما يقرر اللاعبون الشباب اللعب في المملكة، بدافع تحقيق مكاسب مادية فقط.

وعلى هذا الأساس، يتعيّن على الدوري السعودي للمحترفين، بهدف التحوّل إلى منافسة مذهلة لا تكون نسخة أخرى من الدوري الصيني الممتاز، جذب المزيد من النجوم الشباب (في هذه المرحلة يشكّل فيغا استثناء) ووضع رؤية طويلة المدى لدوري تنافسي. يجب أن يكون قادرًا على جذب لاعبين كمحمد صلاح، الذي يمكن القول إنه أنجح لاعب عربي على الإطلاق، وهو لا يزال في أوج مسيرته. والواقع أن صلاح كان بالفعل محط اهتمام نادي الاتحاد السعودي، الذي زُعم أنه تلقى عرضًا بقيمة 187.10 مليون دولار رفضه نادي ليفربول هذا الصيف. وعلى الرغم من المبلغ الطائل، لجأ وكيله إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوضيح أن صلاح ملتزم في الوقت الراهن مع نادي ليفربول.

في الوقت الراهن، بينما لا يزال المشروع في مراحله الأولى، لا تزال الأندية السعودية غير قادرة على المنافسة على أعلى مستويات هذه الرياضة حيث لا يزال أفضل اللاعبين يرغبون في التنافس. ويعني هذا أن دوري الأبطال هو البطولة التي تجمع بين الأبطال والوصفاء في أوروبا. ولا سبيل إلى مقارنة الدوري السعودي أبدًا بدوري أبطال أوروبا من حيث نسبة المشاهدة العالمية. وقد ترددت شائعات حول رغبة السعودية في الانضمام إلى البطولة المرموقة. وفي حين لا يمكن اعتبار ذلك غير قابل للتصديق تمامًا، نظرًا إلى أن إسرائيل انضمت، لأسباب سياسية، إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وشاركت في المسابقات الأوروبية منذ العام 1991، إلا أنه يظل طموحًا بعيدًا في هذه المرحلة.

بدلاً من ذلك، قد تكون المشاركة في بطولة كأس العالم للأندية، التي ستستضيفها السعودية في كانون الأول/ديسمبر، وسيلةً أخرى لإحراز تقدّم. وسيتمثّل الهدف في اكتساب المزيد من الأهمية، إذ إن البطولة تجمع فرقًا أوروبية إضافية (بدءًا من العام 2025) وقد تنافس دوري أبطال أوروبا. في مثل هذا السيناريو، قد تسنح الفرصة أمام السعودية بالفعل لتهيئة دوري قادر على تحدي تفوّق الدوريات الممتازة، على غرار تلك الموجودة في إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا. لكن سؤالًا يطرح نفسه بقوّة هنا: هل سترحّب أوروبا بتحدٍّ مماثل؟

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.