المصدر: Getty
مقال

قادة سورية يُظهِرون نواياهم

أقرّت البلاد مؤخّرًا إعلانًا دستوريًا يزرع بذورًا غير معتادة تستحقّ المتابعة.

نشرت في ٢١ مارس ٢٠٢٥

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، في 13 آذار/مارس، دستورًا مؤقّتًا أو "إعلانًا دستوريًا" بتعبير تقنيّ أكثر، لحكم سورية خلال مرحلة انتقالية تمتدّ خمس سنوات.

هل البلد الذي عانى من حرب أهلية شهدت تدخّلًا خارجيًا، ولا يزال خاضعًا للاحتلال الأجنبي، والعقوبات الدولية، والاقتتال الداخلي، على وشك الانتقال إلى حكمٍ دستوري؟ ليس بالضرورة. لكن الإعلان يبعث بإشارات حقيقية للغاية حول نوايا القيادة السورية الجديدة تجاه الحكم على المدى القصير، ويغرس بذورًا غير معتادة قد تنمو في نهاية المطاف بطرق غير متوقّعة إذا ما تحسّنت الظروف.

تمنح هذه الوثيقة، التي صاغتها في غضون عشرة أيام لجنة صغيرة من الخبراء، في أعقاب الحوار الوطني في شباط/فبراير، ضمانات للحقوق بلغةٍ دقيقةٍ للغاية توحي بأنها أكثر من مجرّد تطلّعات، لكن الدولة بشكلها الراهن بالكاد تبدو مُهيّأة لتحقيق هذه الضمانات. والتطلّعات التي يجسّدها الإعلان الدستوري واضحة تمامًا بشأن مسائل ثلاث: سورية هي دولة وحدوية؛ والرئاسة ستتولّى قيادة البلاد في الوقت الحالي؛ والبلاد تحتاج إلى مواجهة ماضيها.

أولًا، ذُكِرَت "وحدة" الدولة السورية و"سلامة أراضيها" وطبيعتها التي "لا تتجزّأ" في مقدّمة الإعلان وستٍّ من موادّه. ودفاعًا عن هذه الوحدة، يحظّر الإعلان الجماعات المسلحة، مستخدمًا لغةً تبدو وكأنها توسّع نطاق هذا الحظر ليشمل الأفراد، كما يؤكّد على أن الدولة وحدها هي المخوّلة حمل السلاح.

ثانيًا، تمارس الرئاسة (التي يُفترَض أن يبقى شاغلها الحالي في منصبه) جميع السلطات التنفيذية مباشرةً، أو تعيّن مسؤولين يكونون خاضعين للرئيس وحده (وإن كان يجوز للبرلمان أن يعقد جلسات استماع مع الوزراء). ويتولّى الرئيس أيضًا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقترح القوانين ويصادق عليها. ويكون للبلاد مجلس شعب يُختار ثلثا أعضائه من خلال عملية غير مُحدَّدة بوضوح تتضمّن "هيئات فرعية ناخبة"، على أن يتولّى الرئيس تعيين الثلث المتبقّي. وسيكون بإمكان مجلس الشعب إقرار الموازنة العامة والقوانين التي تُحال إلى الرئيس للموافقة عليها. وفي حال اعترض الرئيس على قانونٍ أقرّه المجلس، فيجوز لهذا الأخير إبطال الاعتراض. ولكن بالنظر إلى العدد الكبير من المُعيَّنين من الرئيس، والمشهد السياسي المتشظّي في سورية، يبدو من المستبعد أن يكون مجلس الشعب قادرًا على صياغة أجندة متماسكة منفصلة عن أجندة الرئيس. وبالفعل، مع حظر حزب البعث واشتراط الدستور إصدار قانون جديد للأحزاب السياسية، ليس واضحًا حتى مَن سيكون مُمثَّلًا وعلى أيّ أساس.

أخيرًا، تتطرّق مقدّمة الإعلان إلى ما طبع ماضي سورية من ظلام وقمع وطغيان وتعذيب. أما في الحقبة الجديدة المتّسمة بالنصر، فستُشكَّل لجنة مُكلَّفة بتطبيق العدالة الانتقالية. وستبقى معظم القوانين والهياكل قائمة إلى حين استبدالها، ولكن ثمّة استثناءات مهمّة: سيُصار إلى صرف قضاة المحكمة الدستورية؛ وستُلغى مفاعيل القوانين والأحكام الاستثنائية الصادرة عن محكمة الإرهاب؛ ولن تكون جرائم النظام السابق محميّةً بمبدأ عدم رجعية القوانين.

وهكذا، يدعو الإعلان الدستوري إلى الحفاظ على وحدة سورية ونأيها عن ماضٍ اتّسم بالوحشية لتتّجه نحو مستقبل مشرق، من خلال عملية انتقالية يقودها رئيسٌ قد يتمكّن مجلس الشعب من استمالته، ولكن لا قيادته. والواقع أن التركيز على وحدة الأراضي والرئاسة القوية موضوعان تكرّرا كثيرًا في التاريخ الدستوري السوري.

أما المسارات السياسية والقانونية المحتملة، فنرى في التفاصيل الدقيقة لأحكام أخرى بعض ما يؤشّر عليها، ربما أبرز هذه الأحكام تلك التي تتعلّق بالدين. فالإعلان الدستوري يتضمّن تلميحات مألوفة جدًّا في المنطقة حول تكريس الإسلام مع حماية الحريات الدينية، غير أن الكلمات المختارة توحي بأن هذه التلميحات قد تكون أكثر من مجرّد صياغة منمّقة.

أولًا، يتضمّن الإعلان الدستوري مادّة شديدة الوضوح بشأن اعتماد "الفقه" الإسلامي مصدرًا رئيسًا للتشريع، في عودةٍ إلى دستور سورية للعام 1950، الذي كان أول دستور في المنطقة يُدرِج مثل هذا البند المتعلّق بالشريعة. والمادّة قد تحمل في طيّاتها تأثيرًا أكبر، إذ تشير تحديدًا إلى "الفقه" بدلًا من الإشارة بشكلٍ مبهم إلى "الشريعة الإسلامية" أو "مبادئها"، كما تفعل دول أخرى في المنطقة، ناهيك عن أنها تُدخِل "ال" التعريف على كلمة فقه. ولكن الأهمّ من ذلك بكثير أن البند يُطبَّق في ظلّ حكم رئيسٍ إسلامي، ويُفسَّر من محكمةٍ دستوريةٍ هو مَن يعيّن أعضاءها، أي أن ما كان عمومًا لغةً رمزيةً في سياقات أخرى قد يكتسي معنًى حقيقيًا في سورية.

نلاحظ أيضًا في التفاصيل الدقيقة للأحكام المتعلّقة بالحريات الدينية بعضَ العناصر التي قد تمنح هذه الأحكام زخمًا أقوى. فالإعلان الدستوري يكفل حرية "الاعتقاد" بدلًا من "العقيدة"، وهذا المصطلح الأخير يميل إلى حصر الحقوق بالأديان الراسخة والمُعترَف بها، في حين أن المصطلح الأول يشير إلى ما هو أقرب إلى حرية الضمير الفردية. ومع ذلك، وحدها الديانات "السماوية" المُعترَف بها تُصان شعائرُها وتكون أحوالُها الشخصية نافذة. والجدير بالذكر أيضًا أن الصراعات في سورية اليوم، حتى تلك التي تحمل بُعدًا طائفيًا كبيرًا، لا تركّز على الشعائر الدينية والأحوال الشخصية، بل من الأفضل النظر إليها على أنها ذات طابع إثنيّ وسياسي.

وفي ما يتعلّق بالحقوق بصورة أعمّ، يبدو أن عملية صياغة الإعلان الدستوري المتسرّعة والمغلقة، إضافةً إلى الطابع المؤقّت للإعلان، حالا دون اعتماد مسارٍ معتادٍ تُعامَل فيه الدساتير كأنها أشجار عيد الميلاد (إن جاز التشبيه)، تُعلّق عليها الجماعات المختلفة بنودَها أو حقوقَها المُفضَّلة. ولكن ذلك قد يحدث مرّة واحدة أو عند صياغة وثيقة أكثر ديمومةً.

مع ذلك، تضمّن الإعلان مادّة قاطعة بشكل مفاجئ مفادها أن "جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان" التي صادقت عليها سورية تشكّل "جزءًا لا يتجزّأ من هذا الإعلان الدستوري". والحقوق هذه كثيرة جدًّا. على وجه الخصوص، صادقت سورية قبل نصف قرن على كلٍّ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هاتان الوثيقتان مستفيضتان وتملآن الكثير من الثغرات في الإعلان الدستوري نفسه (أحكام الحريات الدينية مثلًا مُفصَّلة للغاية). وبرفع هذه الوثائق إلى مرتبة دستورية، يبدو أن الحاجة إلى التشريعات التنفيذية تنتفي، لا بل إن العكس هو الصحيح نظريًا: تُعَدّ النصوص القانونية التي تتعارض مع هذه الصكوك الدولية غير دستورية، شرط أن تطعن بها المحكمة الدستورية الجديدة وتلغيها.

كذلك يحمل الإعلان الدستوري، بالرغم من اقتضابه، بعض الإشارات المربكة أحيانًا. فهو يلغي التمييز على أساس الجنس، ويكفل حقّ المرأة في التعليم والعمل من دون قيد أو شرط، ولكنه يصون أيضًا "كرامتها" "ودورها داخل الأسرة والمجتمع". ومع أن ما من تناقض قانوني بين الأمرَين، يبدو أن ثمّة محاولة للتعبير في آن واحد عن أفكار مُنادية بالمساواة وأخرى مُحافِظة أكثر، من دون تقديم أيّ توجيهٍ بشأن كيفية حلّ أيّ توتّر قد ينتج عن ذلك.

والأمر الأبرز هو ما أغفله الإعلان الدستوري إغفالًا تامًا، إذ إنه لا يتطرّق أبدًا إلى كيفية استبداله. فعملية صياغة دستورٍ أكثر ديمومة ستصطبغ بالصراعات السياسية في السنوات القليلة المقبلة، ومع ذلك لا تتضمّن الوثيقة أيّ بندٍ حول كيفية ترجمة محصّلة هذه الصراعات إلى نصّ دستوري. وبما أن معظم التفاصيل الدقيقة المثيرة للاهتمام في الوثيقة المؤقّتة تشير إلى مساراتٍ قد تتطوّر تدريجيًا مع مرور الوقت، ولا سيما في ما يخصّ حقوق الإنسان، يكتسب هذا الإغفال دلالة ملحوظة.

لكن الدساتير المؤقّتة، حتى تلك التي تتضمّن مواعيد انتهاء واضحة ومتطلّبات أكثر صرامة لاستبدالها، غالبًا ما تحدّد نقطة انطلاق للمفاوضات الدستورية. وإذا ما شرع واضعو الدستور في صياغة دستور دائم، فستكون أمامهم هذه المجموعة المؤقّتة من الأحكام، التي تحدّد التوقّعات، وتؤطّر المسائل الحساسة، وتقدّم صياغة محدّدة. يبدو من المستبعد أن يتمتّع السوريون اليوم بالحريات التي وُعِدوا بها. ولكن إذا انبثق مسارٌ سياسي بالفعل خلال الفترة الانتقالية، يفضي إلى جهاز دولة أكثر شرعية وكفاءة، فقد يعود المواطنون إلى بعض هذه الصياغة، أو سيحاولون ربما التوفيق بين الوعود التي قُطعَت لهم والرئاسة القوية، التي تمكّنت من إعادة ترسيخ نفسها في ثوب إيديولوجي يبدو لكثيرين مختلفًا تمامًا عن هذه الوعود.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.